اقتصادي ليبي عن خطة واشنطن لإدارة عائدات النفط: السم في العسل
بعد أيام من إعلان واشنطن عن خطة دولية لإدارة عائدات النفط الليبي دون كشف تفاصيلها، ما اعتبره ليبيون رهنا لموارد بلادهم لدى دولة اجنبية.
وكان السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أعلن قبل أيام عن خطة دولية لإدارة عائدات النفط الليبي، قائلا إنها ستدير موارد ليبيا بـ"شفافية"، على حد قوله.
الخطة الأمريكية التي جاءت بعد أن أغلق محتجون ليبيون موانئ وحقولا نفطية، احتجاجا على عدم رفض عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المنتهية الولاية تسليم السلطة، تعد محاولة من واشنطن لإبعاد قطاع النفط الليبي عن الصراع السياسي الذي أعاق خطط أوروبا للاستفادة منه، لتعويض النقص الروسي في النفط والغاز.
مخالفة للقانون
وإلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي الليبي ومؤسس سوق المال الليبي الدكتور سليمان الشحومي، إنه اطلع "على تسريبات وثيقة إدارة عوائد النفط والغاز الليبي"، مشيرًا إلى أنها ستكون عبر لجنة ليبية مشتركة وبإشراف دولي ورقابة أجنبية عبر شركة محاسبة دولية.
خطة أمريكية لـ"تحييد" نفط ليبيا لمواجهة أزمة الطاقة العالمية
وأوضح الشحومي في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن شركة المحاسبة الدولية تلك ستقوم مقام الجهات الرقابية التنفيذية والإشرافية الليبية، بالمخالفة للقانون الذي يقصر مراجعة وفحص ورقابة حسابات الدولة على الجهات المسؤولة كديوان المحاسبة والرقابة الإدارية والسلطة القضائية.
وشدد الاقتصادي الليبي على أنه غير مقبول أن يفحص طرف آخر غير ليبي حسابات وعمليات الإيراد السيادية وسبل إنفاقها، مشيرًا إلى أن المدافعين عن ذلك المشروع من الليبيين يتذرعون بأنه مشروع ليبي- ليبي وأنه السبيل الوحيد لاستعادة تصدير النفط، إلا أنه بمثابة "دس السم في العسل".
واستهجن سليمان الشحومي الازدواجية التي تعتبر المشروع ليبيًا ليبيًا، فيما يقر الجميع بتدخل أطراف دولية في إدارة البرنامج والرقابة عليه خارجيًا، مما يكون له "جوانب خطيرة".
مخاطر المشروع
الشحومي الذي يعمل أستاذا للتمويل بجامعة نتونجهام ترنت، حذر من المشروع، قائلا إن هذه اللجنة ستقوم بإدارة أموال ليبية بالمخالفة للقانون وعبر الاحتفاظ باحتياطيات الدولة الليبية من العملة الصعبة لدي حسابات مؤسسة النفط لدى مصرف تجاري غير مقيم بليبيا (المصرف الليبي الخارجي)، مشيرًا إلى أن درجة مخاطر ذلك عالية؛ لكونها ستكون أموالا غير سيادية بسبب أنها غير مودعة لدى المصرف المركزي.
ثاني تلك المخاطر -بحسب الشحومي- أن هذه اللجنة ستجتمع بشكل دوري لتحويل المبالغ إلى حساب الدولة الليبية بالمصرف المركزي، عبر تخصيص الإيراد المتاح لمواجهة مصروفات محددة ربما حسب الميزانية العامة أو حسب ما يتم الاتفاق عليه لمواجهة النفقات الأساسية للشعب الليبي وعلى وجه الخصوص المرتبات وباقي البنود الأخرى.
وأشار إلى أن تلك النقطة ستنعكس حتما على قدرة المصرف المركزي في إدارة الاحتياطيات وفقا لقانون المصارف، لتسمح بوجود طرف آخر غير مخول بالقانون أو الشعب، بإدارة تلك الاحتياطيات، مما سيؤثر على قدرة المصرف المركزي على إتاحة العملة الأجنبية لأغراض التجارة الخارجية مثل فتح الاعتمادات لتوريد السلع وغيرها من المدفوعات الخارجية.
تأثير على الأسعار
وأكد الشحومي، أن تأثير ذلك سيظهر في سعر الصرف بالسوق الموازية، مما سينعكس على مستويات الأسعار بالسوق المحلي، مشيرًا إلى أن المصرف المركزي الليبي سيتبع سياسة انكماشية بسبب عدم توافر الإيرادات من العملة الأجنبية بحساب الدولة الليبية لديه بشكل منتظم، وسيضطر إلى مزيد من التحكم في الاحتياطيات المتاحة لديه سابقا من العملة الأجنبية.
وتحدث الشحومي عن 3 مخاطر للمشروع الأمريكي، قائلا إن "الاعتقاد بأنه سيحقق عدالة في توزيع الدخل من النفط، ما هو إلا كلام مرسل؛ فالعدالة ليست بإدارة الإيرادات من النفط بل بإدارة الإنفاق، سواء كان من النفط أو من غيره، وعبر ميزانية الإنفاق التسييري وميزانية الإنفاق الاستثماري والتي تعكس كل متطلبات الإنفاق حسب الموارد المتاحة لكل أطراف البلاد غربها وشرقها وجنوبها".
وأشار إلى أن هذا المشروع يتضمن أن يقوم مكتب أو شركة محاسبة عالمية مرموقة السمعة الدولية بالقيام بعمليات فحص التعاقدات والمناقصات الحكومية لتحل محل ديوان المحاسبة، والقيام بعملية الرقابة المصاحبة واللاحقة للإنفاق، مما سيكون مكلفًا جدا وغير قانوني، مؤكدًا أنه لا يمكن تطبيقه إلا إذا وافق ديوان المحاسبة على ذلك، في خرق واضح للقانون من جهة هي المسؤولة عن إنفاذه.
بدائل المشروع
وحول البدائل، قال الخبير الاقتصادي الليبي، إنها تتمثل في إعلان مبادئ وطني تشترك فيه الجهات التشريعية (البرلمان ومجلس الدولة) وأذرعها من الجهات الرقابية (ديوان المحاسبة وجهاز الرقابة الإدارية) والمصرف المركزي؛ لإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي أو إتمام عملية الاندماج بين فرعي مصرف ليبيا، وفتح المقاصة المصرفية فورا.
وأشار إلى ضرورة عودة تصدير النفط عبر الاتفاق على مبادرة وطنية تجرم المساس بمقدرات الشعب الليبي وتكوين فريق وطني من الجهات الرقابية (ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية) والبرلمان ومجلس الدولة والمصرف المركزي، يرأسها قاضٍ تختاره المحكمة العليا لإدارة الإنفاق العام واقتصاره على الجوانب الأساسية والنظر في التعاقدات ومدى ضرورتها في أثناء الفترة الانتقالية.