إن الاحتفال بتحدي القراءة اليوم، في «أوبرا دبي»، برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في احتفالية أولمبية عربية ثقافية
ستظل القراءة هي الباب الأوسع للمعرفة، وستبقى مصدر حياة العقل الذي تتجدد خلاياه بمقدار ما يُعرض عليه من معارف، وعلى قدر زخمها وانسيابها على قدر زيادة قدرته للتعامل معها، انتقاء وتصنيفاً وتخزيناً واستدعاء، وكما أن هناك لياقة بدنية للجسم تدوم بدوام ممارسته للتمارين الرياضية؛ كذلك فإن القراءة تساعد الفرد دائماً على الاحتفاظ بلياقته الذهنية، وإلا أصيب بالتكلس الذي يحول بين الفرد والقدرة على اكتساب المعرفة التي تساعده على التميز والإبداع.
إن الاحتفال بتحدي القراءة اليوم، في «أوبرا دبي»، برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في احتفالية أولمبية عربية ثقافية - تعود بنا إلى أيام خلت كان اقتناء الكتاب من مصادر الفخر والتباهي، وكان مداد العلماء وكتبهم تقايض بوزنها ذهباً.
ولأن القيادة الرشيدة تدرك أهمية القراءة في إضفاء القيمة على حياة الفرد بمعناها الحقيقي - اليوم الذي يمر علينا دون أن نضيف إلى أنفسنا جديداً من المعرفة هو يوم لم ندرك فيه معنى الحياة وقيمتها ـ من هنا تأتي أهمية مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «تحدي القراءة»، تلك المبادرة الإنسانية والحضارية الشاملة باعتبارها أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة، باعتبارها قيمة مهمة في تكوين شخصية الفرد وتوسيع مداركه، فضلاً عن غرس قيمة التعلم المستمر الذي لا يرتبط بما يتلقاه الفرد من علوم بصورة رسمية، كما أنها السبيل إلى الحفاظ على لغتنا وهويتنا.
واليوم هو يوم الحصاد، حيث يكرم من أطلق المبادرة من استجاب إليها وقبل التحدي وحقق الهدف، اليوم هو يوم التتويج حيث تحتفي مؤسسة مبادرات محمد بن راشد العالمية، تلك المؤسسة التي باتت تنثر أزهارها بيد حانية على أبنائنا ومنطقتنا والعالم وتخرج لنا كل يوم من خزائنها كل نفيس وغال، اليوم حفل «تحدي القراءة العربي»، الحدث المعرفي الأكبر عربياً، وذلك للاحتفاء بأكثر من 7 ملايين طالب وطالبة و75 ألف مشرف و40 ألف مدرسة من 15 دولة عربية، ولتتوج «بطل التحدي»، والمدرسة الفائزة بجائزة المليون دولار، الذي قرأ أكبر عدد من الكتب، ويمر بخلالها بمراحل وتصفيات وتلخيص الكتب وصولاً إلى يوم التتويج.
والحق أن الشريحة التي يشملها التحدي من الصف الأول وحتى الصف الثاني عشر من طلبة المدارس، تؤسس لتكوين جيل من القرّاء لبناء مجتمع المعرفة وتكريس «التثقيف المستدام» إذا صح المصطلح، كما أن من عرف لذة القراءة في هذه السن المبكرة لن يملك القدرة على التخلي عنها، وينقلها لغيره بالعدوى، وبخاصة أن السلوك في هذه المرحلة يتم عبر المحاكاة.
إن احتفاء صاحب السمو اليوم بالقراءة وأصحابها رسالة واضحة أن طريقنا إلى المستقبل سيمر بتحديات كبيرة، أولها المعرفة الناجعة والقراءة هي الطريق إليها، كما أن قيمة الجائزة والتتويج لدلالة على تقدير أصحاب الإنجاز وقوة دافعة لغيرهم على السير في الدرب ذاته.
وفي تقديري أن تحدي القراءة سيكون له ما بعده من تشجيع التأليف بين الكتّاب العرب، فضلاً عن الاهتمام بصناعة الكتاب ونشره، وإعادة الروح لعادة كادت أن تندثر وسط ولع أبنائنا بأشكال وأقنية جديدة، كما أنها ستعيد إلى مدارسنا تلك الوجبة الدراسية التي كنا نذهب فيها إلى المكتبة لنطالع الكتب بجانب المنهج الدراسي، فتتضاعف المعرفة، وتؤسس تلك المرحلة لتكوين شخصية الباحث القادر على النظر، والوصول إلى المعلومة والاستفادة منها وإنتاجها، كما أنها ستكون الحل الجذري للعديد من المشكلات الاجتماعية، فمن الصعوبة بمكان أن يقترن التعصب والكراهية مع العلم وحب المعرفة، فالقراءة هي السبيل لمعرفة أنا والآخر، والقدرة على التحليل والنقد ومقارعة الحجة بالحجة، وما له من انعكاسات على مستوى المعلمين وقدراتهم، فضلاً عن المنظومة التعليمية برمتها، وبخاصة أن 41 ألف مدرسة اشتركت في المنافسة، ترشّح منهم في التصفيات النهائية ست مدارس، وهو الأمر الذي باتت معه مدارسنا مراكز للتنوير والقيام بدورها التثقيفي إلى التربوي والتعليمي، كما أن مشاركة الجمهور العام في التصويت تنقل تلك المبادرة إلى الدائرة الجماهيرية دون الاقتصار على الصفوة، وهو الأمر الذي تعاني منه دائماً المبادرات الثقافية في معظم حالاتها.
إن الاحتفال بتحدي القراءة اليوم، في «أوبرا دبي»، برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في احتفالية أولمبية عربية ثقافية - يعود بنا إلى أيام خلت، كان اقتناء الكتاب من مصادر الفخر والتباهي، وكان مداد العلماء وكتبهم تقايض بوزنها ذهباً، فتقدمت أمتنا وسادت بثقافتها العالم، وكانت جامعاتنا قبلة طلاب العالم - وخاصة أن مراحلها الأولى تتم في كل دولة على حدة في تظاهرة ثقافية تربوية فريدة.
وأعود لأذكر بما أكد عليه سموه دائماً «القراءة والمعرفة طريقنا الأقصر لاستئناف الحضارة في المنطقة، وإن حفظ لساننا العربي وثقافتنا الإسلامية وهويتنا التاريخية الأصيلة يبدأ من القراءة، وإن الأمة التي تقرأ تنجب أجيالاً تتوارث قيم الخير والتسامح والاعتدال، وتواجه التحديات بالأمل والمثابرة». طوبى لمن أعلن التحدي، وطوبى لمن قبل التحدي، وطوبى لمن صمد أمام التحدي، وطوبى لمن احتفى واحتفل وتوج الأبطال.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة