مصاريف أقل "وفرحة منقوصة".. كورونا يغير طقوس الزفاف في غزة
على وقع دق الطبول وعزف الناي، يرقص شبان في أحد أزقة حي الرمال قرب شاطئ غزة، احتفالا بزفاف صديقهم.
مراسم الحفل مقتضبة على غير العادة خلال جائحة "كوفيد- 19"، التي قلَّصت نفقات شباب القطاع على الزواج.
خلال ساعات بعد الظهر الأولى، تصل مركبة تقل عروسين ضمن موكب صغير يضم سيارات مزينة بالورود، إلى منزل أحد الجيران حيث وُضع نحو 50 كرسياً من دون الالتزام بالإجراءات الوقائية التي تفرضها وزارة الصحة في غزة بسبب فيروس كورونا المستجد.
وحرص العريس محمد أحمد عاشور، وهو بائع أدوات منزلية على بسطة صغيرة في سن الرابعة والعشرين، على الظهور بأبهى حلة احتفالا بزفافه من عروسه الشابة على وقع الزغاريد ونثر الزهور.
وعندما بدأ العريس بالرقص أمام المنزل، ارتفع صوت المزمار والطبول والتف حوله عدد قليل من أقاربه وأصدقائه لمشاركته الرقصات من دون وضع كمامات، فيما أطلت نسوة من النوافذ ونثرن الورود على السيارة التي توجد بداخلها العروس المحجبة ذات الفستان الأبيض المرصع.
وعلى بعد حوالي 100 متر، تنتشر صالات الأفراح الفاخرة عند الواجهة الساحلية.
لكن مواقع الاحتفالات الليلية هذه في غزة مغلقة حاليا بسبب تدابير مكافحة "كوفيد- 19".
ويعبّر عاشور المقيم في غرفة صغيرة في شقة أمه، عن فرحة "منقوصة" لأنه لم يتمكن من إقامة حفل زفافه في صالة أفراح.
ويقول: "أنا غير راض بأن حفل زواجي في بيت الجيران ولساعة واحدة".
لكن والدة العريس التي تملك بسطة صغيرة لبيع ملابس الأطفال في غزة، ترى أنه في ظروف كورونا هناك "فرصة جيدة" لإقامة حفل زفاف متواضع لابنها "لتوفير الكثير من مصاريف الزفاف" المعتادة في القطاع الفقير.
ويوضح محمد: "أمي سعيدة، هي دفعت تكاليف الزواج، لا صالة ولا طعام غداء ولا فرقة موسيقية ولا أجرة مصفف شعر".
وتراوح تكاليف حفلات الزفاف في قطاع غزة في المعدل بين 3 و5 آلاف دولار، وفق متخصصين.
في مدينة جباليا في شمال قطاع غزة، أقيم زفاف آخر بعد بضعة أيام لأحمد عمر خلة وهو ساعي بريد في سن 28 عاماً وعروسته زهراء خلة ابنة التسعة عشر سنة.
ومع زيادة عدد مصابي كورونا المستجد في القطاع، تقول العروس الشابة التي انتهت للتو من تسريحة شعرها، إنها كانت تفضل لو أقيم حفل زفافها في قاعة كبيرة مع مدعوين، مثل شقيقاتها وصديقاتها.
وتقول زهراء بابتسامة تعلو محيّاها بجانب والدتها: "أنا سعيدة. أخيرا سأقيم حفل الزواج بعد خطوبة استمرت عاما ونصف العام وتأجيل حفل الزفاف مرات عدة بسبب الوضع المالي الصعب للعريس وجراء كورونا".
ويشير عريسها أحمد خلة الذي كان يرتدي بزة سوداء مع ربط عنق حمراء، خلال انتظاره أمام باب محل تصفيف الشعر، إلى أن تكاليف حفل زواجه "أرخص بكثير" في ظل الجائحة.
ويحمل أحمد خلة شهادة جامعية لكنه عاطل عن العمل.
في العادة، تبدأ حفلات الزفاف في القطاع بعد حلول الظلام، وغالبا ما تُفصل فيها النساء عن الرجال، ويستمر الغناء والرقص حتى ساعات الفجر.
لكن بسبب حظر التجول الليلي، يضطر العرائس لإقامة حفلات زفافهم خلال النهار، ويغادر المدعوون عند غروب الشمس.
وتقول فدوى اللولو، وهي صاحبة سلسلة صالونات للتجميل وتصفيف الشعر، إن "حفلات الزفاف باتت أقل عددا بسبب كورونا". وقد دفعها هذا الواقع الجديد لتغيير ساعات العمل لتلائم روتين الحياة الجديد.
وتضيف: "نبدأ العمل عند الخامسة فجرا حتى ننتهي من تجهيز العرائس لأن حفل الزفاف يبدأ مبكرا".
وتوضح أخصائية التجميل وهي تضع كمامة وقفازات: "نراعي إجراءات السلامة، منظفات وتعقيم وقياس درجة الحرارة للزبائن تفاديا لإغلاق الصالون (من وزارة الداخلية)، لأن ذلك سيشكل خسارة إضافية لنا".
وبدا واضحا تراجع حجم الطلب على تأجير فساتين الزفاف والأصباغ وتصفيف الشعر والتجميل، وفق اللولو التي توضح أن "تسريحة الشعر تقتصر على العروس من دون أقاربها وصديقاتها وأقارب العريس كما تعودنا قبل كورونا".
ويراوح سعر تأجير فستان العروس بين 200 شيكل (60 دولارا) و400 شيكل (120 دولارا)، بحسب اللولو.
ويعيش نحو مليوني نسمة في قطاع غزة نصفهم تحت خط الفقر (أقل من 5 دولارات يومياً).
كما يعاني القطاع من بطالة مرتفعة تقرب نسبتها من 50% بشكل عام، وحوالى 65% في صفوف الشباب، ما انعكس تراجعا في الإقبال على الزواج.
ويقول خلة الذي كان يضع كمامة، من أمام الصالون الذي قصده لاصطحاب عروسه: "لا عمل ولا مال ولا بيت، ماذا يمكن للشباب أن يفعل، نتزوج ولدينا أمل أن يكون الغد أفضل".