«المركزي الليبي» يضخ 2.1 مليار دولار ويحذر من «المضاربة» في سوق الصرف
يواصل مصرف ليبيا المركزي جهود توفير النقد الأجنبي ومحاربة السوق السوداء، سواء من خلال توسيع الترخيص لشركات ومكاتب الصرافة، أو فتح الاعتمادات المستندية، بهدف تعزيز المالية الليبية ضمن مسار إصلاحي.
ويتزامن ذلك مع مؤشرات العجز في النقد الأجنبي وتراجع الإيرادات النفطية التي تثير تساؤلات حول فعالية هذه الإجراءات وقدرتها على إحداث انفراجة حقيقية في السوق.
2.1 مليار دولار
كشف مصرف ليبيا المركزي عن تنفيذه اعتمادات مستندية بقيمة 1.5 مليار دولار، منذ بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول وحتى 16 ديسمبر/ كانون الأول 2025، فيما بلغت قيمة الحوالات 164.8 مليون دولار، والأغراض الشخصية 334.3 مليون دينار، وبطاقات صغار التجار 50.4 مليون دولار.
وبذلك بلغ إجمالي ما تم بيعه فعليا من النقد الأجنبي خلال الفترة نحو 2.1 مليار دولار، في حين بلغت القيمة التي لم يتم بيعها بعد من الاعتمادات المستندية والحوالات 1.9 مليار دولار.
ووصلت القيمة المعلقة للأغراض الشخصية إلى 388 مليون دولار، وبطاقات صغار التجار إلى 23 مليون دولار.
الإيرادات النفطية
وأوضح المصرف أنه في الوقت ذاته بلغت قيمة الإيرادات النفطية الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي خلال هذا الشهر وحتى يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول 2025 نحو 410 ملايين دولار فقط.
وأكد المصرف استمراره في تنفيذ عمليات بيع النقد الأجنبي بصورة منتظمة وبمعدلات تلبي احتياجات السوق، موضحا أن الارتفاعات المسجلة في سعر الصرف بالسوق الموازي تعود إلى عمليات المضاربة الناتجة عن الإغلاقات التي شهدتها بعض الأسواق، وتشديد عمليات المراجعة وضوابط غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب مع أطراف دولية التي طبقت بداية من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.
وناشد مصرف ليبيا المركزي الوزارات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط أوضاع عمليات الاستيراد ودخول البضائع عن طريق السوق السوداء دون رقابة ومتابعة لمصادر الأموال.
ويرى خبيران اقتصاديان ليبيان في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن خطوات مصرف ليبيا المركزي خطوات إجرائية وتصحيحية جريئة، إلا أن التفاؤل باستقرار سعر الدينار أمام الدولار الأمريكي في وقت قريب يبقى أمرا صعبا.
خطوة غير كافية
ويرى أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية وعضو لجنة السياسة النقدية الأسبق بمصرف ليبيا المركزي، الدكتور عمر عثمان زرموح، أن إعلان منح 91 إذن مزاولة جديد لشركات ومكاتب الصرافة خطوة إيجابية، لكنه لا يكفي لأن المصرف، من الناحية العملية، لم يثبت حتى تاريخ تقريره عن شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 أنه قام بتزويد شركات ومكاتب الصرافة التي منحها إذن مزاولة في السابق أي نقد أجنبي بأي صورة من الصور، سواء نقدا أو عبر آليات أخرى معتمدة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن غياب النتائج العملية لاجتماع محافظ المصرف مع مكاتب الصرافة في أغسطس/ آب 2025، إضافة إلى تباطؤ إجراءات منح الموافقات وعدم وضوح آلية العمل، يجعل التفاؤل بشأن معالجة أزمة السوق الموازية واستقرار سعر الدينار أمرا صعبا.
وفي قراءته لأرقام المصرف، أوضح زرموح أن تقرير الأحد عشر شهرا يظهر عجزا قدره 7.8 مليار دولار، ما يعني سحبا مباشرا من الاحتياطي، مشيرا إلى أن الإشارة لفوائض الاستثمارات والذهب لا تعني بالضرورة دخول موارد نقدية حقيقية للدولة، بل غالبا تعود لإعادة تقييم الأصول، وعليه يبقى العجز قائما ويعبر عن أن ما خرج من ليبيا من نقد يفوق ما دخل إليها بالقيمة ذاتها.
ورغم أن احتياطي النقد الأجنبي البالغ 99.4 مليار دولار يعد رقما مريحا، يؤكد زرموح أن المشكلة تكمن في سوء إدارة النقد الأجنبي وليس في حجم الاحتياطي، داعيا إلى تغيير السياسات النقدية واعتماد ميزانية عامة دون أي عجز، وربط أي التزامات مالية بقانون الموازنة فقط.
خطوات جريئة
من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة عمر المختار الليبية الدكتور خالد عبدالسلام الهباوي أن التطورات الأخيرة عقب تشكيل الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي أسهمت في اتخاذ خطوات إجرائية وتصحيحية جريئة، أبرزها منح أذونات مزاولة وصل عددها إلى نحو 278 مكتبا وشركة صرافة، بهدف تجفيف السوق السوداء ومنح التعاملات بالعملة الأجنبية إطارا قانونيا.
لكن الخبير الاقتصادي الليبي شدد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" على وجود مخاوف حقيقية تتعلق بمدى جاهزية مكاتب الصرافة للامتثال لمعايير الرقابة والشفافية والالتزام المحاسبي، معتبرا أن ضعف القدرات الإدارية قد يخلق تحديات إضافية.
وفي تعليقه على أرقام المصرف، وصف الهباوي حجم الإنفاق بالعملة الصعبة، والذي بلغ 28 مليار دولار خلال 11 شهرا، بأنه فلكي، مؤكدا أن العجز البالغ حوالي 8 مليارات دولار يمثل جرس إنذار ويدفع نحو تبني إصلاحات دائمة وليست وقتية.
وأكد الهباوي أن المرحلة تتطلب ترشيد الإنفاق بالعملة الصعبة وربطه بالاحتياجات الفعلية، وتشديد الرقابة على تحويلات النقد الأجنبي، إضافة إلى ضرورة الاتجاه لتنويع مصادر الدخل عبر دعم الإنتاج المحلي والمشروعات الصغرى والمتوسطة، لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر شبه وحيد للإيرادات.
جهود المصرف
وكان مصرف ليبيا المركزي قد أعلن عن منح أذونات مزاولة نهائية جديدة لـ91 شركة ومكتب صرافة ضمن خطته لتفعيل دورها في مختلف مناطق البلاد.
وأكد المصرف أن استخدامات النقد الأجنبي حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 بلغت 28.5 مليار دولار، مسجلا عجزا قدره 7.8 مليار دولار نتيجة تراجع الإيرادات النفطية منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، فيما بلغ متوسط سعر صرف الدولار في المصرف 5.436 دينار ليبي. وبينما يرى خبراء أن الخطوات الإصلاحية ضرورة ملحة، يبقى نجاحها مرهونا بقدرة المصرف على ضبط السياسات النقدية وخلق بيئة مالية أكثر شفافية واستدامة.