ماكرون بأفريقيا.. فرنسا تبحث عن "الحارس القديم" فهل تستعيده من روسيا والصين؟
خارطة طريق ينسج خيوطها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أوتار القارة الأفريقية، بحثا عن "الحارس القديم".
وأمس الإثنين، بدأ ماكرون جولة له في منطقة غرب أفريقيا تشمل ثلاث دول، استهلها بالكاميرون، في إطار سعيه لإعادة إحياء علاقة فرنسا مع القارة الغنية بالموارد، أمام النفوذ الروسي والصيني.
نفوذ روسي فرنسي، تعكسه إلى جانب جولة ماكرون إلى كل من الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، زيارات مكثفة يجريها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لدول الشرق الأفريقي (مصر وجمهورية الكونغو وأوغندا وإثيوبيا).
استراتيجية سبتمبر
ويسعى الرئيس الفرنسي إلى تسويق استراتيجية باريس الجديدة في القارة الأفريقية، والتي من المزمع إزاحة الستار عنها في سبتمبر/أيلول المقبل، وفقا لمصادر دبلوماسية تحدثت لـ"رويترز".
استراتيجية من عدة محاور لكنها تقوم على التنمية من خلال مساعدات سريعة لقطاعات مختلفة أبرزها الكهرباء، وكذلك التعليم، غير أن أبرزها يتمثل في تشجيع ثقافة الحكم الرشيد.
وتكثف باريس من مساعيها للحد من الانقلابات العسكرية في القارة السمراء، كتلك التي وقعت في مالي وتشاد وبوركينا فاسو، وجميعها مستعمرات فرنسية سابقة.
ويرى مراقبون أن تلك الانقلابات، شجعت الإرهابيين الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من الصحراء ومناطق الغابات.
ويفرض الأمن نفسه على جولة ماكرون، وسط استعداد فرنسا لإكمال انسحابها من مالي هذا العام؛ حيث تسعى جميع دول المنطقة إلى تلافي المخاوف من الحركات الإرهابية.
وخلال أول جولة أفريقية في ولايته الثانية، يضع ماكرون "قضايا الإمدادات الغذائية" على رأس جدول أعمال محادثاته؛ حيث تخشى الدول الأفريقية من نقص الحبوب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
لماذا الآن؟
تابعت فرنسا بقلق ظهور قوى أخرى تسعى إلى موطئ قدم في منطقة لا تزال باريس تعتبرها أجزاء من مجال نفوذها، لا سيما تركيا والصين وروسيا.
ليس هذا فحسب بل إن الحديث يدور الآن عن تحركات لماكرون في وقت يتراجع فيه نفوذ فرنسا أمام الصين والهند وألمانيا، خاصة في القطاعين الاقتصادي والتجاري.
وغدا الأربعاء سينتقل ماكرون إلى بنين التي واجهت هجمات دامية من إرهابيين تسللوا من منطقة الساحل إلى دول خليج غينيا، قبل أن يختتم جولته الخميس في غينيا بيساو التي تمزقها الأزمات السياسية.
وتعرضت هذه الدول الثلاث في غرب أفريقيا لانتقادات من قبل نشطاء بسبب سجلاتها الحقوقية، لكن الإليزيه يصر على أن قضايا الحكم والحقوق ستثار وإن كان "بدون ضجيج إعلامي وعلى شكل تبادلات مباشرة بين رؤساء الدول".
وتميزت فترة ولاية ماكرون الأولى بزيارات إلى دول أفريقية غير ناطقة بالفرنسية بما في ذلك القوى الإقليمية كنيجيريا وجنوب أفريقيا؛ حيث سعى إلى التواصل مع القارة بأكملها وليس فقط الممتلكات الفرنسية السابقة.
وفي غضون ذلك، أصرّ ماكرون على أن الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة سيتكيف بدلاً من أن يختفي بمجرد اكتمال الانسحاب من مالي.
وسبق أن أعلن ماكرون عن أن إعادة التفكير في الوجود الفرنسي سيكتمل بحلول الخريف، مؤكدا أن الجيش يجب أن يكون "أقل انكشافا" في المستقبل لكن انتشاره لا يزال "ضرورة استراتيجية".
ويأتي الانسحاب الفرنسي من مالي بعد انهيار العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد، والذي تتهمه الدول الغربية بالاعتماد على مرتزقة أجانب بدلاً من الحلفاء الأوروبيين لمحاربة الإرهابيين.
التحرك الروسي الصيني
قبل أيام، انطلق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في جولة أفريقية تستهدف تعزيز التحالفات، عبر تبني رؤية واسعة تسعى لمحاربة فكرة أن العملية العسكرية ضد أوكرانيا تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة.
جولة أظهرت- بحسب مراقبين- محاولات روسية للبحث عن علامات الصداقة في أفريقيا التي طالتها تداعيات أزمة الغذاء العالمية.
إذ أظهرت التحية التي تلقاها لافروف من زعيم الكونغو دينيس ساسو نجيسو، يوم الإثنين، والاجتماع الودي مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أن كبار الدبلوماسيين في موسكو لا يزالوا موضع ترحيب بين قادة القارة.
جولة سيرجي لافروف التي قادته لمصر وجمهورية الكونغو وأوغندا وإثيوبيا، تأتي في وقت تكافح فيه الدول الأفريقية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة، فضلا عن إعلانه عن قمة روسية أفريقية في عام 2023.
وعلى الرغم من أن الغرب سعى إلى عزل موسكو بسبب الحرب الأوكرانية، إلا أن الترحيب الذي وجده لافروف أظهر قوة تأثير الكرملين في القارة، بحسب تقرير لفايننشال تايمز. وهو الأمر الذي يقلق الفرنسيين في الوقت نفسه.
ويمكن رؤية تأثير هذه الجهود الروسية في مارس/أذار الماضي، عندما امتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة العملية العسكرية لموسكو في أوكرانيا. وتغيب ثمانية آخرون، بينما كان هناك صوت واحد ضدها.
ويرى محللون أن روسيا نجحت في إعادة تنشيط العلاقات القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية منذ وقت كان يُنظر فيه إلى موسكو على أنها أكثر تعاطفا من العديد من العواصم الغربية مع قضية صراعات التحرر في أفريقيا.
وبينما يستثمر الاتحاد الأوروبي أكثر من 150 مليار يورو (153.2 مليار دولار أمريكي) في أفريقيا في محاولة لمواجهة نفوذ الصين وتوسيع تواجدها بالقارة، تتحدث تقارير إعلامية عن فشل اليورو في إدراك أن الاستثمارات في حد ذاتها ليست الحل، فبكين ماضية في الحفاظ على ريادتها.
وخلال زيارة للسنغال في وقت سابق من هذا العام، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عن حزمة مساعدات، مؤكدة أن أوروبا هي الشريك الأكبر والأكثر موثوقية في القارة الأفريقية.
لكن الواقع يكشف صورة مختلفة؛ إذ تُعد أفريقيا مثالًا أساسيًا على كيفية قيام استراتيجية بكين الجيوسياسية بتحويل ميزان القوى بشكل حاسم عبر قارة بأكملها.
ولعل الصيغة غير معقدة بشكل مدهش - على عكس بروكسل - لا تنظر الصين إلى أفريقيا كمشكلة؛ حيث تسود المجاعة والحرب الأهلية، ولكن كقارة للفرص، وفقا لتقارير إعلامية صينية.
ببساطة وجدت الدول الأفريقية ضالتها بين يدي الصين، فرغم المساعدات الأوروبية الضخمة للقارة السمراء على مدار عقود مضت، إلا أن بكين وبين عامي 2007 و2020 أظهرت شراسة استثمارية تمثلت في مشروعات البنية التحية في القارة جعلتها أكثر نفوذا وهو ما يقلق الفرنسيون ويسعون حاليا لتغييره.
aXA6IDMuMTQyLjk4LjYwIA== جزيرة ام اند امز