"النفط الليبي" رهين الصراعات المسلحة...هل يسترد عافيته؟
النفط الليبي بات رهين نزاعات عسكرية وصراع مسلح بين أطراف متناحرة تسعى كل منها للسيطرة على الحقول النفطية للبلاد.
النفط الليبي بات رهين نزاعات عسكرية وصراع مسلح بين أطراف متناحرة تسعى كل منها للسيطرة على الحقول النفطية للبلاد، ما يستدعي الوقوف ضد أعمال التخريب في ثروة البلاد التي تمول 95% من احتياجات الليبيين.
لكن هل ستنجح ليبيا في استعادة إنتاجها النفطي لمستويات ما قبل 2011 في ظل تلك الصراعات المسلحة والخلافات السياسية والصعوبات اللوجستية التي تهدد عرقلة هذا الهدف الحيوي لبلاد تشهد انهياراً اقتصادياً ونقصاً في السيولة.
قد يكون الوضع في ليبيا مبشراً نحو استعادة الدولة الغنية بالنفط، والتي تملك احتياطيات الأكبر في قارة إفريقيا وتحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة لبلدٍ في العالم، مستوى إنتاجها الذي كان يبلغ أكثر من 1.6 مليون برميل يومياً، عبر إجراءات اتُخذت مؤخراً لضمان سريان ذلك الشريان الحيوي للبلاد، وهو ما يوضحه التقرير التالي.
أولاً: التحديات الي تواجه قطاع النفط:
تحديات أمنية:
دخلت ليبيا موجة غير مسبوقة من الكساد الاقتصادي، وتراجع في الإنتاج النفطي، بعد ثورة فبراير، بسبب موجات واسعة من الفلتان الأمني، وتسلسل الجماعات المسلحة، التي اعتُمد على العديد من عناصرها في حراسة آبار النفط في البلاد التي تتركز في الغرب والجنوب وتخص دولًا أجنبية متعاقدة مع الشركة الوطنية للنفط، كما لجأ المسلحون في الشرق الأكثر غنى بالنفط إلى الهيمنة على موانئ التصدير هناك.
داعش يكثف من عملياته ضد المنشآت النفطية
ودخل تنظيم "داعش" الإرهابي على خط الأزمة، حيث بات اسمه يرتبط بأي عمليات تستهدف البلاد، خاصة حينما أخذ يكثف من عملياته ضد منشآت نفطية، الأمر الذي اعتبره مراقبون تطلعاً للسيطرة على حقول النفط الليبي.
وكانت أولى هجمات التنظيم، على ميناء مرسى الحريقة البحري النفطي، أما الثاني على حقل المبروك الواقع على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب مدينة سرت، شمال وسط البلاد، والذي تشغله شركة توتال الفرنسية.
ومطلع 2016، حبس التنظيم الإرهابي كميات هائلة من النفط الليبي، للخروج إلى الأسواق الخارجية، عبر تهديده لأكبر ميناءين نفطيين في ليبيا، مما أدى إلى تراجع إنتاج ليبيا العضو في «أوبك»، إلى ما دون مستوى 350 ألف برميل يومياً.
وقال سفير بريطانيا في ليبيا، بيتر ميليت، على صفحته بموقع "تويتر"، إن التقارير عن القتال قرب المنشآت النفطية في ليبيا "مثيرة للقلق".
وقال مارتن كوبلر، مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، على تويتر: "قلق بشأن تقارير عن تجدد القتال في الهلال النفطي، سيعمق الأمر الانقسامات، ويقلص الصادرات النفطية، النفط ملك لجميع الليبيين".
وحذرت المؤسسة الوطنية للنفط الحكومية، والتي تشرف على حقول النفط الخام في ليبيا، من إغلاق جميع حقول النفط في حال تفاقم الأوضاع الأمنية
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الهجمات الأخيرة من قبل التنظيمات المسلحة داخل ليبيا، ألحقت أضراراً بالبنية التحتية، وهذا ما يؤخر إعادة تشغيل الحقول التي تغذي تلك المرافئ، فضلًا عن تكلفة الإصلاحات.
تحديات سياسية
كما أن حكومة الوفاق الوطني التي لم تستطع بعد بسط سيطرتها على الأراضي الليبية، بعد دخولها العاصمة طرابلس في مارس الماضي، حرم البلاد من استغلال تلك الثروة النفطية الكبيرة.
وتعد من أبرز التحديات التي تواجه ليبيا، الحكومتان التي ترى كل منها أنها الحكومة الشرعية، فيما يعترف المجتمع الدولي بحكومة واحدة ألا وهي حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، رغم أنها لم تحصل بعد على ثقة مجلس النواب الليبي.
ذلك الانقسام السياسي في البلاد والذي يؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية والنفطية في البلاد، تسعى دول المنطقة أو ما يعرف بدول جوار ليبيا، على التئام ذلك الانسداد السياسي، لتستعيد هذه الدولة الغنية بالنفط عافيتها.
لذلك، لن يكون من السهل عودة وتيرة إنتاج النفط من الحقول الليبية خلال المرحلة المقبلة بالتزامن مع سوء الأوضاع الأمنية والسياسية، حيث قد تستغرق العودة الكاملة بضع سنوات نتيجة تعطل الإنتاج، وتفاقم هجمات الجماعات المسلحة.
وفي 3 يوليو وُقع اتفاق بين مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، خلال اجتماع عُقد في أنقرة، على هيكل جديد للمؤسسة يهدف لتنحية الخلافات بشأن مَن له حق تصدير النفط،
بعدما وقع رئيسا المؤسسة في البيضاء وطرابلس، ناجي حسين المغربي ومصطفى عبدالله صنع الله، مذكرة مبادئ في 21 مايو الماضي تهدف إلى توحيد قطاع النفط والغاز في ليبيا.
ليبيا وأوبك
أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية في بيان عبر موقعه الإلكتروني، أنها لن تخفض إنتاج الخام في "المستقبل المنظور" كونها تسعى لزيادة إنتاجها وصولاً إلى المستويات السابقة قبل اندلاع النزاع في البلاد.
وأضافت المؤسسة في بيان، صادر في 27 نوفمبر 2016، أن مصطفى صنع الله، رئيس مجلس الإدارة أبلغ الوفود المشاركة في المنتدى الاقتصادي العربي النمساوي في فيينا، أن الوضع الاقتصادي في ليبيا خطير بشكل لا يمكن معه المشاركة في تخفيضات "أوبك" للإنتاج في المستقبل المنظور.
وتأمل المؤسسة الوطنية للنفط في رفع إنتاجها إلى 1.1 مليون برميل يومياً في 2017، وهو مالم يتحقق حتى الآن.
وقال محمد باركيندو، الأمين العام لمنظمة أوبك، إن جميع دول المنظمة التزمت بخفض إنتاج البترول اعتباراً من بداية العام الجاري ويستثنى من ذلك ليبيا ونيجيريا بسبب التوترات الدائرة فيهما.
3 مراحل لإعادة إنتاج النفط
وتشرف المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا على خُطة من شأنها استعادة إنتاج البلاد النفطي والعودة إلى مستويات ما قبل 2011.
وقدر القائمون على الخُطة، أن حقول النفط الليبية والمتوقفة عن العمل منذ 3 سنوات ستعود إلى طاقتها الكاملة، بالتزامن مع جملة من الإصلاحات ودعم حكومة الوفاق الوطني، أواخر 2017 أو 2018 القادمين، إلى جانب مضاعفة الإنتاج سريعاً إلى أكثر من 700 ألف برميل يومياً إذا استقرت الأوضاع السياسية والأمنية.
وتستغرق عملية إعادة الإنتاج وفق الخُطة 3 مراحل، الأولى يمكن تنفيذها في غضون 3 أشهر، وتهدف لإعادة تشغيل حقول نفطية مثل الشرارة والفيل اللذين تبلغ طاقتهما معًا نحو 430 ألف برميل يومياً.
بدء العمل في ميناء الزويتينة
البداية جاءت في السادس من سبتمبر عندما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط تصدير أول شحنة من النفط الخام من ميناء الزويتينة، بعدما توصل حرس المنشآت النفطية إلى اتفاق مع حكومة الوفاق في منتصف أغسطس.
حقل الشرارة النفطي يستأنف التصدير
وفي 14 ديسمبر أعلنت مؤسسة النفط إعادة فتح خطي الأنابيب الرابطين بين حقل الشرارة النفطي بمصفاة الزاوية لتكرير النفط وحقل الفيل للنفط بمجمع ميليتة، بعد إغلاق استمر عامين، قبل أن تعلن في 26 ديسمبر عن ارتفاع طفيف في الإنتاج اليومي إلى 622 ألف برميل يومياً.
بدء تصدير النفط من حقل الفيل
يتزامن ذلك مع إعلان إدارة حقل الفيل النفطي في 25 ديسمبر الماضي، استعدادها لاستئناف عمليات الإنتاج من الحقل في زمن قياسي، وبمعدل جيد فور صدور التعليمات من الجهات المعنية.
وأكدت الإدارة في منشور لها عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك» أن موظفي ومهندسي الحقل بكل أقسامه بصدد استئناف العمل بسرعة قياسية، بفضل عمليات الصيانة التي قاموا بها في الفترة الماضية وبأقل الإمكانات.
استئناف الإنتاج من حقل رأس لانوف
كما أن ميناء رأس لانوف الليبي، استأنف معظم إنتاجه النفطي في 22 سبتمبر الماضي، أي عبد 10 أيام من سيطرة قوات المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي عليه.
بينما المرحلة الثانية من الخطة تبلغ من 6 إلى 8 أشهر، وستغطي الحقول التي ستستغرق عودتها للعمل بكامل طاقتها، ما بين 8 أشهر وعدة سنوات؛ لأن عملية إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لمرافئ التصدير تحتاج عدة سنوات.
تفاؤل بشأن استعادة ليبيا إنتاجها النفطي
في خضم التطورات السابقة، أعلن نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق الخميس الماضي، أن إنتاج ليبيا من النفط ارتفع إلى 750 ألف برميل يومياً، بزيادة نحو 50 ألف برميل عن مستواه الأسبوع الماضي.
تأتي تصريحات "معيتيق" بعيد إعادة فتح صمام حقلي الشرارة والفيل، مشيراً إلى أنه "عن طريق ضبط النفس وتقريب وجهات النظر استطعنا الوصول إلى إنتاج نفطي 750 ألف برميل اليوم".
وكان تقرير صادر عن البنك الدولي توقع زيادة إنتاج النفط تدريجياً دون الوصول إلى طاقة الإنتاج الكاملة قبل 2020، نظراً للوقت اللازم لاستعادة البنية التحتية النفطية المتضررة ضرراً بالغاً.
وبحسب تقرير البنك الدولي، فإنه من المتوقع أن يتعافى إجمالي الناتج المحلي الليبي ليبلغ حوالى 23% في عام 2018، وسيتحسن كل من رصدي المالية العامة وميزان الحساب الجاري تحسناً كبيراً، مع تحقيق الموازنة وميزان المدفوعات فوائض متوقعة بداية من العام 2020 فصاعداً.