نحاول في تحليلنا في مقالات عديدة لإعلام الإخوان الموجه من خارج مصر أن نحدد أبرز ملامح وعناصر ومكونات هذه الإعلام بمختلف وسائله.
من قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية وصفحات تواصل اجتماعي، وسينصرف التحليل هذه المرة إلى لغة هذا الإعلام والقائمين به وعليه، وخصوصاً التلفزيوني منه والموجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة الإجابة عن سؤال بسيط ومباشر: كيف يتحدثون ويكتبون؟
والمتابعة الدقيقة للغة هذا الإعلام عبر فترات طويلة وخصوصاً في العام الأخير، تفضي إلى ملاحظة وجود عدة سمات تتعلق بلغته ومصطلحاته وما وراءها من أهداف. والملاحظة الأولى هي أنه بالرغم من أن هذا الإعلام ومنذ نشأته قبل نحو عشر سنوات قد دأب على التجاوز اللفظي الفادح تجاه كل من يرى أنهم "أعداء" الإخوان في مصر، فقد شهد العام الأخير تدهوراً غير مسبوق في أي نوع من الإعلام الذي يمكن اعتباره "محترماً"، والوصول إلى "إدمان" وتعمد السباب الفج والألفاظ المنحطة المتجاوزة ليس فقط لكل معايير الإعلام، بل الأخلاقيات الطبيعية التي يتسم بها أي تعامل بشري محترم بين ألد الخصوم خلافاً أو حتى عداوة.
وتتعلق الملاحظة الثانية بطريقة أداء القائمين على إعلام الإخوان من أعضاء الجماعة أو الملتحقين بهم من ألوان سياسية أخرى. فمن الواضح أن الإفراط في السباب واستخدام الألفاظ المنحطة يتم في خليط من التوتر والعصبية الشديدة من مستخدميها، ومن تعمدهم هذا الاستخدام. ويبدو واضحاً من هذا الخليط، أن التوتر والعصبية يعكسان الإحساس الداخلي العميق بالفشل وفقدان الأمل وعدم الثقة في كل الدعاية السوداء التي يبثها الإعلام الإخواني، من جانب القائمين به أنفسهم، فينحدرون إلى تعويض كل هذا باللجوء للسباب والألفاظ الخارجة المنحطة، لخلق حالة توازن نفسي داخلي يهتز وينهار يوماً بعد آخر.
وأما تعمد استخدام هذه اللغة المريضة المتجاوزة فهو يختلط في نفس اللحظة مع التوتر والعصبية، ويعكس أمراً ويهدف لأمر آخر. فأما الأمر الذي يعكسه هذا التعمد في إفراط القائمين على إعلام الإخوان استخدام هذه اللغة، فهو أيضاً أمر نفسي يتعلق بالإحساس العميق بالضعف والتقزم والعجز تجاه من يسبونهم، فلا يكون أمامهم من آلية لتجاوزه سوى بالإفراط في السباب واللغة المنحطة. فهذه الآلية النفسية تعطي من يستخدمونها الشعور الزائف بأنهم ليسوا فقط متساوون مع من يسبونهم، بل إنهم كلما أفرطوا في السباب والانحطاط فيه، تجاوزوا هذا التساوي المتوهم ليصلوا إلى التفوق المتخيل مرضياً على من يسبونهم. إنها آلية دفاعية عن النفس المترنحة بعنف تحت وطأة تطورات وأحداث الواقع الحقيقي، ومحاولة يائسة للهروب منه بإسدال ستار كثيف من الشتائم واللغة المنحطة عليه وحوله، عسى أن يختفي من أنظارهم وعقولهم وراء هذا الستار المصطنع.
وأما الهدف الذي يرمي إليه هذا التعمد، فهو تصور مريض متوهم بأن هذه هي الطريقة المثلى لكسر الاحترام والهيبة تجاه من يسبونهم، والتشجيع على التجرؤ عليهم لفظياً، حتى لو كان الثمن هو الإطاحة بكل قواعد أخلاق التعامل الطبيعية بين الناس ومعها أبسط تقاليد وسمات أي إعلام يحترم نفسه ومتابعيه. إنها آلية سياسية فاسدة يعتقد القائمون بها والمصرون عليها من الإخوان وحلفائهم، أن السباب وانحطاط القول هما البداية الضرورية والمطلوبة لتعبئة وحشد وتحريك المصريين ضد نظام الحكم في البلاد. والحقيقة أن هذه الآلية قد تصلح ربما في شجارات أو عراكات صغيرة ومحدودة طارئة، تقع بين أفراد أو مجموعات شديدة الصغر خارجة عن الأطر والتقاليد الاجتماعية والسلوكية المستقرة لمجمل المجتمع المصري، ولكنها أبعد ما يكون عن أن تصلح بأي حال للاستخدام في المجال السياسي. إن هذه الآلية وتعمد الاستمرار في استخدامها بلا أي طائل من إعلام الإخوان، يؤكدان الإفلاس والفشل السياسييْن الكامليْن للجماعة وملتحقيها من مجموعات وأفراد، فلم يعد أمامهم من سبيل سوى السقوط في تلك الهاوية الأخلاقية الفادحة والفاضحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة