الكعكة المخيفة.. "العين الإخبارية" تتعقب يورانيوم ليبيا المفقود
بعد أيام من إعلانها فقدان نحو 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي من موقع في ليبيا، عادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكيد على عثورها عليه في الموقع نفسه.
وكانت وكالة الطاقة الذرية أكدت في بيان للدول الأعضاء الأسبوع الماضي، أن مفتشيها اكتشفوا فقدان 10 أسطوانات تحوي قرابة 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي في شكل تركيزات لليورانيوم الخام كانت قد أعلنت ليبيا أنها مخزنة في الموقع.
فماذا قال الجيش الليبي؟
وبعد ساعات من ذلك البيان، فند الجيش الليبي في بيان على لسان مدير إدارة التوجيه المعنوي اللواء خالد المحجوب، رواية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كاشفًا حقيقة ما حدث.
وقال اللواء المحجوب، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه -آنذاك-، إن أعضاء الوكالة زاروا الموقع المخزن به اليورانيوم، في الجنوب الليبي في العام 2020، مشيرًا إلى أنه جرى جرد العدد الموجود وأغلق باب المستودع بالشمع الأحمر.
وأوضح أنه لخطورة هذه المواد جرى الاتفاق على تكليف حراسات للحفاظ عليها، وتعهد نائب المدير العام للوكالة ماسيمو أبارو، بتوفير احتياجات الحراسات والتي تتضمن ملابس خاصة وكمامات وغيرها؛ لحماية المكلفين بالحراسة من الأمراض التي تسببها هذه المادة مثل الشلل والعقم وغيرها، إلا أن لذلك لم يحدث، ما تتطلب وجود أعضاء الحراسة على مسافة بعيدة تؤمن عدم إصابتهم أو تعرضهم لمخاطر الإصابة.
وأشار إلى أن ماسيمو حضر قبل أيام، إلى مكتب الأمين العام بالجيش الليبي وأبلغ عن اختفاء 10 براميل ووجود فتحة في المستودع من الجانب تسمح بخروج حجم البرميل الواحد، فاتخذت القوات المسلحة إجراءاتها التي مكنتها من العثور على هذه الكمية المفقودة في منطقة لا تبعد سوى حوالي 5 كيلو متر عن المستودع في اتجاه الحدود التشادية.
وفيما أكد تصوير مقطع بالكمية التي فقدت بعد التحفظ عليها، لترسل الوكالة متخصصين للتعامل معها، مشيرًا إلى أن الجيش أبلغ ماسيمو بعدم الإعلان عن فقدان الكمية باعتبارها موجودة، وأن من استولى عليها يجهل طبيعتها ولا يعرف خطورتها، وتركها بعد أن أدرك عدم جدواها.
كيف ردت الوكالة؟
تصريحات الجيش الليبي الصادرة الأسبوع الماضي، أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان للدول الأعضاء يوم الجمعة، قالت فيه إن أغلب خام اليورانيوم الطبيعي المركز البالغ وزنه 2.5 طن تقريبا الذي أُعلن عن فقده في الآونة الأخيرة من أحد المواقع في ليبيا عُثر عليه في الموقع نفسه.
ورغم أن اليورانيوم المفقود كان أقل من الكمية اللازمة لصنع قنبلة نووية وكان يستلزم خضوعه للتحويل والتخصيب من أجل صنع قنبلة نووية، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت في ذلك الوقت إن فقدانه "قد يمثل خطرا إشعاعيا، فضلا عن المخاوف التي تهدد الأمن النووي".
وفي بيان الجمعة، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها أجرت تفتيشا يوم الثلاثاء واكتشفت أن "كمية ضئيلة نسبيا من خام اليورانيوم المركز ما زالت مفقودة"، مضيفة: "خلال (التفتيش)، لاحظ مفتشو الوكالة أن البراميل التي لم تكن موجودة في الموقع المعلن عنه في وقت (التفتيش) السابق قد أُعيدت وتُركت على مقربة من هذا الموقع".
وتابعت قائلة "أكد مفتشو الوكالة على أن هذه البراميل تحتوي على خام اليورانيوم الطبيعي المركز وشهدوا إعادة نقلها إلى الموقع المعلن عنه لتخزينها".
ما قصة اليورانيوم؟
وإلى ذلك، قال الخبير الجيولوجي الليبي بلال الزوي في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن ليبيا من الدول الغنية بمعدن اليورانيوم، مشيرًا إلى أنه يوجد بكثرة في المثلث الحدودي بين ليبيا والجزائر والنيجر وهي أكثر المناطق التي تحتوي على ذلك المعدن.
وعن قصة براميل اليورانيوم الموجودة في ليبيا، قال الزوي إنها "مخزنة في منطقة تسمى جبل الغريف قرب مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي في مستودع يحوي أكثر من 6000 برميل من اليورانيوم"، مشيرًا إلى أن تلك الكمية مخزنة منذ عام 2003 بعد أن تخلى النظام الليبي السابق عن خطة تخصيب اليورانيوم، تحت ضغط دولي كبير آنذاك.
وبدأ البرنامج النووي الليبي خلال ثمانينيات القرن الماضي بشكل سلمي، بحسب الخبير الجيولوجي الذي قال إن القذافي اشترى ما يساعد في تخصيب اليورانيوم من عدة دول.
وأضاف: "بعدها تطورت الأمور إلى محاولة صناعة سلاح نووي في عام 1995 حيث تمكن النظام الليبي بحلول عام 2001 من امتلاك بشكل سري، جهاز طرد مركزي"، إلا أن المجتمع الدولي "اكتشف ذلك".
وأوضح أن المجتمع الدولي الذي اكتشف -كذلك- أن مصنع الأدوية في بلدية تاجوراء بطرابلس ما هو إلا مكان يعد لتخصيب اليورانيوم، بدأ بممارسة ضغوطه على القذافي، مما أسفر عن توقف المشروع الليبي وتسليم مكوناته لوكالة الطاقة الذرية في عام 2003.
الكعكة الصفراء
وأشار إلى أن اليورانيوم الموجود في ليبيا بات منذ ذلك الحين، تحت سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية "، مؤكدًا أن المخاوف الدولية من إنتاج قنبلة نووية في ليبيا تصاعدت بعد سقوط نظام القذافي، وتصاعد سطوة الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة التي كان يتوقع أن تستخدم تلك المادة أو تبيعها لأي جهة.
وبحسب الخبير الجيولوجي، فإن الكمية التي فقدت وعثر عليها بعد ذلك، لا تشكل خطرا كبيرا لسببين؛ أولهما أن "صناعة قنبلة نووية يحتاج إلى عشرة أطنان أي ثلاثة أضعاف الكمية المذكورة، وثانيهما أن اليورانيوم الموجود في ليبيا هو من فئة الكعكة الصفراء؛ أي أنه لا يزال في مراحله الأولى وهو عبارة عن مسحوق أصفر اللون".
إلا أنه قال إن "الخطر الحقيقي يكمن في أن تقع تلك الكمية في يد جماعات مسلحة قد تبيعها لدول تعمل على مشروع نووي غير معلن، ما يجعلها تستطيع تهديد العالم أجمع"، مشيرًا إلى أن "الجيش الليبي لا يسيطر على كامل جنوب ليبيا، مما يعني أن هناك أجزاء تقع ضمن النفوذ الفرنسي ما يمثل خطرا حقيقيا".
ماذا يعني الحادث؟
من زاوية أخرى، قال الخبير الجيولوجي الليبي بلال الزوي إن "حادث فقدان براميل اليورانيوم في ليبيا يمثل إحراجًا كبيرًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يقع ضمن مهامها حماية تلك الكمية من اليورانيوم، وفق اتفاق وقعته الوكالة عام 2003 مع معمر القذافي بعد أن تخلى عن برنامجه النووي".
وتلزم بنود ذلك الاتفاق الوكالة الدولية بتوفير معدات حماية لحراس المادة في ذلك المستودع، وتوفير مرتبات الحراسة الليبيين وهو ما لم تلتزم به، بحسب الخبير الجيولوجي، الذي قال إن من شأن ذلك، أن يتسبب في إحراج للوكالة، بتخليها عن التزاماتها تجاه حماية المادة إلى حد فقدان جزء من الكمية.
الأمر نفسه أشار إليه إدوين ليمان، من اتحاد العلماء المهتمين، قائلا إن كمية اليورانيوم التي فُقدت كانت تحتوي على ما يكفي من النظير يو-235 لصنع قنبلة نووية من الجيل الأول إذا تم تخصيبها بنسبة تزيد عن 90%.
وأضاف ليمان: "إنه ليس تهديدا مباشرا أو عاجلا بالانتشار، لكن فقدان كمية كبيرة من اليورانيوم الطبيعي يمثل مصدر قلق بسبب إمكانية تحويله إلى مواد تستخدم في الأسلحة النووية".
وأشار إلى إن الحادث يثير تساؤلات حول قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الحفاظ على استمرارية معرفتها بالمواد النووية في البلدان التي بها مناطق نزاع نشطة.
وقال سكوت روكر، نائب رئيس أمن المواد النووية في مبادرة التهديد النووي، إن أسوأ الحالات هي "أن يكون لدى بلد ما برنامج سري للأسلحة النووية وأن يستخدم هذه المادة لمثل هذا البرنامج".
فما هو اليورانيوم وأين يمكن العثور عليه؟
- اليورانيوم معدن ثقيل يتواجد بشكل طبيعي بتركيزات منخفضة في التربة والصخور والمياه. ويتم استخراجه تجاريا من المعادن الحاملة لليورانيوم.
- بحسب بيانات صادرة عن الرابطة النووية العالمية عام 2022، يأتي نحو ثلثي إنتاج العالم من اليورانيوم المستخرج من المناجم من كازاخستان وكندا وأستراليا.
ما استخدامات اليورانيوم؟
- المعدن المشع هو الوقود الأكثر استخداما للطاقة النووية بسبب وفرته والسهولة النسبية لشطر ذراته، كما أنه يستخدم في علاج السرطان وآلات الدفع البحري وفي الأسلحة النووية.
- والنظير يو-238 هو الأكثر شيوعا لليورانيوم الموجود في الطبيعة، لكن لا يمكنه إنتاج سلسلة تفاعل انشطاري، أي عملية تقسيم ذرة اليورانيوم لإطلاق الطاقة.
- ويمكن تركيز النظير يو-235 من خلال عملية تسمى التخصيب لإنتاج الطاقة عن طريق الانشطار مما يجعله مناسبا للاستخدام في المفاعلات والأسلحة النووية.