ماكرون بأفريقيا.. محاولة لبناء تحالفات جديدة وتجنب أخطاء الماضي
جولة فرنسية في أفريقيا لعلها ترجع ما فقدته من نفوذ خلال الفترة الماضية بالخروج من مالي وبوركينا فاسو.
بتلك الكلمات لخص خبراء بالشؤون الأفريقية في تصريحات لـ "العين الإخبارية" أهداف جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لعدة دول أفريقية والتي بدأت الأربعاء وتستمر حتى الخامس من مارس/آذار الجاري، وتشمل 4 دول هي الغابون وأنغولا والكونغو برازافيل، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتتزامن الزيارة مع إعلان فرنسا استراتيجية جديدة للتعامل مع القارة السمراء، تشمل خفض أعداد القوات المتواجدة بعدة دول، وتعزيز الشراكة التعاونية من أجل مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد داخل دول القارة.
محللون سياسيون في الشؤون الأفريقية يرون أن الزيارة تهدف لتعميق النفوذ الفرنسي داخل تلك الدول الجديدة التي لم يكن لها إرث استعماري بها، لتعويض خسائرها بالدول الأخرى من القارة.
وقال عبد الوهاب الغرّي، المدير التنفيذي للمركز الفرنسي الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، إن زيارات الرئيس ماكرون تهدف لجعل السياسة الأفريقية أولوية لبلاده.
وأضاف أن تلك الجولة للرئيس الفرنسي هي الثانية في أقل من عام، حيث زار في يوليو/تموز الماضي الكاميرون وبنين وغينيا بيساو.
إرث استعماري ثقيل
وأوضح أن ماكرون يعمل على إعادة وجهة النظر الفرنسية والسياسة التي كان وضعها فرنسوا ميتران، مشيرا إلى أن الإرث الثقيل الفرنسي بالقارة السمراء لا يتحمله ماكرون.
وأوضح أن ماكرون يحاول بناء علاقة مع أفريقيا مبنية على التوازن والتواضع والشراكة المتبادلة، لافتا إلى أن علاقة فرنسا بأفريقيا اتسمت بالضعف والتآكل بسبب مساهمتها في بناء أنظمة ديكتاتورية، والفساد المنتشر ببعض الدول الأفريقية.
وأكمل أن فرنسا تشعر بالقلق بعد تخلي بعض الدول الأفريقية عن قواتها، خاصة في مالي وبوركينا فاسو واللجوء لقوات روسية، مؤكدا أن الصراع الدولي بأفريقيا حاليا اقتصادي بالأساس.
وتابع، أن مصالح كل دولة تحددها سياستها الخارجية في الوقت الأخير، مبررا تحقيق تركيا والصين تقدما كبيرا وملحوظا بالقارة السمراء على حساب الدول الأوروبية والأمريكية بسبب القلق مما فعلته الدول الغربية بكل من سوريا وليبيا.
وشدد على أن فرنسا تريد توسيع آفاق التبادل والتعاون على المستوى الزراعي مع الدول الأفريقية وعلى رأسها أنغولا، رغم أنها كانت مستعمرة برتغالية، مشيرا إلى أن ماكرون يحاول التخلي عن النظرة الفرنسية ما بعد الاستعمار.
وأشار إلى أن خطابه مساء الثلاثاء يقرأ على أساس الشراكة والاستثمار في أفريقيا والاستفادة من الفرص الواعدة اقتصادياً وثقافياً، مؤكدا أن كلا من فرنسا والدول الغربية لن تتخلى عن تعاونها مع الدول الأفريقية وكذلك الدول التي تخلت عنها من أبرزها مالي وبوركينا فاسو.
وأوضح أن هناك اتفاقات سرية وقعت بين بنين وفرنسا من أجل الحد ومواجهة تمدد الجماعات الإرهابية خوفا من قدومها من مالي، مؤكدا أن فرنسا تحاول محاربة التهديد السياسي الروسي بالمنطقة، وكذلك الاقتصادي المتمثل في الصين.
نظرة المنهزم
ومن جانبه، يرى المحلل السياسي التونسي والمقيم بفرنسا، نزار الجليدي، أن تحركات ماكرون إلى أفريقيا تأتي في إطار نظرة المنهزم، خاصة بعد رحيل قواته من عدد من الدول الأفريقية.
وأضاف أن فرنسا تشعر بالانهزام بتمدد التنين الصيني واستغلال روسيا الوضع الجيوسياسي بالمنطقة، موضحا أن خطاب ماكرون الأخير يدل على محاولة تخلي بلاده عن السياسات الاستعمارية.
وأشار إلى أن فرنسا تشعر بقلق بالغ حيث تعد أفريقيا أكبر سوق لمنتجاتها، مشيرا إلى أن الأصوات الأفريقية تتعالى بضرورة البحث عن شركات أخرى غير الأوروبية.
وأكمل أن ماكرون يحاول إنقاذ اقتصاد بلاده في محاولة بائسة بسبب المديونية الفرنسية الثقيلة، لافتا إلى أنه يحاول إصلاح ما أفسده سابقوه، والتصدي لتزايد النفوذ الروسي الصيني بالقارة السمراء.
تحالف جديد
واتفق معهم الباحث المصري بالشؤون الأفريقية، أحمد خلف أبو الفضل، الذي رأى أن الزيارة تأكيد لما ذكرناه سالفا من كون فرنسا تريد توطيد وجودها العسكري من خلال تحالفات بدأتها مع الكاميرون وحاليا تسعى لتكوينها مع الغابون وأنغولا والكونغوبرازفيل، والكونغو الديمقراطية.
وأكمل أن هناك تعاوناً سابقاً في مجال التدريب العسكري بينها وبين الكونغو الديمقراطية خاصة في مجال مكافحة الإرهاب نسبة نجاح فرنسا في مسعاها يعتمد بدرجة كبيرة على الظهير الشعبي قبل السياسي.
وأكد أنه من الصعب على فرنسا مواجهة التوغل الروسي الصيني في المنطقة بشكل منفرد، إلا إذا كونت تحالفات من دول أخرى صديقة، الأمر الذي يصعب عليها في الوقت الراهن مع الحرب الروسية الأوكرانية.
تعديل السياسة
ولفت إلى أن الجولة الماضية لماكرون تركزت على الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، وهي من الدول الناطقة بالفرنسية والتي كان لفرنسا تواجد استعماري، مشيرا إلى أن الجولة الحالية ترتكز على الدول الناطقة بالإنجليزية والبرتغالية وستعرض فرنسا على تلك الدول خدماتها وتعاونها في مجالات التعليم والزراعة والخبرات العسكرية مستغلة عدم وجود حالة من الحنق عليها في تلك الدول نظراً لأنها لم تستعمرها، الأمر الذي واجهته في مالي وبوركينا وستواجه مستقبلاً مع بقية الدول خاصة مع تقليص وجودها العسكري كما أن تلك الزيارة تعد بمثابة إعلان وجود.
الباحث في الشؤون الأفريقية اختتم حديثه بالتأكيد على أن أي شراكة لفرنسا مع الدول الأفريقية ينبغي أن تبنى على سياسات تعاونية بحتة دونما تدخل في اتخاذ القرار أو فرض السيطرة، مشيرا إلى أن نجاح فرنسا في تلك الزيارة يعتمد على رسم خطوط واضحة لسياستها المستقبلية مع الدول الأفريقية، خاصة أن روسيا والصين لم يحدث منهما أي تدخلات حتى الآن في مسرح اتخاذ القرار للدول المتواجدة بها وتعاونها معها عسكري اقتصادي بحت.