الإخوان جماعة مزيفة فضلا عن كونها متطرفة، ولهذا تحتاج دائما إلى مجهود لقراءتها وتحليل سلوكها وتوقع أفعالها في المستقبل، نظرا لما ترفعه من شعارات غالبا لا تُعبر عن حالها الحقيقي.
جنحت حركة الإخوان الإرهابية إلى العمل السري منذ وقت مبكر في كل أنشطتها، حتى عندما كانت متسيّدة في بعض البلدان؛ فوجودها في السلطة أو إتاحة العمل السياسي والدعوي لها في هذه البلدان لم يدفعها يوماً للتخلي عن سريتها، ما تُكنه بداخلها أكثر مما تُعلنه، فهناك قادة سريون هم من يقودون التنظيم بخلاف من يتم الإعلان عنهم.
من أهم الصفات التي تميز من يحكم هذا التنظيم الإرهابي، أنه يعمل من خلف ستار، حريص على عدم الظهور في الإعلام، وهو المحرك الحقيقي للأحداث والصانع الأول للأزمات، هذا النوع من القيادات موجود دائمًا في تاريخ هذا التنظيم والجماعة حريصة على أثره.
يأتي هذا الحديث بمناسبة اختيار الطبيب صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، جبهة الراحل إبراهيم منير، فرغم أن الرجل بلغ من العمر عتيّا فإن الجماعة كانت حريصة على اختياره بعد وصيّه تركها رفيق كفاحه الراحل وشريكه في انقلاب عام 1965 مع سيد قطب، وهنا نستطيع أن نقول إن المرشد الحقيقي ليس عبد الحق، وإنما هو بمثابة واجهة التنظيم السري ليس أكثر أو أقل.
خيرت الشاطر ومحمود عزت، هما من كانا يقودان تنظيم الإخوان الإرهابي في عهد المرشد الأسبق محمد مهدي عاكف، وقد ظلا يتحكمان في التنظيم في ظل وجود المرشد البديل لعاكف، محمد بديع، مع مجموعة من صقور التنظيم أمثال محمود غزلان ومحمود حسين وآخرين، وقد انضم محمد حبيب إلى القائمة السوداء في إدارة التنظيم السري قبل أن يلفظه فيما بعد ليُحاول أن يقدم نفسه على أنه إصلاحي!
ولذلك الحديث عن وجود تنظيم رسمي ومرشد خفي أمر يتوافق مع واقع التنظيم الحقيقي؛ ودائمًا التنظيم السري يختار مرشدًا لا ينتمي لفصيله كواجهة يستطيع أن يُدير من خلالها أو يمرر قراراته، وهذا دليل على أن التنظيم لا يحب النور ولا يتواءم مع العلانية، هذه اختياراته البنيوية والتنظيمية، فما بالك بسلوك التنظيم الخارجي؟
تنظيم ربّى أعضاءه على البيعة في مكان مظلم ولشخص غير معلوم، يمثل المرشد، يُقسم الضحية في هذا المكان المظلم على مسدس ومصحف، والملمح هنا في الظلام الدامس الذي تضع الجماعة فيه أعضاءها، هذا المناخ صنع قلوبا سوداء وأيادي ملطخة بالدماء.
قد يقود صقور الجماعة مشهد التنظيم وقد يحكمون من خلف ستار، ولكن يبدو أنهم المتحكمون في التنظيم، فهم من يختارون المرشد وهم من يقودونه؛ فبعد وفاة مرشد الإخوان الثالث عمر التلمساني، كان جزء من الإخوان يتوق للعلانية! ولهذا السبب اختار التنظيم محمد حامد أبو النصر، ميلًا مع التيار ولكن من كان يحكم بشكل حقيقي وقتها مصطفى مشهور، أحد قادة الجناح العسكري للجماعة "النظام الخاص" وأحد المتهمين في قضية السيارة الجيب عام 1948 التي كانت تحوي كل أسرار العمل العسكري للجماعة.
بعد وفاة المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر، تولى دفة القيادة داخل التنظيم الإرهابي مصطفى مشهور، حتى توالى المرشدون من بعده، وهنا صدّر التنظيم السري محمد مهدي عاكف ومن بعده محمد بديع حتى يحكم خيرت الشاطر ومحمود عزت التنظيم! وهو ما قد حدث بالفعل حتى تم إلقاء القبض على الأول عام 2013 وعلى الثاني في 2021.
بعد وفاة إبراهيم منير تم اختيار صلاح عبد الحق مجرد واجهة سوف يحكم من خلفها كل من حلمي الجزار ومحمد الدسوقي ومحيي الدين الزايط، ولعل حلمي الجزار المرشح الأول لإدارة كل ملفات التنظيم، بحكم انتمائه لفصيل الصقور حتى ولو حاول أن يبدو بخلاف ذلك، فضلا عن كونه مصريا وأصغر في العمر من المرشد "المزيف"، وهما صفتان تؤهلانه لتولي المنصب فيما بعد.
انفردت "العين الإخبارية" كأول وسيلة إعلام تنشر خبر تولي صلاح عبد الحق منصب القائم بعمل مرشد الإخوان، وكتب صاحب هذه السطور مقالا في هذه المساحة بعنوان "مرشد الإخوان المشكوك فيه" في 12 ديسمبر/كانون الأول عام 2022 حتى ثبت انفراد البوابة وصح ما كتبه صاحب السطور.
لن يستطيع أن يضيف كثيراً المرشد الحقيقي أو الخفي للتنظيم، وهنا نقصد صلاح عبد الحق وحلمي الجزار، فانعكاسات هذا التعيين سوف تظهر بمزيد من الانقسام والتشظي الداخلي ليس على مستوى الجبهتين المتصارعتين ولكن على مستوى كل جبهة، فسوف نشهد عدداً من الانشطارات الطولية داخل كل جبهة قد تقضي على ما تبقى منها.
تنظيم الإخوان المسلمين مر بمرحلة انقسام تبعتها مرحلة انكسار؛ فهما مرحلتان متلازمتان، كل منهما تؤدي إلى الأخرى، فإذا وجدت انكسارًا للتنظيم تُدرك أن ثمة انقسامًا قد سبقها، وإذا حدث الانقسام لا بد أن تُدرك أن انكسارًا للتنظيم قد يتبعه وهذا واقع التنظيم الحالي.
يتحدث تنظيم الإخوان الإرهابي دائمًا عن التغيير ولكنه لا يأتي إلا بكل قديم، فتم تعيين قائم بأعمال مرشد الإخوان عن عمر ناهز الــ78 عامًا، وقد مات سلفه إبراهيم منير وقد كان يُدير التنظيم وعمره 85 عامًا، وهذا إنّ دل فإنما يدل على أن تنظيم العجائز لا يؤمن بالشباب ولا طاقاته ولكن يرفع شعارات بالتبعية لا تُعبر عن واقعه ولا تمت للحقيقة بصلة.
ما نود قوله بتركيز واختصار، إن مَن يحكمون تنظيم الإخوان الإرهابي ليسوا بالتبعية من يتولون السلطة فيه؛ وجودهم في القيادة استثناء ولكنهم يظلون هم المتحكمون الأساسيون في التنظيم وأصحاب القرارات والمواقف الحقيقية للجماعة، هذا الإدراك يقودنا إلى قراءة الكثير من قرارات التنظيم وإلى فهم أعمق للجماعة حتى يمكننا مواجهتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة