قبل 1990، كنا نتحدث عن الإعلام الغربي الراقي الذي يميل للحياد، لأنه لم يوجد يوماً، في هذا العالم الذي نعيش فيه، إعلام محايد
ذات زمن بعيد، وتحديدًا ما قبل عام 1990، كنا نتحدث عن الإعلام الغربي الراقي، الذي يميل للحياد، لأنه لم يوجد يوماً، في هذا العالم الذي نعيش فيه، إعلام محايد، وكنّا نعيِّر إعلامنا العربي بذلك الإعلام الغربي الذي انقرض، وحل محله إعلام الانحياز الذي يسير وفق الأجندة السياسية لصانع القرار، بعد أن كان الساسة الغربيون يرتجفون رعبًا من سطوته.
وأحيلكم بهذا الخصوص إلى زفّة الإعلام الأمريكي لإدارة بوش الابن، أثناء تحضيرها للحرب على العراق، في عام 2003، وهي الحرب التي خاضتها إدارة بوش دون موافقة مجلس الأمن، وبتقارير مزيّفة عن الكعكة الصفراء، ووجود أسلحة دمار شامل في العراق، وكان من نتائج تلك الحرب أن خسر العالم واحداً من أمهر الإعلاميين الغربيين، وأعني هنا دون روذرز، قارئ نشرات قناة سي بي سي، الشهيرة، الذي أُجبِر على الاستقالة، بسبب تقرير لم يرق لإدارة بوش - تشيني!.
نظام ملالي طهران، وبعده نظام الحمدين في قطر، استغلَّ هذا الانحدار في مستوى الإعلام الغربي، واستخدم لوبيات الضغط والمصالح، والدفع بالدولار، ليجد إعلاميين غربيين قابلين للرشوة، فأصبحت تقارير هؤلاء الصحفيين عبارة عن نشرات تُكتب في مكاتب الاستخبارات.
قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات، تم إبعاد المراسل الحربي الأشهر، بيتر ارنيت، مراسل قناة سي إن إن، وذلك بعد إصراره على نشر تقرير ضرب سلاح الجو الأمريكي لملجأ العامرية في بغداد، الذي تسبب بمقتل مئات الأبرياء من الشيوخ والأطفال.
ووصل الأمر الآن درجة أن الإعلام الأمريكي أصبح يمثل معسكرات الساسة، فقناة فوكس نيوز، ومعها بعض المؤسسات، تمثل المعسكر المحافظ، وفي الجهة المقابلة هناك معسكر أوباما وهيلاري كلينتون، الذي تمثله قنوات سي إن إن، وإم إس أن بي سي، ومن لف لفهما، وضاع المشاهد والحقيقة بين ثنايا هذا الإعلام المنحاز الذي يقدم الولاء الأيدولوجي والحزبي على حساب الحقيقة.
وشاهدنا تقارير وتعليقات منحازة، خصوصاً بعد انتخاب الرئيس ترمب، تشبه في كثير من الوجوه، إعلام ما يطلق عليه العالم الثالث، خصوصاً في القنوات اليمينية واليسارية المؤدلجة.
نظام ملالي طهران، وبعده نظام الحمدين في قطر، استغلّ هذا الانحدار في مستوى الإعلام الغربي، واستخدم لوبيات الضغط والمصالح، والدفع بالدولار، ليجد إعلاميين غربيين قابلين للرشوة، فأصبحت تقارير هؤلاء الصحفيين عبارة عن نشرات تُكتب في مكاتب الاستخبارات، ولا يتورع صحفي، كان يوماً صحفياً مرموقاً، مثل روبيرت فيسك، أو ديفيد هيريست أن ينشروا هذه التقارير الاستخباراتية بأسمائهم، كتقارير موثوقة!، خصوصاً أثناء الأزمات، كما هو حاصل الآن، بعد مقاطعة دول الرباعية لقطر، أو استقالة سعد الحريري.
وجاء الزمن الردئ الذي رأينا فيه كاتباً غربياً شهيراً ومرموقاً، مثل فريد زكريا، يتحول من صاحب فكر راقٍ محايد، إلى بوق لنظام طهران، ولإدارة أوباما قبل ذلك!، وهو الذي ما فتئ ينتقد تقييد حرية الرأي في العالمين العربي والإسلامي!، ووصل الأمر به أن ينتحل نتاج الآخرين، ويتم إيقافه عن العمل لفترة!.
وخلاصة القول هو أن الهجوم المكثف على المملكة مؤخرًا في الإعلام الغربي هو نتيجة طبيعية لحالة هذا الإعلام، الذي أصبح معظمه رهينة للأيدولوجيا والمال، وبالتالي لا قيمة حقيقية لما يطرح، فلا تقلقوا بشأنه!.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة