ماذا يفعل ماكرون في لبنان "رهين الحسابات"؟
خبراء لبنانيون يقولون إن الرئيس الفرنسي دفع باتجاه تشكيل حكومة مصطفى أديب وفرض القبول بـ"مرشح تسوية" يحظى بغطاء واسع من القوى السياسية.
يتصدر إنقاذ لبنان، هواجس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم تظهر مقاربته للأزمات اللبنانية على أنها تسعى لتغيير جذري في السيستم القائم، بقدر ما تسعى إلى تحسينه.
وصل ماكرون إلى بيروت، مساء الإثنين، للمشاركة الثلاثاء في احتفالية مئوية لبنان الكبير، في زيارة تستمر حتى الأربعاء، ويلتقي خلالها قوى سياسية والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وشخصيات أخرى، ويشارك في فعاليات تُقام على هامش الاحتفالية المركزية في قصر بعبدا.
ويؤخذ في الأوساط السياسية اللبنانية على فرنسا، مقاربتها التي لا تستثني أيًا من القوى السياسية المحلية، في مقابل مطالب لبنانية بإجراء تغيير جذري في النظام اللبناني، وإعلان دولة مدنية تخرج البلاد من أسباب الفساد وعناصر الضعف.
وتتمثل عناصر الضعف اللبناني بالنظام الطائفي والمحاصصة، والقبول بشروط "حزب الله" للاحتفاظ بسلاحه بذريعة الصراع مع إسرائيل، خارج منظومة الدولة، وتصدير أزماته في المنطقة.
وعكس تنامي الدور الفرنسي في لبنان، ملامح تسوية دولية، لا تضع "فيتو" على "حزب الله"، وتلزم الأطراف اللبنانية المعارضة للحزب، بالانصياع لشروطه في تشكيل حكومة سياسية محمية منه، رغم الشكوك بأن تستطيع حكومة مشابهة أن تخاطب المجتمع الدولي سياسيًا، وتخرج البلاد من عزلتها.
فقد بات ثابتًا أن ماكرون دفع باتجاه تشكيل هذه الحكومة، وفرض على القوى السياسية القبول بـ"مرشح تسوية" يحظى بغطاء واسع من القوى السياسية، وهو ما نُفّذ بالفعل في تسمية مصطفى أديب الذي حاز على 90 صوتًا، أي ما يتخطى الـ 75 % من مجموع النواب الذين شاركوا في الاستشارات النيابية الملزمة.
ويقول مدير مركز "أمم" للأبحاث والتوثيق لقمان سليم، إن اللبنانيين "يبالغون عندما يقرأون لبنان ضمن إطاره الجغرافي فقط، ولا يلاحظون أن فرنسا دولة كبرى تقرأ مصالحها في إطار أوسع".
وأشار في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى أن "ما شهدناه خلال الـ48 ساعة الماضية من تسمية مصطفى أديب بلسان فؤاد السنيورة، ممثلًا عن رؤساء الحكومات السابقين، ثم اليوم الإثنين، الاستشارات، ومن ثم التكليف، وهو ما يمثل طعنة كبرى في صدر الديمقراطية اللبنانية.
مصالح لبنان
واللافت في الواقع اللبناني، أنَّ بعض الطوائف تثبت ولاءها للخارج، وهو ما يجعل لبنان رهينة حسابات وتطورات إقليمية ودولية، وسارعت فرنسا، بعدما تهدد الكيان بفعل الأزمات المالية والاقتصادية، إلى التدخل وشحنه بجرعات الدعم أخيرًا.
ويجمع الخبراء اللبنانيون على أنّ السياسة الفرنسية في لبنان "تنطلق جزئيًا من اهتمامها بلبنان، ولكنها تلحظ أيضًا المصالح الفرنسية في شرق المتوسط".
أما في لبنان، فهو النموذج الأكثر تأثرًا بمحيطه، ويتأرجح، منذ إعلان استقلاله العام 1943، على أمواج التطورات الدولية وتقاطعاتها.
وتقول مصادر سياسية لـ"العين الإخبارية"، إن لبنان "ولد في لحظة ضعف، ويعاني، بسبب قدراته الإنتاجية وموارده المحدودة، من عجز عن اتخاذ قرارات مستقلة بمعزل عن التأثيرات الدولية، وهذا الواقع "يسمح للإيرانيين بالتدخل، عبر فرض حزب الله ودعمه، مثلما ساهمت فرنسا قبل الاستقلال في حقبة الانتداب في فرض النظام، وساهمت سوريا في فرض أتباعها وتمكينهم أثناء الوصاية السورية على لبنان.
ولبنان، يحكمه نظام برلماني تشاركي، تتوازن فيه القوى السياسية وتنشئ تحالفات ما يوفر لها الحكم بسلاسة.
ويتم حكمه بمنطق "الديمقراطية التوافقية" التي تقوم على حكم الأقطاب، والنسبية في توزيع المواقع الحكومية والسياسية الرئيسية بين الطوائف والمذاهب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، كما تقوم على حكم "الفيتو" من قبل الطوائف تحت عنوان "الميثاقية".
ولا يستبعد لقمان سليم، وهو باحث سياسي لبناني، أن يكون التكليف الأخير لمصطفى أديب جرى بتقاطع بين فرنسا وإيران.
ويقول: "طالما أنَّ هذا التكليف يؤكد شرعية البرلمان المسيطر عليه من طرف حزب الله، فهو يخدم السياسة الإيرانية، وطالما أن مصطفى أديب يسمى إلى حد بعيد بأصوات الكتلة النيابية التي أودعها قاسم سليماني في البرلمان اللبناني، فتكليفه في مصلحة طهران وفي غير مصلحة لبنان، وهنا تتقاطع المصالح الإيرانية مع المصالح الفرنسية على الأرض اللبنانية.
وفي رده على التباينات العميقة بين فرنسا وإيران، يرى سليم أن "الخلاف الفرنسي الإيراني ليس خلافًا على المبدأ، وإنما هو خلاف على الحصص، وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن خلاف بالمعنى الحقيقي للكلمة، أو لا يمكن أن نقارن الخلاف الفرنسي الإيراني بالموقف الخليجي من هيمنة إيران على لبنان من خلال حزب الله.
ولا يمكن أن نقارن الموقف الفرنسي بالموقف الأمريكي المبدئي تجاه التمدد الإيراني في منطقة الشرق المتوسط، وبالتالي فرنسا تبيع وتشتري ولا تقف موقفًا حقيقيًا صلبًا لمصلحة لبنان واللبنانيين"، ويعرب عن مخاوفه من أن يكون الحل "يساهم في تعويم حزب الله ويمدد فرصة السماح المعطاة له".
ويقول سليم، إنّه لا يظن أن مصطفى أديب "هو الرجل الذي يمكن أن يؤلف الحكومة تتمتع بثقة المجتمع الدولي، طالما أن حكومته سوف ترضخ لإملاءات حزب الله وأمينه العام، الذي قال إنه لن يرضى إلا بحكومة محمية سياسيًا، والحماية السياسية معناها حكومة خاضعة لحزب الله".