مع غياب "الدور الأممي".. تعقيدات وغموض يلفان أجواء ليبيا
تمر ليبيا مؤخرا بمشهد سياسي معقد مع استمرار الانقسام السياسي وتحشيد المليشيات حول العاصمة طرابلس، وغياب قيادة أممية للمسارات التفاوضية.
ويرى خبراء أن ليبيا تنتظر فترة مفصلية وأحداث مهمة في الأيام المقبلة مع غياب دور أممي واضح، ما قد يزيد من دور الدول الفاعلة والمتداخلة في الملف بعيدا عن الرقابة الأممية.
وغادرت المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز منصبها منذ أيام، كما لم ينجح مجلس الأمن الدولي في تعيين مبعوث أممي جديد بديلا ليان كوبيش الذي استقال ديسمبر/كانون ثاني الماضي.
ورغم تكليف الأمين العام المساعد للبعثة الأممية في ليبيا الزيمبابوي ريزدون زنينجا، بقيادة البعثة بالإنابة، إلا أن الجهد الأممي في ليبيا يفتقد من يقوده في ليبيا، وفقا لخبراء، ما قد يترتب عليه تصاعدا سريعا في الأحداث.
ومع مرور 3 أيام على الشغور المعنوي لقيادة البعثة في ليبيا، لم تشهد البلاد تصعيد فيما يمكن وصفه بـ"الصراع على السلطة"، وسط هدوء وترقب يحيط بالعاصمة، وفقا للخبراء.
مشهد معقد
ويقول الدكتور يوسف الفارسي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة درنة الليبية في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن المشهد السياسي الحالي معقد وسوف يذهب للتصعيد من جديد.
وتابع الفارسي "من الملاحظ وجود تحشيدات بالعاصمة طرابلس، ومحاولة السيطرة على السلطة بالقوة"، مؤكدا أن "عدم تجديد ولاية المستشارة الأممية ستيفاني وليامز لن يؤدي إلى تغيير حقيقي في المشهد السياسي لأنها لم تنجح في تقديم شيء على أرض الواقع".
ونوه إلى أن المجتمع الدولي غير جاد في حل الأزمة وإلا لفرض عقوبات على معرقلي الاستحقاق الانتخابي.
وأضاف الفارسي أن دور الأمم المتحدة في ليبيا يحتاج إلى المزيد من التوافق الدولي والضغط على الأطراف الداخلية والخارجية، متابعا أن السبب الرئيسي في عدم نجاح دور حقيقي للبعثة الأممية هو اختلاف المصالح والتوجهات الدولية.
نزاع دولي
ونوه الفارسي إلى أن هناك تنازع دولي على الملف الليبي وهو ما انعكس على عدم تعيين مبعوث أممي منذ استقالة المبعوث السابق يان كوبيش، خاصة الصراع بين روسيا وأمريكا، متابعا أنه لا يوجد احتمالية للاتفاق قريبا على مبعوث جديد بسبب تضارب المصالح.
ومضى قائلا إن الأمين العام المساعد للبعثة الأممية، ريزدون زنينجا، "لن يستطيع قيادة المسارات التي ترعاها الأمم المتحدة في الملف الليبي بعد مغادرة وليامز، خاصة أن الأخيرة كانت تدير المسارات في الفترة الأخيرة بشكل منفرد".
وأشار إلى احتمالية استغلال بعض الأطراف الداخلية الفراغ الأممي النسبي في الداخل الليبي، ما قد ينتج عنه تغييرات كبيرة في المشهد السياسي والأمني قد يصل إلى تصعيد مسلح.
وتابع أن مصير العاصمة الليبية طرابلس في الفترة القادمة مجهول وقد تشهد الدخول في مرحلة الخطر، وهي حالة صراع على السلطة والنفوذ بين القوى السياسية والمليشيات، وقد تتحول إلى حلبة للصراعات ويزداد الخطر على المواطنين والمدنيين وإفساد الأمن وتدمير الاستقرار.
توحيد الجيش
وحول مساعي توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، يقول الفارسي، إن اتفاق توحيد المؤسسة العسكرية الليبية في كافة المدن والمناطق هو مطلب جميع الليبيين ويجب أن يحظى بدعم دولي، إلا أنه سيواجه العديد من الصعوبات والتي ستعرقل تنفيذه من بينها المليشيات.
وأشار إلى أن توحيد المؤسسة العسكرية يعني القضاء على المليشيات ووضعها في السجون نظراً للاتهامات الموجهة إليها وتشمل جرائم ضد الإنسانية مثل الإتجار بالبشر وتهريب الوقود ودعم الجماعات الإرهابية والجرائم المنظمة والهجرة غير الشرعية.
وشدد الفارسي على أهمية دور القوات المسلحة منذ عام 2014 والحرب على الإرهاب خاصة في المنطقتين الشرقية والجنوبية، وأشار إلى تحقيق الجيش الليبي العديد من النجاحات في تحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب والجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية التي كانت تحتل مدنا بأكملها.
حيل الإخوان
ويرى الفارسي أن الإخوان لن يسمحوا بالوصول إلى الانتخابات وسيعرقلونها بالعديد من الطرق كما فعلوا في عرقلة الاتفاق على القاعدة الدستورية في حوارات القاهرة وجنيف.
وأضاف الفارسي أن الاتفاق حول قاعدة دستورية يظل بعيدا بسبب وجود خلافات على مواد مهمة حول الترشح للانتخابات الرئاسية ووجود أطراف دولية تريد ترشيح أشخاص بعينها وترفض وتخاف من ترشح شخصيات وطنية أخرى، ولذلك تريد تفصيل المواد على مقاس مرشحيها فقط، ولذلك لن يكون هناك اتفاق على المستوى البعيد.
وأردف أن الإخوان يسعون لاستمرار حالة الانقسام السياسي ويرفضون توحيد المؤسسات السيادية رغم اليقين لدى الليبيين بضرورة تغيير شاغلي الناصب السيادية بعد تجاوزهم المدد القانونية ودعمهم لأطراف بعينها على حساب الأخرى وعدم وجود أي نوع من العدالة بين الأقاليم ووجود فساد يحتاج إلى الرقابة والمحاسبة.
ومضى قائلا إن ما يعرف بمجلس الدولة الاستشاري بقيادة الإخواني خالد المشري عرقل مرارا تسمية شاغلي المناصب السيادية وتوحيد المؤسسات وهو ما قد يدفع مجلس النواب لاتخاذ دوره التشريعي الواجب بتسميتهم بشكل منفرد، رغم ما قد يقابل ذلك من رفض من الإخوان والإسلاميين الذين يسيطرون على المجلس الاستشاري.
تدخل دولي
ومن جانبه، يرى الحقوقي والسياسي الليبي محمد صالح أن"زينينغا" ليس لديه القوة الفعلية والدعم الدولي الذي توفر للأمريكية ستيفاني وليامز خاصة في ظل ما تملكه من علاقات ومعرفة عن قرب مع قيادات الداخل الليبي والدول المتداخلة في الملف.
وتابع في حديث لـ"العين الإخبارية" أن عدم التجديد لستيفاني وليامز في نفس التوقيت الذي تعذر تسمية مبعوثا أمميا جديدا يعني حالة شغور معنوي لقيادة الجهود الأممية في ليبيا وهو ما سيفتح المجال أمام دور أكبر للدول المتداخلة في الملف الليبي عبر حلفائها في الداخل.
وأردف أنه على مر السنوات الماضية تكون مرحلة الفراغ بين استقالة أي مبعوث أممي وتسمية آخر، فارقة وتشهد أحداثا كبرى، ويخشى أن تشهد هذه المرة، محاولة للانفراد بالسلطة من قبل أحد الأطراف والاشتباك مع طرف آخر، أو قرارات عشوائية من الجهات المختلفة تساهم في زيادة الانقسام الحاصل.
وأوضح أن المليشيات تحتشد على محيط العاصمة وهنالك حالة هدوء حذر غريبة وغير معتادة بمحيط العاصمة ما يعني احتمالية أن يكون هناك تجهيز لعمل وعمل مضاد من قبل الأطراف السياسية.
وشدد عل أهمية تجنب العنف وحماية المدنيين ودعم التداول السلمي للسلطة والسير في مسار الانتخابات عبر اختتام المفاوضات على المسار الدستوري وتجاوز النقاط الخلافية بين الأطراف.
وأوضح أن الدول المتداخلة في الملف الليبي بدأت بالفعل في تطوير خطتها لتدخل أكبر في الملف الليبي سواء عبر دعم الموالين لها أو إرسال طائرات وسفن للتجسس والمراقبة وجمع المعلومات.
دور سلبي
ومن جانبه قال المحلل السياسي الليبي عبدالله الخفيفي أن المستشارة الأممية السابقة لم تحقق أي نجاح حقيقي على الأرض في ليبيا طوال مدة بقائها عبر العديد من المناصب كمبعوثة بالإنابة أو كمستشارة أممية، وإنما زادت الانقسام السياسي وأسست كيانات موازية مثل لجنة الحوار السياسي.
وتابع في حديث لـ"العين الإخبارية" أن وليامز قفزت على جهود مجلس النواب حين أنشأ لجنة لصياغة قاعدة دستورية للانتخابات وفقا للتعديل الدستوري الـ 12، إلا أن المجلس لم يجد بدا من المضي معها في هذا المسار الذي اقترحته بسبب الضغط الدولي، ولذلك فشل المسار بسبب إصرارها على إشراك تنظيم الإخوان بصفته شريك وليس ذا رأي استشاري.
وأردف أن أزمة ليبيا الحقيقية أمنية ويجب حل المليشيات ونزع سلاحها والسير قدما في اتجاه توحيد المؤسسة العسكرية وهو المسار الذي لم تحقق فيه وليامز أي تقدم بل نجح المسار حين تولى الليبيون أنفسهم زمام المبادرة، وتم تجنيب التدخلات الدولية السلبية.
ونوه إلى أن العديد من الدول تصر على تدخلاتها السلبية وعرقلة أي مسار يحدث فيه تقدم كذلك يستمر خرق حظر التسليح وإرسال المرتزقة بهدف استمرار الأزمة ساكنة إلى حين إنهاء الأزمات الدولية الملحة مثل الحرب الروسية الأوكرانية.
وأشار إلى أن الدول الخارجية تريد تثبيت الوضع أو تغييره لصالح حلفائها خاصة قبل الشتاء القادم بهدف ضمان تدفق النفط والغاز مع استمرار أزمة النفط الروسي.
وغادرت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز منصبها كمستشارة للأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي، نهاية الشهر الماضي، بعد نهاية التفويض الأممي الممنوح لها.