اتفاق أبوظبي يعتبر خريطة طريق جديدة نحو تفاهمات أخرى أكثر وضوحا ستسمح بتحقيق الاستقرار.
أمل جديد يبرق من حاضرة زايد الخير، لحلحلة الأزمة السياسية الليبية وإنهاء حالة الانسداد السياسي، والتخلص من المرحلة الانتقالية التي أثقلت كاهل الليبيين وسئموا من الوجوه السياسية البائسة المتصدرة للمشهد السياسي، الذين أوصلوا البلاد إلى النفق المظلم من خلال التناطح الحزبي والمصالح الخاصة والفئوية.
اتفاق أبوظبي انتهى إلى الذهاب إلى انتخابات لإنهاء المرحلة الانتقالية البائسة، الأمر الذي يتفق عليه الجميع دون الاتفاق على التفاصيل، وفي التفاصيل مكمن الاختلاف، والخلاف بل حتى الصراع.
يبقى اتفاق أبوظبي خالياً من المصلحة لدى المضيف، أكثر قرباً لتحقيق الاتفاق، مما كان عليه الأمر في روما وباريس، حيث كان نزاع شركتي "إيني" و"توتال" على النفط الليبي حاضراً، في غياب معاناة الشعب الليبي.
اجتماع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر مع فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي غير المزكَّى، قد يفتح الباب أمام حلحلة الخلاف السياسي، خصوصاً أن الأخير (السراج) كان دائم المناكفة مع القيادة العامة للجيش الليبي بترقية وتكليف شخصيات جدلية لا مؤهل لها سوى أنها تكن العداء للجيش الليبي، سواء من ضباط مفصولين من الخدمة أو آخرين ليسوا من ضمن أفراد المؤسسة العسكرية، فالسراج اعتاد التدخل بالزعم أنه القائد الأعلى للجيش الليبي، رغم أن اتفاق الصخيرات لم ينص عليه قائداً أعلى للجيش، فهو اعتاد التدخل بـ«غير ذي صفة» كما وصفته محكمة استئناف طرابلس، في إحدى جلسات المنازعة التي رفعت عليه. فالمجلس الرئاسي لم يتبقَّ منه سوى ثلاثة أعضاء بعد أن غادره خمسة آخرون ضمن تشكيلة اتفاق الصخيرات.
التفاؤل الحذر مما انتهى إليه اتفاق أبوظبي، لا يمنعنا من التساؤل، عن الآلية التي سوف يتم بها تطبيق الاتفاق، ومن الضامن للاتفاق من الانقلاب عليه، فهناك سابقة للإسلام السياسي في نكث العهود والمواثيق والتنكر لها، خصوصاً أن ما تبقى من مجلس السراج ثلاثة، اثنان منهم يمثلان الإسلام السياسي.
الأزمة الليبية تنقلت بين عواصم العالم الغربي والعربي؛ من روما وباريس ولندن وجنيف إلى الصخيرات المغربية، وتونس مروراً بالجزائر والقاهرة وصلالة العمانية إلى أن انتهت اليوم في أبوظبي.
الأزمة الليبية عجزت عن حلحلتها روما وباريس بنسخها المتعددة، ولعل آخرها باليرمو الإيطالية، وجميعها فشلت أو انتهت إلى الفشل، بسبب نزاع المصالح بين إيطاليا وفرنسا رغم إعلان التفاهمات، التي سرعان ما كان يسارع إلى المهيمنين على العاصمة طرابلس بشتى الطرق، رغم التزام الجيش الليبي بعدم التدخل في العملية السياسية وتفرغه لمحاربة الإرهاب، التي قطع فيها شوطاً كبيراً لا يمكن القفز عليه أو نكرانه، بل إن بعض قيادات الإسلام السياسي حاولت مغازلة الجيش في انتصاراته الأخيرة في الجنوب الليبي وتطهيره من الإرهاب والإرهابيين والعصابات العابرة للحدود.
اتفاق أبوظبي يعتبر خريطة طريق جديدة نحو تفاهمات أخرى أكثر وضوحاً ستسمح بتحقيق الاستقرار، إذ إن عمليات الجيش الليبي تكاد تنهي الوجود الإرهابي، خصوصاً في الجنوب بعد إنهاء أي بؤرة له في الشرق وتضييق الخناق على ما تبقى من الجيوب في الغرب الليبي، ما قدم دفعة للعملية السياسية بقواعد جديدة لا يمكن فيها تجاهل خيار الشعب الليبي الذي انحاز إلى الجيش، ورفض أن يكون حاضناً للمليشيات المحلية والأخرى الوافدة.
وعلى رغم شح التفاصيل، والشكوك في الالتزام بالتنفيذ، فإن الاتفاق تم على إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال الانتخابات، وتعديل تشكيلة المجلس الرئاسي، وتشكيل مجلس عسكري.
اتفاق أبوظبي رغم تلميحات برفضه من قيادات "الإخوان"، فإن بعض قيادات أخرى قامت بمغازلة الاتفاق، بل تجاوزته إلى الإعجاب بعملية الكرامة التي أطلقها الجيش الليبي منذ أربع سنوات، ما يعتبر حالة من تبادل الأدوار داخل تنظيم "الإخوان"؛ حيث طرف يرفض بقوة وآخر يغازل لدرجة العشق، في محاولة لخلط الأوراق والابتزاز كعادة التنظيم الشرس، الذي لن يرحم معارضيه لو وجد فيهم لحظة وهن وضعف، ما يؤكد أنهم ليسوا شركاء حقيقيين في صنع السلم الاجتماعي، لكونهم يكفرون المجتمع، وينظرون إليه نظرة "الكافر المرتد". ولكن يبقى اتفاق أبوظبي خالياً من المصلحة لدى المضيف، أكثر قرباً لتحقيق الاتفاق، مما كان عليه الأمر في روما وباريس؛ حيث كان نزاع شركتي "إيني" و"توتال" على النفط الليبي حاضراً، في غياب معاناة الشعب الليبي.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة