آمنة وخالية من الأعمال الإرهابية ظلت النمسا حتى الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، الذي كانت فيه على موعد مع هجوم هو الأول الذي يستهدف هذا البلد.
فكوجتيم فيض الله (20 عاما) أطلق النار النار وسط العاصمة فيينا، وقتل 4 أشخاص وأصاب 23 آخرين، ممّا أثار حالة من الذعر، قبل أن ترديه الشرطة النمساوية قتيلاً، وقبل ذلك التاريخ وبعده تعرضت دول أوروبية أخرى كفرنسا لعدة أعمال إرهابية.
إلا أن ذلك التهديد الإرهابي الإخواني يطل برأسه من جديد في فيينا، بتلقي الشرطة النمساوية الثلاثاء الماضي، الموافق الخامس عشر من مارس/آذار الجاري، معلومات عن هجوم محتمل على شخصيات سورية معارضة أو كيانات سورية موجودة في النمسا، مما دفعها إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية في عدة مواقع حساسة في العاصمة، وتجهيز أفراد الشرطة بخوذ وستر واقية من الرصاص وبنادق هجومية.
تلك التحذيرات والتهديدات دفعت المراقبين إلى التساؤل أولا حول مدى قدرات الإخوان في النمسا، وثانيا حول تمددهم وتعميم أفكارهم المسمومة بين جيل الشباب من المهاجرين في ذلك البلد الأوروبي، في وقت لم ترتق فيه الإجراءات المحلية لمواجهة التحدي الإرهابي إلى المستوى المطلوب، رغم معرفة فيينا مسبقا بوجود خلايا على أراضيها.
وفي ظل غياب استراتيجية محكمة تسلل تنظيم الإخوان بشكل متدرج وتمكن من خلايا خطيرة كخلايا تنظيم "القاعدة"، وانطلق في القيام بأعمال إرهابية في فيينا والنمسا بهدف زعزعة الأمن، بغض النظر عن المستهدفين، مما جعل العمليات الإرهابية تمتد بعد ذلك إلى العمق الأوروبي.
ورجحت النمسا أن تكون عناصر تنظيم الإخوان على أراضيها المدعومين بتنظيمات إرهابية أخرى سبب تنامي التهديدات الإرهابية، فيما أكد خبراء أوروبيون أن الاختراق والتمدد الإرهابي الإخواني ممكن في النمسا، لعدم وجود تقارير متقنة وكافية حول أنشطة التنظيم، تمكن السلطات من حصاره وفرملته والقضاء عليه في نهاية المطاف.
واعتمدت فيينا بشكل رئيسي خلال السنوات الماضية على استجواب بعض الشخصيات المشتبه بهم على أراضيها للقيام ببحوث ودراسات، لكن يبدو أن فيينا لم تستطع حتى اللحظة بناء شبكة علاقات أمنية مع دول واجهت الإرهاب الإخواني وقامت بتجفيف منابعه، وهي نقطة جوهرية وحاسمة في ذات الوقت، الأمر الذي يستدعي تجاوز المطبات التي يمكن لتنظيم الإخوان الإرهابي استغلالها وتجاوزها ليتمدد وبقوم بأعمال إرهابية في عمق القارة الأوروبية.
ما سبل محاصرة الإخوان في النمسا؟
قد تكون البداية في بناء علاقات تشاركية حقيقية مع الدول التي ضربها الإرهاب الإخواني في الماضي وكذلك القيام بتشكيل نواة عمل جماعي مع دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، لمواجهة زحف تنظيم الإخوان المسلمين الذي جعل فيينا تواجه تساؤلات حقيقية حول طرق ووسائل لمكافحة التطرف والإرهاب في بلد أوروبي يعد الاكثر أمناً في أوروبا.
وقامت فيينا وباريس بجهود كبيرة لمحاربة الإرهاب والمتطرفين المنتشرين بين فئات من الجاليات المسلمة في كل من البلدين وأصدرتا ترسانة من القوانين والإجراءات لهذا الغرض.
فحكومة النمسا على سبيل المثال لا الحصر عملت طوال السنوات القليلة الماضية على جعل مواجهة الحركات الإسلامية في كل من مظاهرها العنيفة وغير العنيفة في سلم أولويات سياساتها الداخلية، لكن الدولة بمفردها لا تستطيع مواجهة خطر اتساع وانتشار الإخوان والقيام بأعمال إرهابية أكثر قسوة وخطورة من ذي قبل في ظل تطور وسائل التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات التي استفاد منها التنظيم الإرهابي في الماضي إلى حد كبير في نشر دعايته وأديباته الدعوية وانضمام أعضاء جدد إليه.
وتبقى الإشارة إلى أنه حال تعرضت فيينا لعمل إرهابي إخواني بعد التهديدات الأخيرة، فإن التداعيات ستكون خطيرة جداً لعدة أسباب، في مقدمتها أن تنظيم الإخوان يكون بذلك أرسل رسالة مفادها أنه قادر على الاستمرار والضرب في العمق الأوروبي المتطور في مجالات الحياة كافة.
وقد ترى خطابات تنظيم الإخوان بعد ذلك آذانا صاغية لدى الآلاف من الشباب المسلم المنتشرين في القارة الأوروبية وأمريكا وكندا وتنظيمهم ليكونوا مادة بشرية وخطوة مهمة في انتشار وتوسع التنظيم الإرهابي، في ظل تفاقم شعارات الشعبوية في الغرب ووصول أحزاب عنصرية إلى سدة القرار في عدد من الدول الأوروبية التي كانت وما زالت ترفع شعارات مناهضة للمهاجرين في دولها، من بينهم المسلمين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة