الأمازيغية تنفض غبار الحظر.. "أبجديات روحية" في زوارة الليبية
يرفع القلم ويتردد قليلا متفاديا النظر لأقرانه بالفصل ثم يدون بضعة أحرف بالأمازيغية على السبورة في مشهد لم يكن واردا قبل سنوات.
المكان: زوارة الليبية، المدينة الرابضة في شمال غرب ليبيا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط عند الحدود مع تونس، وتبعد عن العاصمة طرابلس نحو 100 كلم غربا.
هناك حيث دخلت اللغة الأمازيغية قائمة الحظر بأمر من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، في قفل فتحته الأقلية الأمازيغية بالسنوات التي تلت الإطاحة بالنظام السابق.
روح أمازيغية
وتقول المعلّمة أسيرم الشواشي التي ارتدت ثوبا طويلا أسود مع حجاب رمادي فاتح اللون: "يحبّ الأطفال هذه المادة لأنهم يجدون هويتهم وثقافتهم مكتوبة في الكتب".
وبابتسامة، تضيف الشواشي التي تدرّس اللغة الأمازيغية، بينما يمرّ تلاميذ آخرون من الصف الخامس الابتدائي أمام السبورة: "لا يتعلق الأمر بالحروف الأبجدية والكلمات فقط، بل الدرس عبارة عن مجموعة ثقافية (...)، أحاول تمرير الروح الأمازيغية الشاملة للتلاميذ".
في زوّارة، يرفرف العلم الأمازيغي في أماكن عدة، ويجاهر أفراد هذه الأقلية بلغتهم، كما حصل في مناطق أخرى عديدة في ليبيا منذ مقتل القذافي بعد الانتفاضة الشعبية العارمة ضده.
وخلال أربعة عقود من حكمه، كان الأمازيغ يتكلمون لغتهم في المنزل أو في الشارع، ولكن بشكل سري، ودائمًا بعيدًا عن آذان الشرطة أو المؤسسات الحكومية أو الإعلام.
وفي ليبيا هناك ما يقرب من 10 في المئة من الليبيين من الأمازيغ، كما أنهم يتواجدون في عدد من دول شمال أفريقيا على غرار تونس والجزائر والمغرب.
"حقّ طبيعي"
في بلد مقسّم إلى معسكرين متنافسين على السلطة، تحرص الحكومة على إرضاء المجتمع الأمازيغي، بتوفير كتب مدرسية بلغتهم الأصلية، دون جعلها لغة رسمية بعد.
وترى أسيرم الشواشي التي نالت السنة الماضية أول إجازة جامعية من قسم اللغة الأمازيغية في كلية الآداب في زوارة المستحدث قبل نحو ثمانية أعوام، بأن تعلّم هذه اللغة "حقّ طبيعي".
وتضيف المدرّسة التي استقدمت كتبا للغة الأمازيغية من المغرب، "المولودون في زمن الثورة لا يعرفون كلهم أن اللغة كانت ممنوعة (...). بالنسبة لهم، الأمازيغية حقّ طبيعي، مستحيل أن يأتي شخص ويقول لهم إنها ممنوعة".
وتعبّر عن سرورها "بالتقدّم الهائل الذي أحرز بالفعل في غضون عشر سنوات فقط". وتتابع "نحن أنفسنا مندهشون".
في زوارة، نُظمّت الدورات الأولى لتعليم الأمازيغية في عام 2012، مع "بدايات صعبة"، بسبب نقص المعلمين المدربين وعدم اليقين حول البرنامج الدراسي، وفق ما تقول مديرة المدرسة سندس ساكي.
وتوضح ساكي: "كانت لدينا تساؤلات: ماذا سنفعل؟ (...). نتكلّم اللغة في المنزل، صحيح، لكن دراسة الحروف والكتابة، هذا جديد علينا".
وكان ملحاً إقناع أولياء التلامذة الذين عبّروا عن قلقهم من العبء الزائد الذي يمكن أن يرتبه تعلّم الأمازيغية على أطفالهم، لا سيما أن اللغتين العربية والإنجليزية من أولويات الدراسة.
وتقول ساكي "كانوا يعتبرون أن ثلاث لغات كثيرة جدا على التلاميذ، لكن هؤلاء جاؤوا بأدمغة متفتحة على التعلم".
"إلى الأمام"
بعد انتهاء الدروس، تتوجه الشواشي إلى الاستوديو الصغير في إذاعة "كاساس إف إم"، أول محطة إذاعية محلية باللغة الأمازيغية تبث منذ 2012 من زوارة، فيما تمّ أخيرا إطلاق محطة وطنية ناطقة باللغة الأمازيغية من العاصمة طرابلس.
وتناقش أسيرم الشواشي التي تطوّعت لتقديم برنامج إذاعي في "كاساس إف إم"، مع مدير البرامج إسماعيل أبو ديب، الحلقات التالية من برنامجها المخصص للأدب الأمازيغي.
ويرى إسماعيل أبو ديب بدوره أن سكان زوارة من الأمازيغ، ومن حقهم التحدّث بلغتهم الأم.
ويوضح أبو ديب المتخصّص في الهندسة المدنية، مرتدياً نظارته الطبية، أن "المحتوى الناطق بالأمازيغية يلبّي تطلعات مواطنينا، كونها اللغة الأقرب لهم، ومن حقّهم التحدث بها عبر وسائل الإعلام".
ويتابع "واجبنا أن نحترم لغتنا ونعتزّ بهويتنا (...)، العالم كله يعيش في بيئات متنوعة ومختلفة ومنسجمة، ونحن كليبيين، من حقنا العيش في هذا الانسجام".