النموذج الخليجي العربي في مواجهة إيران يمرّ في مرحلة ولادة شبه متعسِّرة
الأمن الخليجي شكّل عاملاً مهماً في جلسات وحوارات الملتقى، وأصبح من الملاحظ وبشكل كبير في معظم النقاشات أن الأسس الثقافية للحساسية السياسية تجاه فكرة الأمن الخليجي مشتركة لدى الجميع، سواء الخليجيين أم غيرهم.
خلال الأسبوع الماضي وتحديداً يومي 12-13 نوفمبر عُقِد ملتقى أبوظبي الإستراتيجي للمرة الرابعة، فلِمَ لهذا الملتقى كل هذه الأهمية في المنطقة العربية والخليجية تحديداً..؟، هذا الملتقى يقيمه مركز الإمارات للسياسات والذي ترأسه الدكتورة ابتسام الكتبي، وهي أستاذ للعلوم السياسية وواحدة من المفكرين القلائل في هذا المجال في المنطقة، وليس هذا فقط؛ فالدكتورة ابتسام إدارية ناجحه شهدتها خلال مشاركاتي في أنشطة مركز الإمارات للسياسات، فإدارة هذا المركز بطبيعته وإخراج مثل هذه الملتقيات بهذه الكفاءة عملية فيها من التحديات الشيء الكثير.
الأمن الخليجي شكّل عاملاً مهماً في جلسات وحوارات الملتقى، وأصبح من الملاحظ وبشكل كبير في معظم النقاشات أن الأسس الثقافية للحساسية السياسية تجاه فكرة الأمن الخليجي مشتركة لدى الجميع سواء الخليجيين أم غيرهم
هنا سوف أستعرض تحديداً ما يخصُّ الأمن الخليجي وإيران، فخلال تسع جلسات شارك فيها، بحسب حديث الدكتورة ابتسام "نحو 500 من صانعي السياسات والسياسيين والخبراء والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم، سعى «ملتقى أبوظبي الإستراتيجي الرابع» إلى مقاربة تحولات النظام الدولي، والتطورات الجيوسياسية الإقليمية، وقضايا منطقة الشرق الأوسط" انتهى كلامها.
يجب الإشارة أولاً إلى الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور أنور قرقاش، وأبرز ما تضمنته هذه الكلمة وتحديداً ما جاء في نهايتها من دعوته إلى تبني خمسة مبادئ "لتمكين الدول العربية المعتدلة من تبني أجندة مشتركة تحقق التقدم، وهي: عدم التسامح مطلقاً مع الإرهاب وداعميه؛ والعمل المشترك لمواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون العربية؛ وتعزيز التعاون بين الدول العربية ذات السيادة، وتبني الحلول السياسية للنزاعات في المنطقة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية عن طريق الحوكمة الرشيدة وتحقيق التطوير الاقتصادي.
في أكثر الحوارات إثارة طغت الصورة العربية والخليجية ومستقبلها على النقاشات بشكل كبير، وبدأ النموذج الإيراني الذي شغل المنطقة وتسبب في الكثير من أزماتها على مدى أربعة عقود يصل إلى حدوده، فكل نموذج مهم كان لابد له من حدود ينتهي إليها، وخاصة إذا كان هذا النموذج أيديولوجياً كما في إيران، حيث يفتقد النموذج الأيديولوجي إلى المرونة في أركانه الرئيسة التي تفضل التصادم مع المعوقات التي تعترضها، وهذا يحدث للنموذج الإيراني.
الأمن الخليجي شكّل عاملاً مهماً في جلسات وحوارات الملتقى، وأصبح من الملاحظ وبشكل كبير في معظم النقاشات أن الأسس الثقافية للحساسية السياسية تجاه فكرة الأمن الخليجي مشتركة لدى الجميع، سواء الخليجيين أم غيرهم، فالمنطقة الخليجية تعود بقوة خلال فترة الرئيس الأميركي (ترمب) إلى تأكيد هويتها الدولية في قلب الاهتمام العالمي، ولكن ذلك أصبح يتطلب إزاحة العوائق وتبني أولويات داخل الإطار العربي والخليجي معاً.
من المفاهيم الأساسية التي استنتجتها خلال هذه الحوارات هي فكرة الانتقال من الحوار التقليدي في تحليل النموذج الإيراني الطاغي على الساحة الفكرية، حيث ثلاثة مرتكزات الكل يتحدث عنها ويعيدها خلال العقود الثلاثة الماضية تحديداً وتتمثل في: (إيران تتدخل في الدول العربية، إيران تنشر نموذجها الطائفي، إيران تمارس سلطتها الدينية نيابة عن إمام غائب وليس على السيادة الإنسانية كما تدعي في نموذجها الديمقراطي).
نعم هذه إيران وهذا هو نموذجها، ولكن من وجهة نظري هناك تحول يجب أن يتم في معالجة النتائج السياسية إذا ما أردنا أن نعيد صياغة مفهوم الأمن الخليجي وعلاقتنا في مواجهة النموذج الإيراني، وخاصة أن النموذج الإيراني ومنذ انطلاقته تعهد بالإحالة الدائمة على المفهوم -الروحي- حيث لايتم السماح بأي فكرة أو رأي في العدالة أو السلطة السيادية خارج هذا المفهوم.
هذه المرتكزات التقليدية أصبحت الفضاء السياسي المتاح لنا الحديث عنه وتكراره، خاصة أن النموذج الإيراني كرّسها في العالم الإسلامي كمبدأ أساسي، نحن في المنطقة الخليجية نتلقى صورة أكثر وضوحاً من غيرنا حول حجم التأثيرات للنموذج الإيراني والصيغة الممكنة في تجاوز هذه المسار التقليدي، وبدأ للعالم أننا نحن من يرفض تصحيح المسار الإيراني وعلاقاته الإقليمية، وهذا كلام غير دقيق ودفعنا من أجل ذلك ثماني سنوات في عهد الرئيس الأميركي (أوباما).
حقيقة إن النموذج الخليجي العربي في مواجهة إيران يمرّ بمرحلة ولادة شبه متعسِّرة ولكنه ممكن الحدوث قريباً عبر التصحيح الداخلي، وتفتتيت الإطار التقليدي للنموذج الإيراني، وتبني موقف متشدد تجاه تلاعب النموذج الإيراني بالخريطة الجينية للإسلام عبر أيديولوجيا الطائفة والمذهب؛ في سبيل تحقيق انتصارات جانبية، مناقشة النموذج الإيراني التقليدي يجب أن تنتقل إلى مرحلة تتبنى أولويات حادة يمكن إيجازها بالتالي:أولاً تعزيز دور الدولة الوطنية الخليجية وبناء هوية خليجية مشتركة، ثانياً: العمل على تحليل وتفكيك البناء السياسي الداخلي الإيراني وعرض إخفاقاته التنموية والسياسية، ثالثاً: استخلاص نمط احتجاجي جديد يوفّر للشعب الإيراني فرصاً للتخلص من النموذج القائم، والتشهير بفشل هذا النموذج.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة