هل أضاف الأدب الرقمي للحياة الثقافية؟.. الكتاب يجيبون
الشاعر والكاتب السعودي إبراهيم الجريفاني، يقول إن الأمية اليوم ليست بعدم القراءة والكتابة، بل في عدم اللحاق بالتقنية المعلوماتية
أحدث ظهور الإنترنت ووسائل التكنولوجيا الحديثة ثورة عارمة في مجال صناعة الكتب والمجلات والجرائد، ما تسبب في حالة من الرعب لدى الكثير من المفكرين من إمكانية اختفاء الكتاب الورقي.
وقبل نحو عقدين من الزمن، ظهر في الساحة الأدبية إنتاج أدبي يُقرأ على شاشة الكمبيوتر، ومن أهم خصائصه القيام بدمج الوسائط الإلكترونية المتعددة نصية وصوتية وصورية وحركية في الكتابة على فضاء يسمح للقارئ بالتحكم فيه، وقد سمي بالأدب الإلكتروني، أو الأدب الرقمي.
وتم الإعلان قبل 15 عاماً عن تأسيس اتحاد لأدباء الإنترنت العرب، وبينما يرى البعض ضرورة الانخراط في هذا الأدب الجديد كمطلب حضاري، يرى آخرون أن هذا الأدب ليس له وجود حقيقي، وأنه "كذبة كبرى" وجدت من يروج لها.
"العين الإخبارية" استطلعت رأي بعض الأدباء والشعراء في الأدب الرقمي، حيث اعتبره البعض ضرورة لمواكبة التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، فيما يراه آخرون أنه لم يضف جديداً إلى الحياة الأدبية.
وقال الشاعر والروائي المغربي حسن المددي: "إن ظهور الإنترنت ووسائل التواصل أحدث ثورة عارمة في مجال الكتابة، وأثار الخوف على صمود الكتاب الورقي، وأصبح المفكرون يدركون خطورة الموقف، الذي بات يمهد الطريق لتغيير جذري في مجال الإبداع الأدبي والفكري والفني".
ويقول الشاعر والكاتب السعودي إبراهيم الجريفاني: "إن الأمية اليوم ليست بعدم القراءة والكتابة، بل في عدم اللحاق بالتقنية المعلوماتية، ومن ثم فالأدب الرقمي سمٌة حقيقية لهذا العصر وبيئته المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي التي أحالت العالم إلى قرية كونية صغيرة، وغيرت مفاهيم النشر والكتابة والانتشار الكوني".
ويؤكد "الحريفاني" أن تحليل هذا الأدب أو الحكم عليه، هو عبث عقلي لا يرتقي للمنطق، لأن دورنا هو محاولة اللحاق به والتعرف على ماهيته والتفاعل معه.
وتابع: "الأدب الرقمي هو اختزال لتاريخ نشر جاوز القرون، وبالتالي هو تنوير حقيقي، وعلينا عدم التفكير إلا بقبوله والتعايش معه ومحو أميتنا الماضية حتى نكون جيلاً رقمياً، كما أن علينا التخلص من غشاوة الكثير من الإيديولوجيات، وأن ننفض عن فكرنا اختلاسات غبار الأمس، لنكون أقرب لهذا الجيل وفهم لغته وأدواته الثقافية، حتى نستطع أن نكون رقماً حاضراً، بدلا من أن نُمسي نسياً منسياً".
وتشير الروائية والشاعرة اللبنانية نسرين بلوط إلى أن الأدب الرقمي أتاح فرصة للكثير من الكُتاب للتعبير السريع، الذي يشبه سرعة تجميع وتفكيك الأرقام منطقياً وتسلسلياً، بأسلوبٍ تحرّر من نبض الأوراق وألوان القلم.
وأضافت: "لكن السؤال هنا، هل الأدب الرقمي قد أضاف لعالم الأدب فلكاً جديداً يحوم حوله الآخرون، أم أنه تعدّى مساحته التجريبية إلى اللانهايات والماورائيات البيروقراطية؟".
وتقول الشاعرة الأردنية غدير سعيد حدادين: "إن جيل اليوم لا يرى متعة في القراءة الورقية، والأدب الرقمي نوع جديد من الكتابة الأدبية، انتشر بانتشار استعمال أجهزة الكمبيوتر الشخصية والوسائل التكنولوجية الحديثة".
وأوضحت: "لكل أدب ميزاته، ومع أن أدب الجيل الماضي كان مليئا بالتأمل والإبداع، لكنه محاط بالركون والبطء في الانتشار، فما نراه في يومنا هذا سريع بسرعة البرق في الانتشار، لكن يتضمن نشر معلومات غير موثقة وغير حقيقية".
وتقر "حدادين" بأن الكثير من مفاهيم الأدب الرقمي لا تزال ملتبسة بعض الشيء، ليس فقط في التجربة العربية، لكونها حديثة العهد وتحتاج إلى تأملات نقدية تدعم وضوحها الذي لا يعني بالضرورة ضبط المفاهيم بشكل قاطع، ولكن على الأقل خلق مجال مليء بالنقد الموضوعي، لكن لا مفر إجمالا من مواكبه الفكر الحديث، ومجاراة العصر الإلكتروني، وبما يسمى الأدب الرقمي الجميل.
ويعتقد الروائي المغربي طارق بكاري أن ما أضافهُ الأدب الرقمي للحياة الأدبية محدود جداً، على الأقل في الوقت الحاضر.
وأضاف: "مجال الكتابة الإلكترونية يتسم بالفوضى، ويفتح الباب على مصرعيه للموهوب وغير الموهوب، للكاتب ومدعي الكتابة، وما أكثرهم في وقتنَا الراهن".
ويوضح "بكاري" أن أغلب الأعمال الأدبية التي ينشرها أصحابها في مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في المواقع الإلكترونية على دفعات، تفتقرُ في الغالب للجودة، وتكون مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية، وتفتقرُ للتصفيف وللمراجعة النقدية التي توفرها دور النشر المحترمة.
ويضيف "بكاري" أن الحديث عن إضافات الأدب الإلكتروني للمشهد الثقافي في العالم العربي مبكر نوعاً ما، بل إنّ الحديث عن الأدب الإلكتروني بشكل جاد لا يزال مبكراً، فأغلبُ ما نقرأهُ حالياً مجرد محاولات كتابة لا تخلو من موهبة، لكن يعوزها النضج الكافي.
وواصل: "أظن أنّ المستقبل للأدب الإلكتروني، لا نقول إن الأمر سيكون على حساب الإنتاج الورقي، بل إنّ هذا الانفجار التكنولوجي سيوسع من قاعدة التلقي، وسيصبح للأدب الإلكتروني جمهوره، ونتمنى فقط إلا تعم الفوضى، فوضى الكتابة، في مجالٍ ليس فيه حسيب فيه ولا رقيب، أو لجان مراجعة أو مدقق لغوي أو محرر أدبي".
وقال الروائي العراقي سعد سعيد: "إنه لا يعتقد أن الأدب الرقمي سيضيف شيئاً إلى الأدب الحقيقي"، مضيفًا: "من المؤكد أن تكون هناك حالات نادرة يكشف فيها الأدب الرقمي عن موهبة أو نص متميز، ولكنني أعتقد أن الغلبة ستبقى للأدب التقليدي الذي يعتمد الورقة والكتاب، حتى تختفي الأوراق من حياتنا".
وترى الشاعرة المصرية ديمة محمود، أنه في السنوات الـ5 الأخيرة برز مفهوم النشر الإلكتروني كشريك أساسي في مد نطاق المعرفة، ويشمل هذا نوعين أحدهما مجاني ويكون ضمن مجلات وصحف ومدونات إلكترونية، والنشر فيها مجاناً للنصوص والمقالات والتحقيقات والدراسات والكتب إلكترونياً، ويتشعب مجاله بالنسبة للكتب ليشمل مدونات ومواقع متخصصة للكتب وقنوات التليجرام، ويلقى إقبالاً هائلاً ومثيراً، وكلنا نعرف أن حجم تداول الكتب على شكل ملفات "بي دي إف" أتاح فعليا إطلاعاً غير مسبوق على الثقافات المختلفة".
وتابعت: "أما النوع الثاني فيكون مدفوعاً، ويتم من خلال منصات نشر إلكتروني متخصصة بدأت تظهر حديثاً، تتولى النشر في المرة الأولى للكاتب بمقابل مادي، كما يقوم معظمها بالتوزيع من خلال التسويق الإلكتروني، وتمكّن بعضها الكاتب من نشر كتابه بنفسه وإدارة ما يرتبط بالعائد المادي له (إن وجد) ولها تلقائياً".
وتشير ديمة محمود: "بالتأكيد يؤدي النشر الإلكتروني بكل أشكاله إلى توسعة قاعدة المتلقين، وصقل المعرفة والتذوق الأدبي لدى قطاع منهم دون تكلفة مادية تذكر للطرفين، سواء للمتلقي أو الكاتب، أو بتكلفة رمزية أحيانا".
وأوضحت أنه لا يمكن التقليل من أهمية توسع النشر الإلكتروني، حيث أشارت دراسة أوردتها إحدى منصات النشر الإلكتروني إلى نسبة بيع الكتاب الإلكتروني إلى نسبة بيع الكتاب نفسه ورقياً هي نسبة 100 إلى 1.
وتقوم دور النشر الإلكترونية منذ فترة بحماية مطبوعاتها الرقمية، بصيغ عالية التشفير، وبعضها صمم تطبيقات خاصة به حسب أنواع الهواتف الذكية، تمكن مالكيها من الشراء مباشرة، إما نسخ ورقية وإما إلكترونية محمية.
aXA6IDE4LjIxNi4xNDUuMzcg جزيرة ام اند امز