الواقع الليبي ينذر بالخطر حيث عملت قطر مع داعمي الإرهاب على تدمير النظام الليبي
ما زالت تبعات الربيع العربي وما استتبعه من تطورات دراماتيكية ومتغيرات بالغة تنذر بالكثير من الأخطار، والتي تشمل المنطقة برمتها وتؤثر على الخريطة السياسية في بلدان الحراك العربي، وبصورة تفضي إلى انهيار منظومات داخلية وصعود أخرى، وقد تؤدي إلى اصطراعات مؤلمة في واقعنا العربي.
والهدف من هذا الاستتباع تفكيك الدول العربية ودفع الأتراك والأكراد وشعوب منطقة الشرق الأوسط بكاملها ليقاتل بعضهم بعضاً، كما فعلت أميركا مع الهنود الحمر من قبل، لذلك تعمل القوى الضالعة في تنفيذ مشاريعها على تفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعاً وكلاً على حدة، سواء إلى دويلات أم كانتونات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية.
وسبق أن أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى الوضع القائم في ليبيا لدفع النعرات القبلية إلى الانقسام لثلاث دويلات، واحدة في الشمال الغربي للبلاد عاصمتها طرابلس، وأخرى في الشرق تتبع بنغازي، زيادة على دولة فزان التابعة إلى سبها التي عُرِفت بولائها للقذافي خلال ثورة 17 شباط.
التدخل القطري في الشأن الليبي ودعم الجماعات المتطرفة أضحى واضحاً لكل المنظمات والهيئات الدولية، وتسليم زعماء تلك الجماعات الأسلحة والأموال بشكل إجرامي وسافر لتوسيع إطار الاقتتال على الأرض الليبية، ولابد من اتخاذ إجراءات قانونية ضد سياساتها وردعها.
الواقع الليبي ينذر بالخطر، حيث عملت قطر مع داعمي الإرهاب على تدمير النظام الليبي وإشاعة الفوضى بداخله، ولجهة مواصلة الأطراف المتصارعة على الحكم التشبث بأوهام وأحلام متهاوية من خلال الرهانات المطروحة على أن هذه الأطراف تعتبر جزءاً من السياسة الليبية، وهي القادرة على قلب كافة المعادلات المغايرة لأسلوبها وقواعدها وموازينها كونها تعتقد أن بإمكانها إحداث تغييرات لصالحها، ويستحيل تغيير أو تبديل واقعها الذي تنتهجه.
والدول الراعية للإرهاب وأدواتها فتحت الباب على مصراعيه للإرهابيين على الساحة الليبية حتى وقبل الإطاحة بالقذافي، فهذا جون ماكين سيناتور أميركي في عام 2009م زار ليبيا وامتدح القذافي، وقال عنه إنه رجل عظيم، وفي الوقت نفسه كان يخطط مع مجموعات إرهابية وإجرامية لتدمير ليبيا، وفي بداية تفاعلات سقوط النظام تحرك السيناتور ماكين لإظهار عبد الحكيم بلحاج الذي كان مسجوناً في أميركا بصفته إرهابياً وأخرجه من السجن؛ ليكون في الأضواء مع إرهابيين من القاعدة بعد ذلك أخرج مجموعات إرهابية من السجون الأميركية وقال جون ماكين عنهم: إنهم أبطالي وقابل عدداً من عناصر القاعدة وداعش واعتبرهم وطنيين ينبغي مساعدتهم ويمثلون حركة وطنية ويستوجب دعمهم، ثم ذهب بلحاج إلى أفغانستان وتعاون مع بن لادن متأثراً بمفتي الإرهاب القرضاوي وبجون ماكين وهذا الأخير يعتبر بلحاج بمثابة ابنه.
والدور القطري الهدام والتدميري بدأ عند الاستعانة بعبد الحكيم بلحاج، وهو شقيق أبو يحيى الليبي الرجل الثاني في تنظيم القاعدة.
وبلحاج أحد القيادات النشطة في الجماعة الليبية المقاتلة، وهي جماعة مسلحة ذات فكر تكفيري تنادي بإسقاط الأنظمة العربية بالسلاح، وكان تمويله مالياً وبكل صنوف الأسلحة، حتى أن قناة الجزيرة كانت تظهره كأنه بطل، وفجأة بعد أن ترك أفغانستان انتقل إلى الكلام عن حقوق الإنسان، وأصبح سياسياً يتحدث عن الديمقراطية مع مفتي الإرهاب القرضاوي وبتنسيق مشبوه وعمالة مفضوحة.
التقاتل بين الجماعات المسلحة على أشده وبين مختلف الفصائل، وكلها ترتبط بمشغّل واحد وهي بالأساس جماعات مصالح وأصحاب امتيازات شخصية، قبائل من مصراته هم مستعدون للتحالف مع أي حزب، وجماعة فجر ليبيا وهي تنظيم قبلي أيضاً تنتمي لقبائل مصراته، وهناك العديد من الفصائل المنضوية تحت نفوذ داعش والنصرة والقاعدة وأنصار الشريعة، والاستراتيجية الأميركية تقول: "دعهم يتقاتلون ليهلك بعضهم بعضاً طالما أنهم لا يعتدون على مصالحنا".
تعاونت الجماعات الإرهابية بما في ذلك تنظيم الإخوان لإدخال عناصر إرهابية إلى ليبيا، وأن القطري العميد مبارك النعيمي جاء ليبيا لتثبيت وجود القاعدة والإخوان الإرهابيين في الحكم، وكذلك هناك الشخصية الأخطر المهدي الحاراتي عميد بلدية طرابلس ومؤسس لواء الأمة في سوريا، والذي قاتل في كوسوفو والعراق، وفتح معسكرات تضم أفراداً من مصر وليبيا وتونس والنيجر وكان يرسلهم إلى سوريا.
وكانت قطر مهمتها نقل هؤلاء إلى تركيا ومن ثم إلى سوريا، والمستندات تكشف قيام الدوحة بإنزال طائرات نقل عسكرية قطرية على الأراضي الليبية، وهذه الطائرات تقوم بنقل ذخائر وأسلحة وإرهابيين إلى داخل ليبيا، وأيضاً نقل أسلحة من ليبيا إلى تركيا ومنها توزع في سوريا.
ولعل أفضل من قدم جواباً شافياً وافياً على المشهد الحالي القطري المرتبك، بل والآخذ في الانهيار هو الكاتب والباحث الفرنسي الشهير تيري ميسان، والذي اعتبر أن الدور القطري كان يصب منذ بدايات ما أُطلِق عليه الربيع العربي في خانة المصلحة العليا لحقبة جديدة من الاستعمار، مبنية على صفقة سرية بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
لقد طالب نائب رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق، والخبير القانوني عبد الحفيظ غوقة، بتقديم العديد من المسؤولين في قطر لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة دعم الإرهاب في ليبيا منذ بداية أحداث ثورة 17 شباط وحتى الآن، موضحاً أن التدخل القطري في ليبيا كان واضحاً منذ أول يوم لثورة شباط، بتقديمها الدعم المالي والسلاح لأمراء الجماعات المتطرفة في ليبيا، وأن رئيس الأركان القطري تجاوز نظيره الليبي وقتها عبدالفتاح يونس، وقال أكاد أجزم بأن قطر هي من حرّض على قتله لأنها كانت لا تريد قيام مؤسسة عسكرية في ليبيا عقب انتهاء الثورة.
قطر تدخلت في الشؤون الداخلية لعدة دول عربية؛ بهدف دعم الجماعات المتطرفة الإرهابية غير عابئة بما تؤول إليه تلك العمليات الإجرامية من قتل للأرواح وتدمير للبلاد، وغير مكترثة بكل الأعراف والقرارات الدولية التي تؤكد على مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها.
التدخل القطري في الشأن الليبي ودعم الجماعات المتطرفة أضحى واضحاً لكل المنظمات والهيئات الدولية، وتسليم زعماء تلك الجماعات الأسلحة والأموال بشكل إجرامي وسافر لتوسيع إطار الاقتتال على الأرض الليبية، ولا بد من اتخاذ إجراءات قانونية ضد سياساتها وردعها عن المساهمة في تدمير عدة دول عربية دون وازع أخلاقي وضمير إنساني، خاصة أن الأدلة والوثائق القانونية واضحة في إدانة دولة قطر وجرائمها.
وبكل الأحوال يتطلب إشراف الأمم المتحدة على جميع جهود الوساطة ما بين القائد العام للجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق الوطني؛ وصولاً إلى اتفاق موحد ينقذ البلاد من الانهيارات ودوامة الاقتتال.
فالأوضاع العامة لا تزال معقّدة وشائكة ولم يتم تجاوزها، والمعادلات المطروحة عديدة ومختلفة، وينبغي تدعيم الاتجاه الوطني وتنشيط عمليات التسوية السياسية، وإعادة بناء هيكلية الدولة بشكل كامل، وتركيز كل مبادرات الوساطة في إطار عمل الأمم المتحدة للتسوية والحوار البناء بين أبرز الشخصيات الوطنية الليبية؛ لكي يتوصلوا بأنفسهم إلى اتفاق يضمن سلامة ومستقبل البلاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة