الليرة تعمق جراح السوريين.. قصص من الواقع
الجزء الأكبر من السوريين يعيش تحت خط الفقر، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133% منذ مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
مآس ومصاعب حياتية عديدة خلفتها الحرب الدائرة في سوريا منذ 9 سنوات، كان ضحيتها البسطاء والفقراء الذين أصبحوا عاجزين عن توفير قوت يومهم وسد حاجات أسرهم.
من نجا من المعارك والقصف المستمر في المدن السورية، أصبح فريسة للجوع والفقر مع تآكل القدرة الشرائية نتيجة هبوط العملة المحلية.
قصص وحكايات كثيرة يتناقلها السوريون عن الحياة الصعبة التي يعيشونها، بيوت مدمرة، ورجال بدون وظائف، وأسواق شحيحة السلع، وأسعار تخطت الحدود.
وتشهد سوريا بعد 9 سنوات من الحرب أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها مؤخراً تدابير التصدي لوباء كوفيد-19. كما زاد الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر أموالهم، الوضع سوءاً.
ويشير محللون الى أنّ المخاوف من تداعيات بدء تطبيق قانون قيصر الذي أقرته واشنطن ويفرض عقوبات على دمشق والجهات المتعاونة معها، يعدّ سبباً إضافياً في تراجع قيمة الليرة. وسيبدأ تطبيقه منتصف يونيو/ حزيران.
ويعيش الجزء الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133% منذ مايو/ أيار 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ويعاني أكثر من 9 ملايين سوري من انعدام الأمن الغذائي في وقت تواصل أسعار المواد الغذائية ارتفاعها وتنخفض قيمة الليرة السورية بمعدّل قياسي، وذلك وفقا لمارك كاتس، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية حول سوريا في الأمم المتحدة.
ورغم أن أم أحمد وعائلتها بقيت بمنأى عن المعارك خلال السنوات الماضية، لكنها اليوم تخشى على أطفالها الخمسة من الجوع مع تآكل قدرتها الشرائية جراء الهبوط الحاد في قيمة الليرة السورية.
وتقول أم أحمد (39 عاماً) المقيمة في بلدة بنش في شمال غرب سوريا: "منذ أن بدأت الحرب، ذقنا كل أنواع الألم والعذاب، وأعتقد أنّ المجاعة هي التي سنذوقها" في الفترة المقبلة.
وشهدت العملة المحلية هبوطاً سريعاً في قيمتها خلال الأيام القليلة الماضية في السوق الموازية، إذ ارتفع سعر صرفها مقابل الدولار بين يومي السبت والإثنين من 2300 إلى أكثر من 3 آلاف، وثبت سعر الصرف الرسمي عند 700 ليرة.
وتسبّب ذلك بارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع في أرجاء البلاد كافة ودفع بعض المتاجر إلى إغلاق أبوابها وسط امتعاض واسع في صفوف السكان.
ومع ارتفاع الأسعار، تفكّر أم أحمد بشراء كيس من الطحين وإعداد المؤونة تحسّباً للمرحلة المقبلة. وتقول "إذا استمر انهيار العملة، فنحن أمام مجاعة كبرى ولن يستطيع أحد شراء حاجاته".
وتضيف بأسى "هذه أمور كنا نسمع عنها في التلفاز في بعض دول أفريقيا".
وتتابع أم أحمد، مشيرة إلى أن زوجها يعمل بشكل متقطع، "نعيش الآن على بعض المدّخرات.. وقمنا كذلك ببيع أرض ورثناها، لكن لا أعتقد أن المال سيدوم كثيراً في ظل الغلاء الفاحش".
واضطرت بعض المؤسسات في إدلب إلى إقفال أبوابها، جراء صعوبة الاستمرار بسبب ارتفاع سعر الصرف.
ويرى الخبير الاقتصادي والباحث لدى "تشاتام هاوس" زكي محشي أنّه "لا يمكن للنظام أن يسمح بمزيد من الارتفاع في الأسعار لأنه يعلم أن هذا سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية لا يمكن احتواؤها".
إلا أنّه يتحدث عن "عوامل عدة تشير إلى أن الليرة السورية ستستمر في التراجع" مقابل الدولار.
وقال رئيس الحكومة السورية عماد خميس الأحد "ما يحدث اليوم على الليرة جزء من الحرب الكبيرة"، محمّلاً "الإجراءات القسرية" والعقوبات الأمريكية على سوريا مسؤولية التدهور الحاصل.
وشنّ عدد من أعضاء مجلس الشعب هجوماً لاذعاً على حكومة خميس متهمّين إياها بالتقصير.
وأثار تراجع قيمة الليرة امتعاضاً واسعاً في صفوف التجار. ودفع بالعشرات من سكان مدينة السويداء في جنوب سوريا إلى التظاهر منذ الأحد احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة.
في دمشق، بدأت لميس الشيخ (52 عاماً) تدريجيا الاقتصاد بمشترياتها الغذائية. وتقول "الأسعار نار.. ونشهد كل يوم قائمة أسعار جديدة أكثر ارتفاعاً من اليوم السابق".
وتضيف "نغيّر طعامنا اليومي بحسب الأسعار.. يقولون إننا لا نزال في البداية، فليساعدنا الله"، مبدية خشيتها من أن "يأتي يوم أنزلُ فيه إلى السوق وأعود دون أن أشتري شيئاً بسبب الغلاء".
ولا يميّز الغلاء بين منطقة وأخرى بغض النظر عن الجهات المسيطرة.
في القامشلي، أبرز المدن في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية (شمال شرق)، أقفلت بعض المحال وتراجع عدد الزبائن في أسواق اعتادت أن تكتظ شوارعها ومحالها ومقاهيها بالزوّار.
داخل متجره للمواد الغذائية، يدقّق راشد أومري (50 عاماً) في فواتير، مبدياً امتعاضه من وجود "سعر صباحاً وآخر بعد الظهر".
ويضيف "عندما نبيع البضائع نخسر وعندما نشتريها نخسر"، معتبراً أن "كل ما يحصل خسارة".
ويطغى الارتفاع السريع والمتواصل لسعر صرف الدولار على أحاديث الناس في الشارع.
في سوق القامشلي، تبحث أم علاء (55 عاماً) عما يمكنها شرائه بأقل سعر ممكن.
وتقول الأم لثلاثة أولاد، أحدهم لا يزال يعيش معها، إن تكلفة الوجبات باتت مرتفعة جداً، "أليس حراماً أن يصل سعر زجاجة الزيت إلى 3500 ليرة بعدما كان 500 ليرة فقط؟".
وتضيف "هذا الانخفاض (في سعر الصرف) يقتلنا".