مجمل المواقف العربية والأوروبية والدولية أكدت على ضرورة نيل الشعب الفلسطيني حقوقه بعد أن خلقت المعاهدة أجواء ضاغطة على إسرائيل.
لم يكن مستغربا الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لتوقيع معاهدة سلام بين مملكة البحرين وإسرائيل برعاية أمريكية، ولعل العامل الأساسي الذي يقف وراء سرعة التوصل إلى معاهدة السلام بين البحرين وإسرائيل، بعد أقل من شهر على المعاهدة الإماراتية – الإسرائيلية، هو الديناميكية التي خلقتها هذه المعاهدة، وطرحها آليات عملية للدفع بالسلام في المنطقة أولا، ولبناء مسار إقليمي جديد يحفظ المصالح العربية على أساس المصالح المشتركة ثانيا، ويرسم أسسا جديدة لمنع التدخلات الإقليمية وعلى رأسها تركيا وإيران، و يضع حدا لاستغلالهما القضية الفلسطينية بغية تحقيق أطماع توسعية على حساب الدول العربية ثالثا، فيما العامل المهم الذي لا ينبغي إغفاله هنا، هو أن مسار السلام هذا وفر فرصة حقيقية للشعب الفلسطيني في إقامة دولته بعد أن أبقت المعاهدة الإماراتية – الإسرائيلية على حل الدولتين من خلال وقف عملية ضم الضفة الغربية وغور الأردن، وهو ما يتطلب من الفصائل الفلسطينية وتحديدا السلطة الفلسطينية، التفكير بوعي من خلال إعادة النظر في خطابها الذي برز عقب الإعلان عن المعاهدة، وفهم سياقات الهندسة الجديدة التي خلقتها المعاهدة، وهي سياقات إقليمية ودولية تخدم قضية التوجه لنيل الحقوق الفلسطينية، إذ أن مجمل المواقف العربية والأوروبية والدولية أكدت على ضرورة نيل الشعب الفلسطيني حقوقه بعد أن خلقت المعاهدة أجواء ضاغطة على إسرائيل، ومطالبتها بالاستجابة للحقوق الفلسطينية، وعليه، فإن أسلوب الخطابات، وتسجيل المواقف، والمزايدة السياسية، ومخاطبة العواطف، وممارسة الشعارات لكسب الشارع .. كلها لا تعبر عن رؤية مستقبلية للأحداث، وما أفرزته التطورات الإقليمية والدولية من وقائع على الأرض، وفي واقع العلاقات والمصالح الدولية.
في الواقع وبالحديث عن التوقيع على معاهدات من أجل جعل السلام واقعا على أساس المصالح، لايمكن القفز فوق دور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أن دولا جديدة ستنضم إلى هذه المعاهدات، وقد كان له ولفريقه الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، دور كبير في التوصل إلى هذه المعاهدات، والثابت أن الدافع الأمريكي هنا، يتجاوز الدور الشخصي لترامب أو أي زعيم أمريكي أخر إلى وجود استراتيجية أمريكية مستقبلة تجاه المنطقة تتعلق بكيفية ترتيب وضعها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المستقبلية، فيما يبقى الأهم عربيا هنا قطع الطريق أمام أجندة الدول الإقليمية التي تستغل وتتاجر بالقضية الفلسطينية، ولاسيما تركيا أردوغان الذي ركب موجة الإسلام السياسي مستغلا الشعارات الدينية من أجل إيصال جماعات الإخوان إلى السلطة، و وضع هذه الدول أمام معادلة ضرورة إعادة النظر في حساباتها تجاه القضية الفلسطينية، بل و وضعها في امتحان داخلي مع شعوبها التي تعاني من الجوع والحرمان والفقر على وقع الشعارات السياسية الرنانة، والخطابات النارية، والأيديولوجيات الدينية المتشددة، حيث باتت جميعها دعائم لاستمرار هذه الأنظمة في السلطة عبر تخدير شعوبها أيديولوجيا، وبهذا المعنى، فإن الإنجازان الإماراتي والبحريني يحرجانهم أمام شعوبهم، ويجعلهم في أزمة حقيقة على شكل امتحان أمام مطالب شعوبهم بالحرية والتنمية والخدمات بدلا من التورط في الحروب.
من دون شك، السلام لا ولن يتحقق بالمزايدات والشعارات، وإنما بجعله خيارا للعبور إلى المستقبل، وما فعلته المعاهدات الإماراتية والبحرينية – الإسرائيلية، هي أنها شكلت منعطفا للانتقال إلى مرحلة جديدة، وفتحت الباب أمام الدول نحو سلام شجاع على أساس المصالح والمبادئ معا، وفي ظل ديناميكية المعاهدة، فإن كرة ثلج السلام الإماراتي – الإسرائيلي تكبر ومرشحة لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية، ولاسيما مع تحديد يوم الثلاثاء المقبل للتوقيع رسميا على هذه المعاهدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة