تطورت حالة الاستعداء التي نمارسها لدرجة المس بجامعة الدول العربية والإساءة لها، ولو يعلم هؤلاء المعاني السياسية والقانونية.
منذ أكثر من سبعين عاما وشعبنا يناضل من أجل الحرية وتقرير المصير، فقدم الشهداء والجرحى والأسرى وبذل الغالي والنفيس في سبيل قضيته التي أراها أعدل قضية على وجه الأرض.
حققنا الكثير من المنجزات الوطنية وأهمها تكريس كيان سياسي معنوي لتمثيل شعبنا وهو منظمة التحرير الفلسطينية، التي تبنتها الأمة العربية ودعمتها بالمال والسلاح والمواقف السياسية الراسخة في كل المحطات، ودفعت باتجاه اعتراف الأمم المتحدة بها كحركة تحرر وطني تسعى للاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، وهذا الإنجاز على المستوى الدولي ما كان ليتحقق لولا وقوف أشقائنا العرب إلى جانبنا في مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي لم تبخل علينا بشيء، ففتحت أبوابها وخزائنها لثورتنا كي نكرس ذاتنا.
لكن في المقابل ورغم احتضان أمتنا ودعمها لنا على كافة الصعد كنا نرتكب أخطاء لا بل خطايا، نؤذي بها مشاعر أبناء أمتنا التي أعطتنا كل ما نريد ودون حساب من أجل الصمود والانتصار.
لا أدري لماذا انحرفت بوصلتنا في الأردن بداية السبعينات لنتصادم ونختلف مع الأردنيين؟، وفي لبنان أيضا حيث استقبلنا اللبنانيون استقبال الأبطال، كنا دولة داخل الدولة، وفي مطلع التسعينات وقفنا مع الغزو العراقي ضد الكويت ولا أدري كيف اتخذنا هذا الموقف الذي يتعارض مع رسالة شعبنا المناضل من أجل الحرية والاستقلال ؟ .
خطايا كثيرة ارتكبناها في العلاقة مع عمقنا العربي وخصوصا الخليجي، وفي كل مرة لم يكن محرك هذه الخطايا مصلحة فلسطين، وإنما المصالح الشخصية أو المحورية "الأجنداتية" لبعض القيادات والفصائل.
بكل الأحوال أوغلت بوصلتنا في الضياع عندما دخلنا على مرحلة اتفاق أوسلو المرحلي وأسسنا سلطة وطنية في الضفة الغربية وغزة، وشكلنا حكومة وانتخبنا برلمانا وأجهزة شرطية وأمنية، وانتقلنا من مرحلة الثورة لمرحلة المواكب والمراسم والمرافقين والامتيازات والمناصب، ونسينا أن هدفنا الأسمى هو التحرير، تهنا في غياهب الصراعات على المناصب والمكاسب ورائحة فساد المسؤولين فاحت وأزكمت أنوفنا.
ليس هذا فحسب بل تحولت بعض الفصائل الفلسطينية إلى أدوات رخيصة للملالي وأردوغان، بحيث يتم استخدامها حسب الطلب ضد منظمة التحرير والأمة العربية، حتى وصلنا جميعا إلى نفق الانقلاب الحمساوي البغيض الذي نفذته حماس بتعليمات الملالي وأردوغان في غزة ضد الشرعية الفلسطينية، عندما قتلت المئات من المناضلين من أبناء شعبنا ومثلت بجثثهم في الشوارع وألقت بهم من فوق الأسطح.
من صور ضياع البوصلة أنه وللأسف كلما "دق الكوز بالجرة" نشتم عروبتنا، فإذا هدم بيت في القدس شتمنا العرب، وإذا قتل أحد أبنائنا شتمنا العرب، وإذا منعنا من الصلاة في الأقصى شتمنا العرب، لا أدري هل هو الجهل أم الانسياق الأعمى خلف قيادات تتاجر بقضيتنا وتقبض على ظهورنا الملايين؟؟.
يبدو أننا جميعا فقدنا البوصلة وتفرقنا بين الأجندات والمصالح، فأصبحنا من التائهين وبدلا من التركيز على صراعنا مع من يحتل أرضنا فنتوحد ونسعى لكسب الكل العربي والإسلامي لصالحنا، هاهم قيادات فصائل إيران وأردوغان يؤلبون أنصارهم على العرب بأسلوب تحريضي حاقد تفوح منه رائحة الاسترزاق، حتى بعض السياسيين المتشدقين بالدبلوماسية والحياة بالنسبة لهم مفاوضات، ظهروا على شاشات الفضائيات المعادية للعرب وصبوا جام حقدهم على العرب خصوصا بعد الإعلان عن معاهدات السلام الإماراتية والبحرينية الإسرائيلية ،فبالغوا كثيرا في انفعالاهم للتعبير عن رفضهم للمعاهدة بأسلوب ينطوي على استعداء للشعب الإماراتي كله.
وأخيرا تطورت حالة الاستعداء التي نمارسها لدرجة المس بجامعة الدول العربية والإساءة لها، ولو يعلم هؤلاء المعاني السياسية والقانونية لكون فلسطين عضوا في الجامعة لما تصرفوا هكذا، لكنه الجهل المقيت.
إن ثورتنا انطلقت لتحرير فلسطين وإقامة دولتنا المستقلة، وليس لاستعداء العرب، يجب أن نعيد التفكير في أسلوب تعاطينا مع عمقنا العربي، فلا يعقل أن نتنكر لمواقف العرب فنناصر الإيراني والأردوغاني ضدهم، ولا يعقل أن نكون أكثر كيان سياسي في المنطقة له اختلافات مع عمقه العربي علما بأننا بحاجة للجميع، يجب أن نتسم بالهدوء والاتزان ونحافظ على علاقتنا مع عمقنا العربي، كفانا ارتجالات وكفانا انفعالات لا تفيدنا بل تفيد أعداء أمتنا .
لذلك أقول إنه على بعض السياسيين وقيادات بعض الفصائل بدلا من إضاعة البوصلة والسعي لجر الشعب الفلسطيني لصراعات مع العرب، أن يفهموا أن فلسطين عربية، وشعبنا لا يريد معاداة سندنا العربي، ومن يسيء للعرب ودولهم ورموزهم لا يمثلنا، أقول لهم: كفاكم استرزاقا ومتاجرة بقضيتنا لصالح أعداء أمتنا، نحن عرب ولن نخرج من جلدنا ولن تفرقوا بين فلسطين وعروبتها .
في النهاية لا نريد أن يسجل التاريخ أن بعض القيادات السياسية والفصائلية وطمعا في مصالحهم حولونا إلى شعب أضاع البوصلة بفعل ارتزاق بعض قياداته وفصائله، الذين لا هم لهم سوى مصالحهم وجيوبهم وامتيازاتهم وليس مصلحة قضيتنا أبدا. لا اكتب هذا المقال في سياق جلد الذات بل في سياق دق ناقوس الخطر، كفانا خطايا بحق قضيتنا، لا نريد أن نتوه أكثر، أعيدوا توجيه البوصلة إلى القدس قبل فوات الأوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة