صراع الطبيب والمهندس.. متى تحسم جبهة لندن قيادة الإخوان؟
صراع من نوع خاص بين طبيب الأمراض الجلدية والمهندس المدني الإخوانيين لخطف مقعد مرشد التنظيم.. فمتى تُحسم المعركة؟
فمنذ تولي طبيب الأمراض الجلدية، صلاح عبدالحق، منصب القائم بعمل مرشد الإخوان "جبهة لندن"، يوم 19 مارس/آذار الماضي، ولا يزال السؤال مطروحًا بخصوص ما إذا كانت هذه الجبهة قد نجحت في حسم الصراع مع الجبهة المناوئة لها والتي يتولى منصب القائم بعمل المرشد فيها محمود حسين أم لا؟
ومن هنا يبدو مهما رصد مصادر القوة لدى جبهة الراحل إبراهيم منير في لندن، ومحاولة الإجابة عن السؤال الأهم حول الأسباب الخفية وراء اختياره واتجاه التنظيم خلال الفترة المقبلة.
وتحاول "العين الإخبارية" الكشف عن المرشد السري الذي يقود تنظيم الإخوان الإرهابي في ظل وجود مرشد منحاز إلى العمل الدعوي والاجتماعي.
لماذا طبيب الجلدية؟
هناك عدة أسباب وراء اختيار الرجل السبعيني صلاح عبدالحق، قائمًا بعمل مرشد الإخوان "جبهة لندن"، لعل أهمها أنه جاء وفق وصية تركها الراحل إبراهيم منير، كما أنه جاء اسمه ضمن ثلاثة أسماء طلب وفق شهادة أدلى بها عصام تليمة، القيادي الإخواني في عام 2016، أن يراجعوا قرارات محمود حسين.
ففي شهادته، قال تليمة: إن مرشد الإخوان محمد بديع، طلب في رسالة شفهية من داخل سجنه أن يُعرض أي قرار يتخذه الإخوان على ثلاثة أشخاص هم: حلمي الجزار ومدحت عاصم وصلاح عبدالحق.
وصية بديع أعطت ثقلًا لصلاح عبدالحق، وكان سببًا في اختياره في مجلس شورى الإخوان العام "جبهة لندن" في العام 2022، ثم كان التأهيل الأهم حيث وقع الاختيار عليه لتولي منصب القائم بعمل مرشد الإخوان فيما بعد.
لكن السبب الجوهري وراء اختيار صلاح عبدالحق للمنصب، أن الجماعة ترنو إلى الابتعاد عن السياسة قليلًا حتى تستطيع أن تداوي جراحها، ولملمة أوراق أتباعها داخل مصر أو في السجون تحديدا، فضلًا عن محاولة إصلاح الوضع الاقتصادي للتنظيم.
وقبل رحيله، قدم إبراهيم منير، القائم بعمل مرشد الإخوان، في يوليو/تموز 2022، خطا جديدا للتنظيم الإخواني عموده الرئيس هو "عدم خوض صراع على السلطة"، وقد بدا ذلك تجسيدًا لاستراتيجية جديدة أراد أن يسير عليها الجميع حتى بعد وفاته، ومن هنا كان اختيار صلاح عبدالحق، البعيد كل البعد عن العمل السياسي ودهاليزه.
استراتيجية رجحت كفة طبيب الأمراض الجدلية، عبر ترك وصية دعا منير فيها الهيئة الإدارية العليا ومجلس الشورى العام لانتخاب صلاح عبدالحق، قائمًا للمرشد خلفًا له، فهو يرى أن هذا الرجل هو الأقدر على المحافظة على السياسة التي رسمها بعدم خوض غمار السياسة إلى حين.
وبالتالي وقع الاختيار على صلاح عبدالحق، الذي لم يتول أي منصب تنظيمي ولم تكن له أي اهتمامات سياسية من أي نوع، بل كل اهتماماته تربوية، فقد تولى لجنة التربية بالتنظيم الدولي معتبرًا أن هذه المساحة هي أقصى ما يستطيع أن يعمل من خلالها داخل التنظيم.
ولو تم الافتراض جدلًا أن الإخوان ينقسمون إلى مدرستين (التنظيم والدعوة)، فرغم أن الرجل يعمل في التربية لكنه ينحاز دائمًا إلى المدرسة الأكثر تشددًا داخل التنظيم، وهو سبب اختياره للموقع المشار إليه.
مصادر قوة "إخوان لندن"
لا أحد ينكر أن كل جبهة من الجبهتين المتصارعتين على التنظيم لها مصادر قوة؛ فإذا كانت جبهة محمود حسين، تمتلك مصادر التمويل ولا يزال ولاء "إخوان القاهرة" لها، كأحد أهم مصادر قوتها، فإن جبهة "منير سابقا" تمتلك مصدر قوة يتعلق بأن أغلب أقطار التنظيم الدولي قد بايعت صلاح عبدالحق.
محمود حسين، يمثل الدولة العميقة داخل تنظيم الإخوان الإرهابي، ولكن صلاح عبدالحق يقود القطب الأقوى داخل الحركة وصاحب الشعبية رغم عدم معرفة الإخوان به!
وربما ورث عبدالحق هذه الشعبية من سلفة إبراهيم منير، فضلًا عن أنه حصل على جزء منها كونه كان يعمل في لجان التربية وكان بعيدًا عن الصراع المحتدم بين الجبهتين قبل أن يتولى منصب القائم بعمل المرشد خلفًا لإبراهيم منير.
استطاعت جبهة إبراهيم منير أن تسجل نقاط في شبك الجبهة المناوئة لها، أولًا باختيار رجل سبعيني، كان ضمن تنظيم 1965، وهذا الاختيار يذكيه بصورة كبيرة أمام أفراد "صف الإخوان"، فضلًا عن التذكية السابقة من قبل المرشد الحالي، محمد بديع.
صحيح أن محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد الوحيد وربما حسب نص المادة الخامسة من اللائحة يتولى منصب القائم بعمل مرشد الإخوان، ولكن هذه المادة اللائحية باتت لا قيمة لها أمام اختيار ذكي من الجبهة المناوئة تجسد في اختيار رجل التربية صلاح عبدالحق، صاحب التاريخ العميق في التنظيم، فقد سجن الرجل مع سيد قطب وعمره تسعة عشر عامًا، وفق ما يراه الإخوان.
حسب مؤشرات القوة والضعف، يمكن الوقوف على أن جبهة لندن باتت الأقوى من كتلة محمود حسين، وأنها قد تحسم الصراع لصالحها لو أنها سارت بنفس خطواتها في تسجيل أهداف في شباك الجبهة المناوئة، وهو ما ستسفر عنه الأيام القادمة.
المرشد السري
لكن مفاجأة أخرى تتعلق بجبهة لندن، فمع تولي طبيب الأمراض الجلدية، صلاح عبدالحق، قيادة تنظيم الإخوان الإرهابي، بات المرشد الحقيقي للتنظيم أحد الثلاثة الذين أوصى بهم ولهم، المرشد العام للتنظيم محمد بديع، وهو حلمي الجزار، بينما يظل عبدالحق مجرد واجهة ليس أكثر أو أقل.
في تاريخ الإخوان هناك قيادات تتولى السلطة وهناك قيادات تقود في التنظيم، فالسلطة مجرد وجاهة ولكنهم غير قادرين على اتخاذ قرارات، بخلاف من يقود التنظيم، فهؤلاء هم المالكون الحقيقيون له.
فمحمد بديع، كان مجرد واجهة للتنظيم الإخواني، بينما خيرت الشاطر ومحمود عزت هما أصحاب القرار الحقيقي داخله، وهنا يبدو حلمي الجزار المرشد السري، صاحب القرار الحقيقي بحكم قوته التي حصل عليها من ترشيح محمد بديع له، وعمله بالسياسة لفترة طويلة وقدرته على إدارة الهياكل الإدارية للتنظيم.
يُحاول حلمي الجزار الظهور في دور الإصلاحي المعبر عن الشباب لكن الواقع يؤكد أنه ينتمي إلى نفس تيار صلاح عبدالحق القطبي، كما أنه معبر حقيقي عن جيل العجائز والشيوخ داخل التنظيم، وأنه مجرد امتداد للتيار القطبي بكل تفاعلاته.
مَن يحسم الصراع لصالحه؟
ربما يكون من الصعب التكهن بالجبهة التي قد تحسم الصراع لصالحها، خاصة وأن الجماعة لا تزال تمر بعدة انقسامات، فمع وجود الجبهتين المتصارعتين، جبهة محمود حسين وجبهة صلاح عبدالحق، هناك جبهة التغيير أو الكماليون، وهناك تيار رابع ربما يمثل الجبهة الرابعة داخل التنظيم وهم عموم الإخوان الذين توقفوا عن دعم أي من الجبهات الثلاث وكثيرًا منهم جمد عضويته.
هذه الحالة من الصعب معها حسم الصراع لصالح جبهة دون الأخرى، ولكن وسط تصاعد الأحداث وربما اشتعالها يمكن توقع مصادر القوة والحسم الجزئي للصراع لصالح جبهة صلاح عبدالحق، خاصة أنها حاولت تفكيك مصادر قوة جبهة محمود حسين، من خلال استصدار قرارات فصلت فيها إخوان الداخل "في القاهرة" عن إخوان الخارج، وهو ما تحقق بشكل جزئي.
ويبذل "إخوان لندن" جهودًا لكسر الطوق الذي يفرضه محمود حسين على "إخوان مصر".. صحيح أن هذه الجهود لم تُؤت أكلها ولكنها مع الوقت قد تكون لها نتيجة. وهنا سوف ينفرد "إخوان لندن" بالسلطة والسيطرة داخل التنظيم.
كما أن إخوان لندن سبقوا بخطوة جبهة محمود حسين، ورغم عدم حسمهم الصراع لصالحهم ولكنهم قد ينجحون في ذلك، خاصة وأن الثلاثة الذين أوصى بديع بمراجعتهم مع أي قرار يتخذه محمود حسين، كلهم في جبهة إبراهيم منير، وهو ما يفهم منه أن هذه الجبهة قد تحسم الصراع يومًا ما.
متى تقود جبهة لندن؟
لا تزال كفة الجبهتين "حسين وعبدالحق" شبه متساوية في القوة، ولكن قد تميل كفة لندن على كفة محمود حسين، خاصة وأن الأولى تُسجل انتصارات حقيقية على أرض الواقع، مع تآكل الرقعة التي تُسيطر عليها الثانية، بدليل مبايعة مكتب أفريقيا بأكمله لصلاح عبدالحق، بعدما كان مؤيدًا لمحمود حسين.
وإذا خرجت رسالة شفهية من محمد بديع من السجن، حتمًا ستنحاز لجبهة صلاح عبدالحق، فالرجل لم يكن اختيار الراحل إبراهيم منير فقط، ولكنه كان اختيار محمد بديع أيضًا ضمن لجنة المراجعة التي أشار إليها والمنوط بها مراجعة قرارات محمود حسين، وهنا سينحاز "بديع" لاختياره السابق ومعرفته بالرجل.
وفي حال خروج مرشد الإخوان من السجن "افتراض غير واقعي" ستكون جبهة لندن نواة القيادة الجديدة، بخلاف جبهة محمود حسين، فأغلب تشكيلة هذه الجبهة من الأشخاص القطبيين وقيادات سابقة بالتنظيم الدولي، فضلًا عن أن أكثرهم من المصريين، ومن ثم سيكونون عصب التنظيم الجديد.
وأخيرا إذا نجحت جبهة لندن في وضع يدها على حصالة المال أو مصادر التمويل داخل التنظيم وشق عصا الطاعة من قبل "إخوان القاهرة" ستُصبح جبهة محمود حسين بلا تأثير، بل سوف تضعف وربما تضمر تمامًا، ومع الوقت سوف تكون الغلبة لجبهة لندن.
aXA6IDMuMTQ5LjIzNC41MCA= جزيرة ام اند امز