مظهرهم الخارجي قد يجعلك تشعر بالخوف والرهبة لكن الحقيقة عكس ذلك، شعب ودود طيب، يعشق الحياة بألوانها الزاهية ويرقصون على إيقاع الطبول الأفريقية هذه هي الحياة التي يفضلها شعب الماساي.
يعيشون في تنزانيا منذ أكثر من قرن مع الحمير الوحشية والفيلة والحيوانات البرية في موقع نغورونغورو المدرج على قائمة التراث العالمي..
لكن ما الذي حدث؟
قتل شرطي في شمال تنزانيا خلال مواجهات مع مجتمع الماساي المحلي الذي يعارض وضع "منارات" تفصل بين مناطق سكن البشر والحيوانات البرية، هكذا تقول وكالة الأنباء الفرنسية..
حيث يعارض الماساي منذ سنوات السلطات التنزانية، متهمين إياها بأنها تريد طردهم من موطنهم التاريخي لجعلها منطقة مخصصة لرحلات السفاري والصيد الخاص، الأمر الذي نفته الحكومة وتلقفته قناة الجزيرة..
ومن هنا بدأت القصة...
لنذهب إلى تنزانيا الدولة الأفريقية التي تسعى حكومتها لإنقاذ قبائل "الماساي" من الحيوانات المفترسة، دون أن تضر بهم، أو تجبرهم على التهجير من أراضيهم.
حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في هذه المنطقة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي والمعروفة بفوهتها المذهلة، إلى مئة ألف شخص بعدما كانت تضم ثمانية آلاف نسمة أما عدد المواشي فيها فازداد بشكل أسرع، إذ يرعى حاليا في نغورونغورو أكثر من مليون حيوان بعدما كانت عام ألفين وسبعة عشر 2017 تضم نحو مئتين وستين 260 ألف رأس ماشية فقط.
تسمح تنزانيا لمجتمعات السكان الأصليين مثل شعب الماساي، بالعيش في متنزهات وطنية معينة لكن السنوات الفائتة شهدت تناميا في المسار التصادمي في العلاقة بين البشر والحياة البرية، مع تسجيل هجمات حيوانية على البشر أو المواشي.
فتحركت الحكومة ودقت رئيسة البلاد سامية صولحو حسن ناقوس الخطر العام الماضي، قائلة إن "نغورونغورو تضيع".
وأضافت: "كنا اتفقنا على جعل المنطقة فريدة من خلال السماح للبشر والحيوانات بالعيش معا، لكن أعداد البشر أصبحت خارجة عن السيطرة".
وطالبت بمراجعة سبل الحد من التدفق البشري.
انقسام شعب الماساي
احتدم الجدل بعدها بين شعوب الماساي، الذين انقسموا في مواقفهم من السياسة الحكومية الجديدة حول المنطقة بين مؤيد ومعارض.
وهنا اقترح رئيس الوزراء قاسم مجاليوا برنامج انتقال طوعي إلى منطقة هاندني التي تقع على بعد ثلاثمئة وسبعين 370 كيلومترا من الفوهة، حيث خصصت الحكومة مئة واثنين وستين 162 ألف هكتار للرعاة.
وكان واضحا في تصريحاته:
"نأخذكم إلى مناطق يمكنكم الاستفادة فيها من المدارس والمستشفيات والكهرباء"، فضلا عن المراعي والأراضي للزراعة.
الحكومة التنزانية ترغب في حماية ألف وخمسمئة 1500 كيلومتر مربع من الأنشطة البشرية من أصل أربعة آلاف 4000 كيلومتر مربع، من هذه المنطقة الواقعة قرب متنزه سيرينغيتي، تاركة ألفين وخمسمئة 2500 كيلومتر مربع لرعاة الماساي.
سياسة حكومية سعت إليها تنزانيا، وقوبلت ببعض الرفض من سكان تلك المناطق، والقصة تعود لعام ألفين وتسعة 2009، لكن ما الذي اكتشفته الجزيرة الآن؟
وحاولت جاهدة إظهار الحكومة التنزانية وكأنها سمسار يستهدف تشريد أهله على عكس الواقع وما رصدته تقارير وكالات الأنباء العالمية.
"سيرفيفال إنترناشيونال" في مرمى الجزيرة
سلسلة تغريدات على منصة تويتر نشرتها منظمة "سيرفيفال إنترناشيونال"، المهتمة بشؤون القبائل، ومقطع فيديو وثق مظاهرات لعدد محدود من "الماساي" يحتجون ضد الحكومة في تنزانيا، ووردت إشارة لشركة إماراتية خاصة وهو ما تلقفته الجزيرة فورا لتبني عليه مسلمات، تدين بها الحكومة التنزانية وتلفق دورا مزعوما لدولة الإمارات في تشريد أبناء القبائل الأفريقية ونسبت للمنظمة الدولية ما لم تنشره.
افتراءات بالجملة
غضت الجزيرة الطرف في تغطيتها عن أن شعوب إثنية الماساي ليست كلها ضد مشروع الحكومة، الذي يهدف أساسا لتحسين حياة أولئك السكان، عكس ما تم تصويره على أنه تهجير وحشي ظالم وتشتيت لهم بمقايضة وهمية.
بالبحث البسيط كان واضحا أن الجزيرة تدعي أن تنزانيا باعت أراضي مواطنيها للإمارات، وهو افتراء على منظمة "سيرفيفال إنترناشيونال"، التي لم تقل في تغريداتها على "تويتر"، ولا في موقعها الإلكتروني أي شيء مما ذكرته الجزيرة على لسانها.
دور الإمارات في القصة كان مقتصرا على طموح مشروع لشركة إماراتية أبدت اهتماما بمشروع سياحي في المنطقة، ضمن خطط وضعتها الحكومة التنزانية لحماية المنطقة المصنفة على التراث العالمي، وانسحبت منه الشركة عام ألفين وسبعة عشر 2017.
وأغفلت الجزيرة سعي الحكومة التنزانية إلى إيجاد حلول لوقف هجمات الحيوانات ضد أبناء الماساي بإنشاء محميات طبيعية في منطقة نغورونغورو، أو نقل السكان إلى مناطق آمنة قريبة من المدارس وخدمات الحياة.
ففي مارس الماضي قتل أحد الفيلة رجلا كان يجمع الحطب في نغورونغورو. وبعدها لقي ثلاثة أطفال حتفهم بعدما هاجمتهم أسود قرب المحمية عندما كانوا يبحثون عن رؤوس ماشية ضائعة.
تقرير وكالة الأنباء الفرنسية أشار إلى أن رعاة من الماساي أعربوا عن استعدادهم للمغادرة إزاء التصادم المتزايد بين البشر والحيوانات البرية.
رئيس الوزراء قاسم مجاليوا صرح بأن أكثر من أربعمئة وخمسين 450 شخصا وافقوا على الانتقال إلى هاندني، ولا يزال سكان آخرون مترددين في ترك المحمية ..
في النهاية، مشكلة شعوب الماساي والحكومة التنزانية قضية داخلية بين سلطة تنفيذية ومواطنين أصليين لن تغنيهم الجزيرة بتقاريرها ولن تحل أزمتهم بأخبار مضللة لا أساس لها إلا في خيال كاتبها..