معرض الخرطوم للكتاب يبحث تاريخ حضارات السودان
الإسلام بدوره شكّل حضارة خاصة به لدى دخوله السودان كما أن الهجرات المختلفة العربية وغيرها رفدت المكون الحضاري والثقافي له .
أكد متحدثون في ندوة "أضواء على الحضارة السودانية"، التي أقيمت بالمقهى الثقافي ضمن فعاليات ضمن معرض الخرطوم الدولي للكتاب، أن التنوع الجغرافي والبيئي الموجود بالسودان ساهم في تعدد وتنوع الحضارات السودانية التي كانت سائدة في حقب متعددة من التاريخ، كما ساهمت في ثراء تاريخه القديم بدءا بالحضارات النوبية القديمة مرورا بالحضارة المسيحية وحتى حقبة الممالك الإسلامية.
وذكرت بروفيسور انتصار الزين صغيرون، وهي واحدة من أبرز علماء الآثار في السودان، أن التنوع الثقافي والجغرافي والبيئي في السودان أفرز بدوره تنوعا حضاريا كبيرا، وأشارت إلى أن الحضارة السودانية قديمة وضاربة في جذورها عبر التاريخ مشيرة إلى أن مظاهر الحضارة تبدأ من حضارة "كرمة" بشمال السودان والتي وصفتها بـ"حضارة المدنية".
وقالت إن هذا الوصف يعود إلى المدينة الكبيرة الموجودة في منطقة الدفوفة الأثرية، وما يحيط بها من آثار لا يتواجد في حضارة أخرى و حضارة نبته التي قامت في جبل البركل والمظاهر المصاحبة تدلل على وجود حضارة فرعونية، لكنها حضارات سودانية، خصوصا حقبة الملكَيْن: بعانخي وتهراقا اللذين أقاما حضارتهما وكانا يتمتعان بالحماس لكنهما حافظا على الحضارات القديمة؛ ولم يقضيا على مظاهر الحضارات الأخرى.
وأوضحت انتصار أن حضارة مروي قامت على الأودية وليس على النيل، ومترامية في أصقاع السودان لتغذي المدن النيلية، مدللة على ذلك بالمراكز الدينية والحضارية الموجودة بمنطقة البطانة بوسط السودان التابعة للحضارة المروية، مثل النقعة والمصورات الصفراء التي قامت على الأودية.
وأشارت إلى أن الحقبة المسيحية معلقة على الممالك المسيحية الثلاث، مبينة أن ذلك كان طبيعيا بعد أن قامت هذه الممالك على أنقاض مملكة مروي.
ونوهت بأن انهيار مملكة مروي على يد أكسوم أفرز الممالك المسيحية، وقالت إن من غير الطبيعي ألا يكون هنالك امتداد حضاري بين مروي والممالك المسيحية الثلاث.
وعن فترة دخول الإسلام للسودان وتواصل الأثر الحضاري القديم من ممالك كرمة ونبتة ومروي وحتى الفترة المسيحية، أكدت أن الأثر القديم لتلك الممالك القديمة ظل متواجدا حتى اليوم، خاصة في الطقوس المختلفة مثل طقوس العبور عند الولادة والختان وغيرهما من طقوس سودانية ظلت تمارس في المجتمعات.
وأضافت أن الإسلام بدوره شكل حضارة خاصة به لدى دخوله السودان، وأن الهجرات المختلفة العربية وغيرها رفدت المكون الحضاري والثقافي، تمثل ذلك في السلطنات والممالك الإسلامية مثل الفور والفونج والمسبعات، لافتة إلى أن الفونج كتبوا للعثمانيين الذين أرادوا غزو السودان أنهم ينتمون إلى قبائل بني أمية، ومسلمين في نفس الوقت اتقاء لغزوه ولكي لا يتقدمون بجيوشهم نحو الجنوب.
وذكرت انتصار أن هذا التاريخ زاد من ارتباط كثير من السودانيين وقتها بالإسلام والعروبة، مبينة أن الهجرات العربية كانت سابقة للإسلام نفسه وأن الإسلام انداح بين السودانيين .
وبدوره أوضح الدكتور عبد الرحمن علي آدم، المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف، أن السودان يستقبل سنويا ما يقارب 50 بعثة أثرية أجنبية للتنقيب عن الآثار في السودان، مضيفا أنه حان الوقت بعد تخرج عدد كبير من الآثاريين وحمَلة الشهادات في مجال التاريخ إلى تكوين وحدة سودانية وطنية للتنقيب عن الآثار.
وأشار آدم إلى أن هنالك مناطق كثيرة للآثار في السودان لم تكتشف بعد ولم يتجه إليها منقبو الآثار، مضيفا أن الهيئة تمتلك خارطة دقيقة بها كافة المناطق الأثرية، ومنها مناطق دخلت حيز التراث العالمي مثل منطقة جبل البركل والمصورات والنقعة والبجراوية، مضيفاً أن الحضارة السودانية منتشرة في مناطق بعيدة تحتاج للبحث والتنقيب، وهذا ربما يدفع بمعلومات ودلائل تاريخية جديدة تسهم في تسليط الضوء على الحضارة في السودان.
من جهته، ذكر الأكاديمي البروفيسور يوسف فضل، مدير جامعة الشارقة السابق، وأستاذ كرسي التاريخ بجامعة الخرطوم، أن السودان به حضارات قديمة، وقام معظمها على شاطئ النهر، مضيفا أن المظاهر الثقافية ظلت متواترة ومستمرة منذ عصر الممالك النوبية، منها مسألة الشلوخ، مضيفا أن ملمح الشلوخ على وجه المرأة السودانية جعله يؤلف كتابا عنها وعن تاريخها، وقال إن الشلوخ أثر نوبي قديم لم يأت به العرب وهم قد تأثروا به ثقافيا.
وذكر أن الشلوخ نفسها مرت بعدد من الوظائف في البداية كانت علامة للملك والرئاسة ثم تحولت للتفريق في المنشأ والانتماء ومن ثم إلى مسألة الزينة.
ونوه بأن اتفاقية البقط كانت اتفاقية سياسية دبلوماسية حقنت الدماء وسهلت انسياب الدين الإسلامي كما وضعت أطرا للتجارة والمنافع بين السودان المسيحي في ذلك الوقت ومصر ، التي كانت قد وقعت في أيدي المسلمين.
وأشار فضل إلى أن السودان بلد هجرات كبرى، ولم تكن الهجرات فيه قاصرة على العرب فقط؛ بل من شتى البقاع، مشيرا إلى انتشار العنصر العربي حتى قبل الإسلام وانتشار اللغة العربية بسبب أنها لغة الدين، وقال أن أكبر مجموعات عربية كانت جهينة وهم عرب رعاة، ومجموعات أخرى استقرت على المملك الموجودة بالنيل وتداخلت وتصاهرت، مشيرا إلى أن الحلف العبدلابي والفنجاوي الذي كون السلطنة الزرقاء انتقل إلى حلف سياسي, ثقافي ولم يكن دينيا فقط، وانما هدف إلى قيام دولة حكمت السودان من البحر الأحمر حتى كردفان ومن سنار حتى الحدود مع مصر، والتي كانت وقتها بالقرب من شمال دنقلا.
وقال فضل إن السودانيين تخلصوا من تعدد الآلهة بعد المسيحية واصبحوا يؤمنون بالله ومن بعدها دخل الدين الإسلامي والذي وجد بيئة قائمة على التوحيد بعد المسيحية.
aXA6IDMuMTM3LjE2NC4yMjkg
جزيرة ام اند امز