إشكاليات متعددة.. حدود التحرُّك الدولي لحلحلة الأزمة الليبية
إن أي مساع دولية من أجل حلحلة الأزمة الليبية لن تُحقّق النتائج المرجوة قبل التخلُّص من المليشيات المسلحة المدعومة من جانب حكومة الوفاق
حظيت الأزمة الليبية باهتمام دولي متزايد خلال الفترة الأخيرة، حيث دعا بيان قمة الدول السبع إلى عقد مؤتمر دولي حول ليبيا، يشارك فيه كافة الأطراف المَعنية على المستوى المحلي والإقليمي، وشدَّد البيان على دعم الحل السياسي للأزمة الليبية كضامن للاستقرار مع ضرورة دعم هدنة تُمكِّن من وقف دائم لإطلاق النار، وفي الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، جدَّد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، رفض كافة أشكال التدخل الخارجي في الأزمة الليبية، وذلك على هامش لقائه مع المبعوث الأممي غسان سلامة، وقد أكّد الطرفان أولوية الحل السياسي، ورفض أي حل عسكري للأزمة في ليبيا.
وقد قدَّم سلامة إحاطة إلى مجلس الأمن حول الأوضاع في ليبيا في 4 سبتمبر/أيلول الجاري، وقد تضمنت الترحيب بدعوة مجموعة الدول الكبرى السبع لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا، كذلك فقد تضمنت إحاطته التأكيد على أنه بدون دعم المجتمع الدولي لن يتم وضع حد للنزاع الليبي، بل ومن الممكن مواجهة سيناريوهين غير مستساغين، أولهما يتعلق باستمرار وإطالة أمد نزاع منخفض الشدة يشهد استمرار الاقتتال بين الأشقاء الليبيين، والآخر لا يقل سوءًا، ويتمثل في مضاعفة الدعم العسكري لهذا الطرف أو ذاك، مما سيؤدي إلى تصعيد حاد من شأنه إغراق المنطقة بأسرها في الفوضى.
تصاعد الاهتمام الدولي بحلّ الأزمة الليبية، حيث إنه في 29 أغسطس/آب الماضي التقت نائبة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كيلي كيلمنتس، بالسفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، حيث تناقشا حول الوضع الإنساني المتدهور في ليبيا وجهود المفوضية من أجل توفير المساعدات اللازمة لإنقاذ النازحين واللاجئين في ليبيا.
وفي 26 أغسطس/آب الماضي صدر بيان عن البيت الأبيض أعلن فيه أن الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والمصري عبدالفتاح السيسي يدعمان "ليبيا الموحدة"، وأنهما قد ناقشا الوضع في ليبيا على هامش قمة مجموعة السبع المقامة جنوب غربي فرنسا، كما عبّر ترامب والسيسي عن دعمهما المشترك من أجل ليبيا مستقرة وموحدة وديمقراطية تقف في مواجهة الإرهاب، وتحقق الأمن والازدهار لجميع الليبيين.
وفي مطلع يوليو/تموز الماضي طالبت روسيا بضرورة الحل السياسي لتلك الأزمة، وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه إزاء تسلل المسلحين من إدلب السورية إلى ليبيا، كما أكدّ بوتين أن موسكو لن تتجنب المشاركة في عملية التسوية السياسية في ليبيا، وفي منتصف يوليو/تموز الماضي صدر البيان السداسي الذي دعت فيه الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، والإمارات، ومصر إلى ضرورة وقف القتال في محيط العاصمة الليبية طرابلس، والعودة إلى العملية السياسية برعاية من الأمم المتحدة.
تزايد التركيز الأممي
قدَّم الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس" تقريرا مُفصَّلا حول الأزمة الليبية إلى مجلس الأمن في أواخر أغسطس/آب الماضي، تضمّن رفض عسكرة الأزمة الليبية، وضرورة الوصول إلى حل سياسي يكون مدعوما أمميًا من جانب كافة الأطراف، وقد أشار التقرير إلى توقُّف العملية السياسية من مطلع أبريل/نيسان الماضي مع بداية هجوم الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس، كما تضمن التقرير الإشارة إلى بعض الجهود الدولية لرأب الصدع، منها البيان المشترك في الرابع من أبريل/نيسان الماضي لكلٍ من فرنسا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة، الذي حثّ جميع الأطراف على وقف القتال، وهو ما تزامن مع دعوة الاتحاد الأفريقي إلى وقف فوري للأعمال القتالية، ثم إصدار الاتحاد الأوروبي بيانا في 11 أبريل/نيسان يحذر فيه من خطر التصعيد على الأمن في ليبيا والمنطقة ككل.
ولم يغفل التقرير الإشارة إلى استهداف تنظيم داعش الإرهابي لقوات الجش الوطني الليبي في بعض المناطق في شرق وجنوب ليبيا، في ظل تقديرات أممية بوجود ما بين 500 إلى 700 مقاتل في ليبيا يعملون إلى جانب تنظيم داعش، سواء كانوا ليبيين أو مقاتلين أجانب، وتضمن التقرير التهديدات التي أعلنها تنظيم داعش بالانتقام من الجيش الوطني الليبي.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد أعلنت على موقعها الرسميّ في 30 أغسطس/آب الجاري عن تعيين منسق جديد للشؤون الإنسانية في ليبيا، وهو يعقوب الحلو، والأخير له خبرات واسعة في هذا المجال لاسيما في سوريا وليبريا وبلدان أخرى، وتأمل الأمم المتحدة من خلال دوره إلى تعزيز الجهود الإنسانية والإنمائية وجهود السلام في ليبيا، وكذلك في التخفيف من أثر الحرب والأزمات التي طال أمدها على الشعب الليبي.
إشكاليات الحلحلة
هناك العديد من العقبات التي يمكن أن تعوق أي جهود دولية قائمة من أجل حلحلة الأزمة الليبية، وبالرغم من تصاعد الاهتمام الدولي بضرورة وأولوية الحل السياسي إلا أن ذلك من الصعب تحققه على المدى المنظور، وذلك لعدة اعتبارات، يمكن تناولها على النحو التالي:
أولاً: انتشار المليشيات المسلحة:
يُشكّل انتشار المليشيات المسلحة عقبة من العقبات الرئيسية أمام أي جهد دولي من أجل حل الأزمة الليبية، لاسيما في ظل إدراك تلك المليشيات المدعومة من جانب حكومة الوفاق ضعف موقفها التفاوضي عقب نجاح الجيش الوطني الليبي في تحقيق نجاحات متلاحقة خلال الأشهر الماضية باتجاه العاصمة طرابلس جنبًا إلى جنب مع الموقف الدولي الرافض لتلك المليشيات، والداعم لضرورة حلّها.
وهو ما تجلّى مع رفض العديد من القيادات التابعة لتلك المليشيات لأيّ حلول سياسية في ليبيا، وعلى رأسهم الإرهابي صلاح بادي، الذي يدعم ضرورة استمرار المواجهات العسكرية ضد الجيش الوطني الليبي، وعدم تمكين الأخير من السيطرة على طرابلس مهما كان الثمن.
ثانياً: انقسام معسكر الوفاق
يعاني معسكر حكومة الوفاق الذي يقوده فايز السراج من اختلافات وخلافات كبيرة خاصةً في ظل رفض قطاع كبير من المليشيات المدعومة من جانب السراج لأيّ حلول سياسية خلال المرحلة الحالية، وفي 3 سبتمبر/أيلول الجاري أعلنت مجموعة مسلحة من مليشيا الإرهابي "غنيوة الككلي" انشقاقها عن مليشيات المجلس الرئاسي، وذلك وفق بيان للمركز الإعلامي لغرفة عمليات الجيش الليبي، الذي أكد أن المجموعة المنشقة انسحبت بسياراتها من محاور القتال بطريق المطار جنوبي طرابلس.
ويأتي ذلك متزامناً مع اتهامات من جانب جماعة الإخوان الإرهابية لحكومة فايز السراج بأنها مرتعشة وغير قادرة على إدارة المعركة العسكرية بشكل صحيح، حيث أعلن الإخواني خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، في مؤتمر صحفي في 2 سبتمبر/أيلول الجاري عن وجود "خلل" في إدارة المعركة لدى مليشيات حكومة الوفاق، وصرّح بأن هناك توجُّها لتشكيل حكومة مصغرة.
ثالثاً: عسكرة تركيا للصراع
يعتبر الدور التركي هو أحد محفزات تأجيج الصراع الليبي، في ظل الدعم المستمر للمليشيات المسلحة ضد الجيش الوطني الليبي، ولعلّ السعي التركي الحثيث خلال الأسابيع الأخيرة نحو إقامة قاعدة عسكرية في مصراتة يعكس حجم التدخل التركي في الشأن الليبي، وهو تدخل مقبول من جانب السراج ومليشياته خاصة في ظل تزويد تركيا لهم بالأسلحة والمقاتلين بشكل مكثف.
علاوةً على الطائرات التركية بدون طيار التي تتجول في الأجواء الليبية بتواطؤ من حكومة السراج، وتقوم باستهداف المدنيين، وقد أعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي أن تلك الطائرات يقوم بتشغيلها ضباط أتراك في طرابلس، وأن مضادات الجيش تتعامل وتصد هجومها المتكرر على القوات التابعة للجيش وكذلك على المدنيين.
وفي إحاطة للمبعوث الأممي غسلان سلامة يوم 4 سبتمبر/أيلول الجاري، أكد أن الحظر المفروض على توريد السلاح إلى ليبيا لم يُفعّل خلال المعارك الدائرة من أبريل/نيسان الماضي، وطالب المجتمع الدولي بضرورة وقف توريد السلاح إلى ليبيا، في إشارة إلى تركيا؛ التي لا تكف عن مخالفة القرار رقم 1970 الصادر عن مجلس الأمن في فبراير/ شباط 2011، والذي تضمن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.
وفي المجمل، فإن أي مساع دولية من أجل حلحلة الأزمة الليبية لن تُحقّق النتائج المرجوة قبل التخلُّص من المليشيات المسلحة المدعومة من جانب حكومة الوفاق والمسيطرة على العاصمة طرابلس، حيث إن تلك المليشيات تُعزِّز من عسكرة الصراع، وترفض أي حلول سياسية في ظل ضعف حكومة الوفاق، ووجود انشقاقات داخل معسكر السراج، بما يعكس صعوبة تحقيق توافق داخل تلك الكتلة حول أي حلول سياسية مطروحة، خاصة في ظل الحرص التركي والقطري على تأجيج الصراع الليبي، وفي ظل إدراك كون التفاوض في الوقت الحالي يصب في صالح الجيش الوطني بشكل أساسي، نظرًا لكونه يسيطر على أكثر من 90% من الأراضي الليبية، وبالتالي فإن مسارات التحرُّك الدولي يمكن اعتبارها محدودة للغاية، ومن الصعب أن تحقق نتائج ملموسة في المدى المنظور.