الأقل انبعاثا والخاسر الأكبر.. القارة السمراء تحصد تبعات تغير المناخ
يبدو أن القارة السمراء تجني ما تسبب فيه غيرها من الدول ذات الانبعاثات الكثيفة.
فرغم أن أفريقيا لم تساهم إلا قليلاً في تغير المناخ ولم تولد سوى جزء ضئيل من الانبعاثات العالمية، إلا أنها قد تكون المنطقة الأكثر حساسية في العالم لتبعات تغير المناخ عليها، والتي من أبرزها تزايد مستويات الفقر بها.
وتشير إحصاءات منظمة الأمم المتحدة، إلى أن قارة أفريقيا - التي تدفع فاتورة باهظة لأزمة المناخ وتواجه تحديات مضاعفة - تسهم بنسبة لا تتجاوز الـ4% من الانبعاثات العالمية المسببة للاحتباس الحراري، وذلك عند مستوى 0.8 طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العام.
وتعتبر انبعاثات الفرد في إفريقيا أقل من المتوسط العالمي (البالغ 5 أطنان من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العام)، وأقل بكثير من المناطق الأخرى مثل أوروبا وآسيا.
زيادات كارثية في الحرارة
وتواجه أفريقيا معدلات ارتفاع درجات الحرارة أسرع من باقي دول العالم، على الرغم من أنها مسؤولة عن أقلّ نسبة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وهي 3.8% فقط.
ومع الجهود المبذولة في قمة المناخ كوب 26، التي انعقدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للفت انتباه العالم إلى الحاجة الملحّة لمعالجة تغير المناخ واختُتمت بموافقة 197 دولة على ميثاق القمة، تفاوتت الآراء بشأن نجاحها.
ويعود الفضل في التوصل إلى اتفاق في قمة المناخ COP 26 للدول النامية، ومنها الإفريقية، التي اختارت عدم الإصرار على أن تدفع الدول الغنية، التي تسببت في الانبعاثات القياسية لغازات الاحتباس الحراري، تعويضات عن الأضرار المناخية.
ويتوقع المحللون أن تواجه أفريقيا زيادات كارثية في درجات الحرارة تصل إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، إذا لم يتحقق هدف الحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ويزداد تهديد أزمة التغير المناخي في أفريقيا ليطال الناتج المحلي الإجمالي للدول الإفريقية الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة.
ومن المتوقع أن ترتفع خسائر النشاط الاقتصادي من 899.4 مليار دولار في 2018 إلى أكثر من 1.36 تريليون دولار في عام 2023، وهو ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لأفريقيا.
الجفاف والتصحر
ومن أبرز ظواهر تغيرات المناخ التي تهدد القارة السمراء هما ظاهرتا الجفاف والتصحر.
وتحذر دراسات من تعرض عدة دول أفريقيا لمخاطر كبيرة مع حلول 2050، بسبب تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر، كما تشير التقارير إلى أن التغير المناخي يُهدد التراث الثقافي الإنساني في دول إفريقية
وتتواجد القارة الأفريقية بقوة في الدراسات البيئية والجيوسياسية المتعلقة بالتغيرات المناخية، إذ تنبأت أغلب تلك الدراسات بجفاف شديد يضر منطقة الصحراء الكبرى وحوض بحيرة تشاد والقرن الأفريقي.
ولم تشهد أجزاء من شرق أفريقيا مطرًا منذ سنوات، وهي تكافح الجفاف، بينما سجلت منطقة الساحل في غرب أفريقيا ارتفاعًا حادًا في النزاعات بين المزارعين والرعاة بسبب فقدان الغطاء النباتي، حسبما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وفي جنوب مدغشقر، تغلي العائلات أوراق الصبار للحصول على الطعام فيما تسميه الأمم المتحدة واحدة من أولى المجاعات في العالم الناجمة عن التغير المناخي.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع أن تفقِد أفريقيا ثلثي أراضيها الصالحة للزراعة بحلول عام 2025، ويؤدي جفاف الأرض حالياً إلى خسارة أكثر من 3% سنوياً من إجمالي الدخل القومي من الزراعة في دول جنوب الصحراء الإفريقية.
مشكلة المياه
كل هذه المعطيات تشير إلى أن مشكلة المياه في أفريقيا هي قضية حياة أو موت لكل الأفارقة من الشمال إلى الجنوب، حيث تظل المياه هي شريان الحياة الذي يمد دول القارة بسبب وجودهم، ومع ارتفاع حرارة الأرض، وتقلب مواسم الأمطار، ومع ازدياد عدد سكان القارة، وزيادة عدد الماشية، سيتحول الجميع إلى البحيرات والأنهار لإرواء ظمئهم، وتظل منسوبات تلك الأنهار والبحيرات في انخفاض، وهو أمر يكثف الأعباء على الدول ومنظمات المجتمع المدني الأفريقية والعالمية العاملة في هذا المجال.
وتنعكس أزمة التغير المناخي على مشروعات التنمية في قارّة أفريقيا، التي تضم نحو 1.2 مليار شخص، نصفهم لا يحصلون على الكهرباء، وهي مجموعة تعادل مجموع سكان الاتحاد الأوروبي.
ورغم توجّه الاتحاد الأفريقي لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، يُلاحَظ أن عددًا قليلًا من البلدان، مثل جنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا والمغرب، لديه قدرات عالية في مجال الطاقة المتجددة حاليًا.
يشار إلى أن معدل النمو السكاني في أفريقيا سوف يرتفع من 17٪ إلى 40٪ من إجمالي سكان العالم بحلول عام 2100، وهو ما يؤكد أن الوقت يداهم أفريقيا في تنفيذ مشاريع مكافحة الظواهر المناخية المتفاقمة والتكيف معها.
ويأتي في صدارة ذلك تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 للقضاء على الفقر وتحقيق المرونة المناخية بحلول عام 2030. وتحتاج القارة السمراء إلى الكثير من الأموال لتنفيذ الخطط الخاصة بمواجهة ظاهرة التغير المناخي.
الحاجة لتريليوني دولار
ويقدر الخبراء أن أفريقيا اليوم تحتاج إلى تريليوني دولار لتنفيذ المساهمات المحددة وطنيا وأيضا إلى 1.2 تريليون دولار لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وفي ظل ذلك، بات ضروريا تقديم الدعم لأفريقيا لتنفيذ مشروعات ترمي إلى تعزيز المرونة المناخية."
ورغم ذلك، فإن هناك قضية تواجه قدرة أفريقيا على التكيف مع ظاهرة التغير المناخي تتمثل في كيفية الحصول عليه التمويل أو حتى كيفية استخدامه في حالة توفر الأموال المخصصة لتنفيذ مشروعات التخفيف من آثار تغير المناخ.
وقد برزت هذه المعضلة مع ما تحدثت عنه منظمات غير حكومية من صعوبات في الحصول على التمويل، وفقا لما ذكرته أديلين تنجم، التي تعمل في مجال الغابات في الكاميرون ورئيسة إحدى المنظمات غير الحكومية.
بارقة أمل
يتصدى المزارعون في سيراليون إلى الحرائق بفضل حقول الأرز ، وذلك بتخليهم عن زراعة القطع والحرق لصالح زراعة الأرز في المستنقعات. مما يقلل من التلوث والانبعاثات الناجمة عن الحرائق (مفيد للكوكب) ويعزز الإنتاج المفيد للمزارعين.
وفي منطقة الساحل (وهي منطقة سافانا شبه قاحلة استوائية وهو حزام له طابع بيئي متجانس تحده الصحراء الكبرى من الجنوب في أفريقيا)، تتقدم الصحاري بسرعة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وتقوم عشر دول أفريقية بغرس جدار أخضر كبير من الأشجار، بهدف إصلاح ١٠٠ مليون هكتار من الأراضي بحلول عام ٢٠٣٠.
كما تساهم حماية الغابات في غانا في تحسين حياة الناس إلى جانب إبطاء تغير المناخ. وتتعلم النساء كيفية استعادة صحة الغابات ورصدها لدعم سبل العيش بفضل "ذهب النساء" - المعروف أيضًا بالزبدة المستخرجة من أشجار الشيا.
وتواجه عديد من دول القارة صراعات داخلية أو بينية، تلعب فيها تبعات التغير المناخي دوراً بارزاً مثل الجفاف الذي يؤثر على الإنسان والحيوان والزرع ويهدد الأمن الغذائي، وهو من العوامل التي تسهم في تفجر النزاعات والصراعات في تلك الدول.
aXA6IDE4LjExNi4yMy41OSA= جزيرة ام اند امز