القانون الذي يحمل اسم "قيصر" نسبة إلى الشخص الذي سرب صورا قال إنها لسوريين تمّ تعذيبهم في سجن صيدنايا بدمشق
كثيرة هي الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي متمثلاً بالقوى العظمى في ما يخص الملف السوري وعلى كافة الأصعدة السياسية والقانونية والاقتصادية.
ولعل آخرها فرض عقوبات جديدة على سوريا من قبل الولايات المتحدة وصفت بالأشد منذ اضطراب الأوضاع فيها عام 2011، وهو القانون الذي يحمل اسم "قيصر" نسبة إلى الشخص الذي سرب صورا قال إنها لسوريين تمّ تعذيبهم في سجن صيدنايا بدمشق.
وعلى الرغم من الدوافع التي تسببت بفرض هذا القانون، والذي يدخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/ حزيران الجاري، إلا أن القانون خلق سجالاً واسعاً بين مؤيدي القرار ومعارضيه من حيث جديته وفاعليته وما سيسببه من أضرار على المواطن أو ما سيحققه من نتائج في ضرب منظومة الحكم ودفعها لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بحق الملف السوري.
ومع كل هذا السجال الدائر حول فاعلية القانون ومنعكساته فإن بوادر تطبيقه سبقت القانون ذاته في اضطراب الأوضاع على الواقع السوري، فبمجرد اقتراب موعد تطبيقه تسارع اهتزاز الاقتصاد وفقدت الليرة السورية أضعافاً من قيمتها حتى وصل سعر الصرف لأرقام تاريخية تجاوزت حدود المتوقع؛ الأمر الذي فتح المجال واسعاً أمام التكهنات حيال مصير الملف السوري، لا سيما وأنه تسبب بموجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب الحكومة التصدي لحالة تأرجح سعر صرف الليرة ووضع حد للغلاء الفاحش الذي ضرب البلاد من شرقها إلى غربها.
لن تتوقف منعكسات تطبيق قانون "قيصر" عند هذا الحد، ففي القراءات المتعددة له وبخاصة في القراءتين الأكثر شيوعاً والتي ترى أولاهُما بأنه موجه إلى الحكومة السورية بشخصياتها ومؤسساتها وبحلفائها وتحديداً روسيا وإيران لكف أيديهما عن دعم الحكم اقتصادياً.
كما سيمنعهم القانون من تقديم الإمدادات العسكرية والاستراتيجية علاوة على أنه يمنع تعويم الحكومة أو التعامل معها مما يساهم في تفاقم العزلة السياسية المفروضة أصلاً على الدولة السورية؛ الأمر الذي يجعل دمشق عاجزة داخلياً عن مواجهة التحديات الاقتصادية والتي ستزيد حتما من معاناة الداخل بعد أن صار أغلبه تحت خط الفقر متأثراً بسنين الحرب التي استنزفت كل مقدراته.
كما ستسهم في عجز تمويل العمليات العسكرية أو الميدانية فتعزز فرص الرضوخ للقرارات الدولية؛ ليشهد الملف السوري حلاً سياسياً أممياً وتطوى معه صفحات الحرب والدمار لتنهض عملية إعادة إعمار سوريا.
على الرغم من الدوافع التي تسببت بفرض هذا القانون والذي يدخل حيز التنفيذ في 17 مايو/حزيران الجاري إلا أن القانون خلق سجالاً واسعاً بين مؤيدي القرار ومعارضيه .
أما القراءة الثانية فإنها ترى بأن القانون لن يكون ذا فاعلية جدية ولن يسهم إلا في تكريس الفقر وزيادة معاناة المواطن السوري المنهك أصلاً مستدلين بما نتج عن مجرد التصريح الأمريكي بتطبيق القانون من الارتفاع الجنوني في الأسعار والانهيار المتسارع لقيمة الليرة السورية وما رافقه من إغلاق للمتاجر وانقطاع للأدوية، مما سيؤدي إلى تفاقم الوضع المعيشي سوءاً وهو الثمن الذي يدفعه المواطن السوري وحده.
كما أنه لن يكون للقرار نتائج تذكر في فرض الخضوع للمبادرات السياسية الأممية وإن كان سيسهم في شكل من الأشكال من إبداء بعض المرونة المراوغة إلا أنه لن يرقى لحد الجدية المطلوبة في التعاطي مع الأمر، كما أن أصحاب هذه القراءة يرون بأن المجتمع الدولي لو كان يملك من الجدية ما يلزم لتطبيق تلك المبادرات فإنه يملك من الطرق والوسائل الكثيرة ما تجنب السوريين هذه المعاناة.
لا شك في أن كل هذه القراءات تستند إلى دلائل ومقاربات واقعية وسياسية إلا أن الخطر الحقيقي الذي يُخشى من تداعيات "قيصر" إذا ما طال أمده وبخاصة إذا قوبل بتعنت سياسي من جميع الأطراف السورية الموالية منها والمعارضة، فإنه سيهوي بسوريا إلى النموذج العراقي إبان حكم "صدام حسين" في العقد الأخير من القرن العشرين، إذ فرضت الولايات المتحدة حصاراً خانقاً على العراق آنذاك ولمدة عشر سنوات جعلت العراق بلداً منهاراً ازدادت معاناة أبنائه أكثر وفقد البلاد أدنى مقومات العيش.
وفي هذه الحالة فإن النموذج السوري سيعاني علاوة على ما عاناه العراق في تلك الفترة من التصاعد في انتشار الميليشيات وتحول الكثير من السوريين إلى مرتزقة، كما أنه سيسهم في انتشار الجريمة المنظمة لما تفرضه سوء الأحوال المعيشية من نقمة على الواقع المفروض، وكل ذلك سيزيد المشهد السوري تعقيداً يطيل الأزمة لا يحلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة