أقف هنا للحظة مستذكرا مقولة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله عندما قال "الأمم التي لا تبتكر تندثر"
عشقت كتب التاريخ منذ بداية مراحل الدراسة، حتى ترسخت لدي المدارك والعلوم الخاصة بمفاهيم الدول والحضارات والعصور، ولا زلت أتذكر أن مادة التاريخ كانت هي المادة التي أحصل فيها على الدرجة الكاملة في معظم أعمال السنة الدراسية، لقد كانت تشدني أساليب العيش والحياة والحكم والموروث من كل حقبة زمنية، فإذا تعمقنا في الاطلاع على فترة ما قبل الميلاد والحضارات المندثرة والتي لم يبقى إلا بعض ملامحها أو لنقل من الأثر كعجائب الدنيا السبع، أو اللغات المتوارثة والعادات المرتبطة بكل منطقة عن غيرها على اختلاف الأعراق والديانات والقيم، كل هذا يعد جزءا لا يستهان به من كيان بناء الإنسان وإعمار الأرض والتي تعتبر رسالة سماوية تكفلت بها جميع العصور إلى يومنا هذا.
أقف هنا للحظة مستذكرا مقولة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله عندما قال "الأمم التي لا تبتكر تندثر" وجل فحوى مقولته كانت عن عمارة الأرض والعمل بجد وإخلاص للمستقبل، في ذروة كبر وشمول وقوة هذه الأمم برزت العلوم والتقنيات والفنون والحرف والتي تنتشر في متاحف العالم، و"اللوفر" يعتبر أحد تلك الأحصن المنيعة الشاهدة على تطور الإنسان وعمارته للأرض، كما أنني لا زلت أستذكر كذلك أول زيارة لي لمتحف اللوفر الفرنسي ومروري بالسلالم المتحركة متوجها إلى السرداب مستغرباً من حجم مساحة المتحف، وبالتحديد كيف تم وضع كل تلك التحف والمنحوتاتٍ واللوحات الفنية تحت الأرض، ولكن مع تجوالي بين أروقة المتحف أيقنت أن استعراض مسيرات الشعوب تحتاج الكثير من التفاصيل والبحث والتنقيح قبل عرضها، فهي بحد ذاتها تراث إنساني ساهم به من قبلنا لخلق فرص عيشٍ ومساهمة من قبلهم في تكوين مستقبلهم وحاضرنا الذي نحيا به، لقد اجتهد الفرنسيون في البحث عن الفنون والتاريخ ولم يكتفوا فقط بتاريخ فرنسا بل كانوا الشعلة التي أخذت على عاتقها التنقيب والبحث عن آثار الحضارات والأمم السابقة.
"لوفر أبوظبي" الذي يعد منارة ثقافية حاضرة للمستقبل شاهدة على الماضي الذي ضم حضارات كانت متصلة اتصالا وثيقا بمنطقتنا العربية وذلك لأسباب كثيرة منها خطوط التجارة القديمة وموقعنا الجغرافي الذي أتاح لأجدادنا ومن قبلهم من الأسلاف فرصة التواصل مع مختلف الحضارات، كما أن هذه الميزة وفرت لهم فرصة التنقل المستمر للقبائل المرتحلة في حدود جزيرة العرب وما حولها، وكل ما يلزمك عزيزي القارئ أن تزور أحد متاحف الدولة لتشاهد تلك المقتنيات التي تعود للعصور القديمة من عملات وتماثيل وأدوات الطهي والأسلحة.
إن وجود اللوفر في أبوظبي سيكون بمثابة جسر للعالم يكتشف من خلاله عمق تاريخ المنطقة، وكيف كانت ولا زالت منارة مشعة في التسامح تنير الحياة للبشرية وترتكز على معدن أصيل يعبر عن إصرار وإخلاص كل من عاش على هذه الأرض الطيبة في إعمارها للأجيال المقبلة.
إن يوم ١١ من نوفمبر المقبل سيكون يوماً تاريخيا بمعنى الكلمة، يوما تفوز فيه الفنون والتراث الإنساني بمحطة لها ضمن عاصمة التسامح العالمي، في هذا اليوم ستكون أبوظبي هي الرابط الوثيق بين الحاضر والماضي بما يشكل منظومة متكاملة من التميز الذي يعبر عنه المكان والإنسان الإماراتي الواعي والمدرك لقيمة هذا التراث الإنساني العريق، لابد لنا ونحن نري عظمة هذا الإنجاز على أرض عاصمتنا الغالية أبوظبي أن نشيد بالعمل الجبار الذي يشكر عليه كل من ساهم في بناء هذا الصرح العالمي الراقي، والذي بلا شك يمثل أيقونة عالمية مستوحاة من واحات العين والأحياء القديمة والتي كانت تزخر ولازالت بمبادئ وقيم تم غرسها في سكان هذه الأرض ألا وهي قيم التسامح والتعايش مع الآخر، "لوفر أبوظبي" رسالة عالمية ببصمة إماراتية تبرز الإنسان وتاريخه وفنونه بما يجعله مرآة لمستقبل زاخر بالإبداع والابتكار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة