مرتين خلال شهر واحد، أصيبت القواعد المهنية الصحفية في مقتل في واحدة من أعرق صحف العالم مصداقية أو هكذا نعتقد، وهي صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وبات الأمر للكثيرين ليس محل استغراب وتساؤل فقط خوفاً من إصابة الصحف العريقة من عدوى انتشار مفبركي الأخبار في العديد من المؤسسات الإعلامية في العالم، وإنما أيضاً، باب الخوف من أن تضل الصحيفة العريقة الطريق وتفقد مكانتها التي عُرفت بها بين الصحف العالمية.
وإذا افترضنا أن المرة الأولى عندما نقلت تقريراً تحليلياً عن العلاقات السعودية-الإماراتية في (18 يوليو/تموز الماضي) بأنه خطأ كاتب التحليل فماذا يمكن أن تبرر "فبركتها" لخبر أن دولة الإمارات متحيزة لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" وأنها تزوده بالسلاح في الصراع المتصاعد في السودان على حساب القوات المسلحة، بقيادة عبدالفتاح البرهان، دون أن يكون ذلك الخبر مدعوماً بمعلومات ودلائل يمكن من خلالها أن تدعم به سرديتها التي استرسلت فيها بطريقة غير بريئة.
القائمون على الصحيفة الأمريكية "العريقة" غاب عنهم أن دولة الإمارات لديها من الشجاعة السياسية ما يجعلها توضح موقفها مما يحصل على أرض السودان الشقيق الذي هو بالنسبة للإمارات ليس كأي شقيق لأسباب كثيرة.
غير أن الذي تؤكده الإمارات في كل لحظة أنها مع الحل السياسي وكل الجهود الدبلوماسية، ومع دعم الحوار بين الطرفين ليس فقط لأنه أفضل طريقة للخروج من الكارثة الإنسانية، وليس كذلك من منطلق أن هذا مبدأ ضمن المبادئ العشرة للخمسين سنة المقبلة التي أعلنتها دولة الإمارات في الفترة الأخيرة، وإنما، وهذا الأهم، تقديراً من دولة الإمارات لمكانة السودان في الأمن القومي العربي ولمكانة شعبه في الإدراك الأخوي الإماراتي لهذا الشعب هو الآخر الذي يدرك حقيقة الموقف الإماراتي مما يحصل في بلاده.
موضوعياً، صحيفة "وول ستريت جورنال" ما زالت تذكر شفافية الدبلوماسية الإماراتية في موقفين مهمين، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.
الموقف الأول: عندما قررت الإمارات أن تُخبر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن أمريكا لم تعد حليفاً يمكن الاعتماد عليه وذلك في لحظة تاريخية إذ لا تجرؤ أي دولة في العالم أن تفعل ذلك، حين قرر البيت الأبيض دعم الفوضى والخراب في المنطقة العربية وكانت في وقتها تلك الفوضى تشمل السودان الشقيق نفسه.
الموقف الثاني: كما يبدو أن الصحيفة تتغافل مع الإصرار والترصد عن صراحة الإمارات واحترامها للرأي العام العالمي عندما اتخذت قراراً بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، مع أن الصحيفة تدرك مدى ما يعني ذلك في العالم الإسلامي، ولكنها الإمارات فعلت بكل وضوح وتحملت تبعات قرارها، ربما لهذا السبب فضلوا ألا يجهد القائمون على الصحيفة أنفسهم بالتأكد من دولة الإمارات بشأن صحة الخبر لأنها ستخبرهم بما قد لا يتناسب وخبرهم.
"اسمع من الإمارات" هذه هي نصيحة الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، لمن يريد أن يعرف عن موقف دولة الإمارات وهو عندما يقول ذلك، كما جاء في تغريدته على منصة إكس (تويتر سابقاً)، فإنه يطالب بأبسط قواعد العمل الصحفي وهو أخذ المعلومة من مصدرها الأصلي بدلاً من مصادر لديها أجنداتها السياسية ضد دولة الإمارات وهذا غير مستبعد في ظل حالة التربص بالجهود الإماراتية الواضحة في الوقوف ضد من يستهدفون استقرار المجتمعات الإنسانية ويتاجرون في القضايا الإنسانية من تنظيمات إرهابية استطاعت أن تتغلغل في الدوائر الإعلامية العالمية، بل إن اتباع نصيحة الدكتور قرقاش هي: "قيمة" للعمل الصحفي تؤكد من خلال المؤسسة الإعلامية رصانتها واحترامها لقرائها بدلاً من الاستمرار في تكرار المخالفات.
إذا لم يدرك القائمون على الصحيفة وغيرها من المواقع الرصينة أبعاد فبركة الأخبار وتأثيرها فإنهم يرتكبون كارثة في حق قرائهم وفي حق تاريخ الصحيفة مهنياً قبل أن يكونوا قد تجاوزوا بحق دولة الإمارات التي تعرف كيف تدير أزماتها الإعلامية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة