الاستثمار في أفريقيا.. فرنسا تزاحم الصين بـ"حديقتها الخلفية"
لا يخفى على أحد الأهداف الواضحة لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأفريقيا، والتي تأتي كمحاولة لاستعادة باريس مجدها السابق في القارة السمراء.
ونجحت الصين خلال السنوات الماضية في بسط نفوذها في القارة السمراء من خلال استثمارات، وجدت فيه الدول الأفريقية الملاذ للخروج من أزماتها.
اليوم تعود فرنسا لتزاحم الصين في ملعبها التاريخي، بحثا عن فرص استثمارية جديدة ومكانة تسعى لاستردادها.
هذه الرؤية أكدتها تصريحات لخبيرين جزائريين لـ"العين الإخبارية" أشارا فيها إلى الخلفيات الحقيقية وراء جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأفريقية التي بدأها بالكاميرون، ثم إلى غينيا وبيساو ويختمها في بنين.
- ماكرون بأفريقيا.. فرنسا تبحث عن "الحارس القديم" فهل تستعيده من روسيا والصين؟
- ماكرون بـ3 دول أفريقية.. عينٌ على "ألماس" الاقتصاد وأخرى لتحصين النفوذ
وأضافا أن الزيارات الفرنسية للقارة السمراء لن تتوقف وستتبعها زيارات وجولات رئاسية فرنسية أخرى خصوصا إلى مستعمراتها القديمة.
أبعد من الاقتصاد
وفي الوقت الذي يربط فيه البعض الثروات المعدنية والزراعية التي تمتلكها هذه الدول الأفريقية الـ3 بزيارة ماكرون، إلا أن للخبيرين الجزائريين رؤية أخرى، فهما يران أن فرنسا لديها رؤية أبعد من ذلك.
وأكدا أن الدول الأفريقية "أدارت ظهر اقتصادها وثرواتها وإمكانياتها وغيرت بوصلتها باتجاه الصين" التي لم تعد منافساً فقط لفرنسا، بل أسقطتها من عرش النفوذ الذي كانت عليه لأكثر من 6 عقود كاملة.
وأشارا إلى أن الكاميرون وغينيا بيساو والبنين، كانت "أسواقاً تاريخية وتقليدية" للاقتصاد الفرنسي، إلا أن الامتيازات "التي لا تقاوم" التي تمنحها بكين عبر استثماراتها، ودخول قوى اقتصادية أخرى على خط هذه المنطقة، دفع باريس إلى إعادة حساباتها الاقتصادية لتراجع نفوذ ومصالح تسارع أكثر مع جائحة كورونا.
حسابات اقتصادية وأخرى أمنية باتت تهدد المصالح الفرنسية في حديقتها الخلفية، هي ما يبحث عنها ماكرون في جولته الأفريقية أكثر من البحث عن لثروات الاقتصادية، وسط زحف صيني ناعم ومتصاعد بالقارة السمراء، وفقا للخبرين الجزائريين.
وخلال العام الماضي، فاقت الاستثمارات الصينية المباشرة في أفريقيا 2 مليار دولار، لكنها أنشأت 25 منطقة للتعاون التجاري في 16 دولة أفريقية بينها الدول التي يزورها الرئيس الفرنسي حاليا.
وهذه الدول مجتمعة تعمل بها 623 شركة صينية بإجمالي استثمارات تصل إلى نحو 8 مليارات دولار.
وكانت اقتصادات الكاميرون وغينيا وبيساو من بين أكثر الاقتصاديات المتأثرة بجائحة كورونا، الأمر الذي رفع من إجمالي مديونتها الخارجية، وجعلها تختار الصين التي تعتمد على "سياسة القروض الاستثمارية".
أفريقيا.. القوة القادمة
الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور عبد الرحمن مبتول كشف لـ"العين الإخبارية" عن أن القارة الأفريقية ستلعب دورا مهماً في الاقتصاد العالمي، فهي "ستمثل ربع سكان العالم بين 2035 و2040، يضاف لها ثرواتها الكبيرة جدا".
وتوقع في المقابل أن لا تتوقف زيارات ماكرون في أفريقيا عند هذه الدول الثلاث، وأن تشمل دولا أخرى من بينها الجزائر لـ"حماية مصالحها وتعويض خسائرها من التوغل الصيني وتداعيات الحرب في أوكرانيا".
وأشارا إلى "المنافسة الكبيرة جدا بين القوى العالمية للتحكم في الاقتصاد الأفريقي، والدخول الصيني بقوة وكذلك تركيا وغيرها والتي دفعت بالرئيس الأمريكي جو بايدن للدعوة إلى ضرورة الاهتمام بالاقتصاد الأفريقي".
ولفت المستشار الرئاسي السابق في الجزائر إلى أن "فرنسا خسرت سوقاً كبيرة جدا في أفريقيا"، وأرجع ذلك إلى "نظرة الحكومات لهذه الدول، والتي وجدت في الصين المستثمر الذي لا يتدخل في شؤونها الداخلية ولا تهمها طبيعة الأنظمة بهذه الدول".
ويعتقد الدكتور مبتول أن جولة الرئيس الفرنسي في الكاميرون وغينيا بيساو وبنين تأتي "لتدعيم استثمارات بلاده في هذه الدول، وفي الدول الأفريقية التي تملك احتياطيات كبيرة من النفط، وزيارته تملك أهدافاً استراتيجية اقتصادية أولا ثم أمنية".
واعتبر أن مهمة إيمانويل ماكرون الحالية هي "تحريك الشركات الفرنسية والبحث لها عن فرص استثمارية بهذه الدول".
وأوضح أن "معظم الدول المستعمرة سابقاً من قبل فرنسا في أفريقيا لجأت إلى الصين بحثاً عن استثماراتها، ولم تعد بينها وبين باريس ذلك العمق التاريخي، وفي الوقت الحالي لم تعد دبلوماسية المشاعر التي تحكم علاقات الدول، بل المصالح فقط".
عقبة الصين
ولم تختلف تقريباً المقاربة التحليلية للدكتور علاوة خلوط أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجزائر، عن التي قدمها الدكتور عبد الرحمن مبتول.
وأوضح في حديث مع "العين الإخبارية" أن "ما يميز اقتصادات هذه الدول التي يزورها ماكرون هي أنها كانت مستعمرات فرنسية، والمعروف أنها كانت دائما أسواقاً لتصريف منتجاتها، كما أنها تزود فرنسا ببعض المواد التي يقوم عليها الاقتصاد الفرنسي".
واعتبر في المقابل أن "المشكلة الكبيرة التي تواجه المصالح الفرنسية في أفريقيا هي الصين التي تحاول السيطرة على الأسواق الأفريقية في إطار طريق الحرير".
وأشار إلى أن "فرنسا بدأت في إنقاذ ما يمكن انقاذه خاصة في ظل هذه الأزمة العالمية، في أسواق تقليدية لفرنسا تجلب منها المواد التي تحتاجها في صناعاتها الكبرى مثل النفط والكاكاو وغيرها".
وأضاف أن "اقتحام الصين لهذه الدول يثير مخاوف أوروبا بشكل خاص ويدفعها لإنقاذ اقتصادها من أنياب الاقتصاد الصيني في أفريقيا".