فرنسا وديون أفريقيا.. مطبات في طريق أنياب الحرير الصيني
بين كماشة الديون الغربية ومصيدة الديون الصينية في أفريقيا، طرح نقاش عن احتمالات إشهار فرنسا ثقلها الدولي لإنقاذ القارة السمراء.
وفي الوقت الذي لم يدلي فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأي تصريح متعلق بملف الديون الذي يثقل كاهل معظم دول القارة الأفريقية المنهكة اقتصادياً خلال زيارته للكاميرون، إلا أن احتمالات مناقشة الملف في زيارتي غينيا بيساو والبنين تبقى محتملة.
- الاستثمار في أفريقيا.. فرنسا تزاحم الصين بـ"حديقتها الخلفية"
- ماكرون بـ3 دول أفريقية.. عينٌ على "ألماس" الاقتصاد وأخرى لتحصين النفوذ
وباعتبارها قوة استعمارية سابقة، واقتصادية وعسكرية حالية في القارة الأفريقية، بات الحديث عن احتمالات أو فرضيات أن تكون باريس طوق نجاة للدول الأفريقية المديونة.
احتمالات وفرضيات استبعدها الخبير الاقتصادي الجزائري عبد المالك سراي في تصريح لـ"العين الإخبارية"، وعزا ذلك إلى جملة من الأسباب الموضوعية، أبرزها تراجع الاقتصاد الفرنسي في حد ذاته، وامتلاك الصين آليات اقتصادية خاصة بأفريقيا، تكون فيها بكين "طوق النجاة والحبل الذي يلف على رقاب هذه الدول في آن واحد"، كما قال.
ديون ضخمة
الكاميرون التي كانت أول محطة في جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأفريقية، ورغم أن اقتصادها مصنف ضمن الاقتصاديات الأفريقية الصاعدة، إلا أنه يملك واحدة من أكبر الديون في أفريقيا.
وبحسب تقرير للبنك العالمي لعام 2020، فقد وصل إجمالي الدين الخارجي للكاميرون 13 مليار و836 مليون دولار أمريكي، وهذا في الوقت الذي أزاحت فيه الصين فرنسا من قائمة شركاء دوالا في الاستيراد بنحو 19 % للصين و10.3 % لفرنسا.
أما غينيا بيساو البلد الصغير المطل على المحيط الأطلسي، فقد قدر البنك العالمي في تقريره لعام 2020 حجم الدين الخارجي له بنحو 805 مليون دولار، وهو رقم يبدو ضعيفاً لكنه – وفق الخبراء الاقتصاديين – "ضخم" في بلد يعيش نحو 62 % من سكانه بأقل من دولارين يومياً وفق تقارير سابقة للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
وجمهورية بنين ثالث محطات جولة ماكرون الأفريقية، فلا تتوفر معطيات من الهيئات العالمية والمحلية عن حجم دينها الخارجي، لكنه بلد يعيش على المساعدات المالية، كان آخرها من صندوق النقد الدولي الذي منح مساعدة مالية بقيمة 650 مليون دولار.
في المقابل، تحتل فرنسا المركز فرنسا المركز الثالث عالمياً من حيث إجمالي الدين الخارجي، إذ فاقت 7 تريليون دولار نهاية 2020، وفق أرقام قدمها موقع "ceidata" المختص في الشؤون المالية العالمية.
زيارة أمنية
"العين الإخبارية" حاورت الخبير الدولي الجزائري الدكتور عبد المالك سراي الذي سبق له العمل في دولتي الكاميرون وغينيا الاستوائية.
واعتبر الخبير الجزائري بأن الجولة الحالية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إلى الدول الأفريقية الثلاث "أمنية بالدرجة الأولى"، واستبعد في المقابل "قدرة باريس على أن تكون طوق نجاة لها في مسألة ديونها المتراكمة".
وقال لـ"العين الإخبارية": "زيارة ماكرون الحالية إلى أفريقيا هي لأهداف أمنية، فباريس خسرت الكثير على المستويين الجيواستراتيجي والاقتصادي في أفريقيا".
وأوضح الخبير الاقتصادي بأن "الخطوات الجديدة للرئيس الفرنسي تحاول التمسك بالدرجة الأولى بما تملكه في هذه الدول أو بقية الدول الأفريقية، رغم أن غينيا بيساو بلد صغير واقتصادها مرتبط بشكل كبير بالبرتغال".
المهمة الصعبة
في المقابل، اعتبر الدكتور عبد المالك سراي بأن "فرنسا لا تملك بتاتاً كل الإمكانيات المالية لإنقاذ الدول الإفريقية من الديون مثل دول أخرى كالصين، لأنه في حد ذاتها لها ديون كبيرة جدا، ولا تملك أوراقاً في هذا الجانب حتى تحسن على الأقل علاقاتها والاستثمار بهذه الدول".
وأشار أيضا إلى ما اعتبره "هجوماً عنيفاً من طرف الصين لتستثمر الكثير دون أن تفرض ضغوطات سياسية أو دبلوماسية على هذه الدول".
ويرى الدكتور سراي بأن "مهمة فرنسا صعبة للغاية في هذه الدول الثلاث، لكن في العموم يحاول الأوروبيون قدر الإمكان ولو جزئياً البقاء في هذه الدول الفرنكوفونية وغيرها، ولكن بصفة عامة فرنسا خاسرة نحو 90 % من كل قدراتها الجيواستراتيجية والجغرافية والمالية وحتى العسكرية في أفريقيا".
كما لفت إلى أن "كل ما حصل في فرنسا بمنطقة الساحل والآن في السنغال وساحل العاج أصبح مخيفاً جدا لفرنسا كمستعمر قديم ودولة كانت تحاول قدر الإمكان تراقب على الأقل تمويل أسواق غرب أفريقيا، ولكن باريس تعيش في وضعية اقتصادية خطرة جدا بالنظر إلى التواجد الأمني الروسي والمالي والاستثماري الصيني في أفريقيا".
الخبير الدولي الجزائري ختم تحليله بالإشارة إلى "أن فرنسا لا تملك أوراقاً بتاتاً لتكون طوق نجاة الدول الأفريقية التي تملك مديونية عالية، لأن فرنسا تحاول في حد ذاتها جلب الأموال من جهات أخرى وليس من الخزينة الفرنسية، لأن الأخيرة لها مديونية كبيرة جدا، وأصبحت عاجزة عن تغطية خسائرها في الكاميرون أو في دول أخرى".
ويرى بأن "فرنسا الآن تحاول الحفاظ أكثر على وجودها العسكري والاستراتيجي أكثر في القارة الأفريقية فقط، وبعض الاستثمارات الصغيرة جدا في عدد من الدول".
ونبه إلى فرنسا "تحاول البقاء أيضا اجتماعياً في بعض الدول الأفريقية، وهذا هو الفرق بينها وبين الصين وألمانيا".
كما أشار إلى أن الاقتصاد الكاميروني يعد من أحسن الاقتصادات في أفريقيا، "ووجود الصين الذي دخل بقوة إلى هذا البلد سيعمل على إبعاد فرنسا من قوتها الاقتصادية والمالية في الكاميرون".
aXA6IDE4LjIyMy40My4xMDYg جزيرة ام اند امز