ميلوني تصطاد ماكرون بـ«سلاح الحظر».. هل تفوز في لبنان؟
هل تنجح رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني فيما فشل فيه الآخرون في الشرق الأوسط؟
سؤال يفرض نفسه بعدما أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اعتزامها إجراء محادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد زيارتها لبنان والأردن.
ويعد لبنان بلدا جوهريا في السياسة الخارجية لفرنسا، وتقليديا تقود باريس المبادرات في بيروت العاصمة الأكثر تعقيدا في الشرق الأسط.
وتبدو زيارة ميلوني إلى لبنان لعبا في مساحة فرنسية خاصة، وبالنظر إلى تعيقدات العلاقات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وميلوني ربما تحمل الزيارة دلالات عدة.
واستبقت ميلوني زيارتها بتصريحات في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث شددت على أن حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل منذ بدء عملياتها في قطاع غزة هو الأكثر صرامة مقارنة بدول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذي جاء بعد أيام قليلة من دعوة الرئيس الفرنسي لوقف تسليم الأسلحة لتل أبيب.
وأشارت ميلوني في خطابها الثلاثاء الماضي أمام برلمان بلادها إلى أنه "بعد بدء العمليات الإسرائيلية في غزة، علقت الحكومة على الفور منح أي ترخيص جديد لتصدير المواد التسليحية إلى إسرائيل، بموجب القانون رقم 185 لعام 1990، وبالتالي لم يتم تطبيق جميع العقود الموقعة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023".
وقالت "أريد أن أذكركم، أيضا فيما يتعلق بالنقاش الذي أصبح حيويا للغاية في اليوم التالي لتصريحات الرئيس ماكرون (حول تصدير السلاح لإسرائيل)، أن الموقف الإيطالي، أي الحظر الكامل لجميع تراخيص التصدير الجديدة، أكثر صرامة بكثير، وأكثر تقييدا بكثير من الموقف المطبق من شركائنا المرجعيين الآخرين، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة".
زيارة ميلوني إلى لبنان استهدفت أيضا التعبير عن رفض روما استهداف قوات اليونيفيل التي تضم قوة إيطالية، لكنها تلقي الضوء أيضا على أن لغة الحزم التي شحن بها ماكرون خطابه السياسي تجاه إسرائيل لا تؤتي أكلها.
وقال فرانس بريس، في تقرير لها اليوم الجمعة، إن خطاب ماكرون يظهر رغبة باريس في الدفع لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، لكنه يخفي أيضا حالة من العجز.
وأثارت مواقف نُقلت عن ماكرون وأخرى علنية له هذا الشهر جدلًا حادًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقلقًا في صفوف الجالية اليهودية وجزء من الطبقة السياسية في فرنسا. ودعا ماكرون قبيل ذكرى السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى "وقف تصدير الأسلحة" المستخدمة في الهجوم الإسرائيلي على غزة ولبنان.
وندّد نتنياهو بدعوة ماكرون، معتبرًا أنها "عار"، ما دفع الرئيس الفرنسي إلى التأكيد أن "وقف تصدير الأسلحة" لا يعني تجريد إسرائيل من السلاح، ولكنه "الرافعة الوحيدة" لوضع حد للنزاعات.
وهذا الأسبوع، نقل مشاركون في جلسة للحكومة الفرنسية عن ماكرون قوله لوزرائه إنه ينبغي لنتنياهو "ألا يتجاهل قرارات الأمم المتحدة" و"ألا ينسى أن بلاده أُنشئت بقرار من الأمم المتحدة"، في إشارة إلى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية.
وأثارت هذه التصريحات حول قيام دولة إسرائيل جدلا كبيرا وغضبا في أوساط المؤسسات اليهودية في فرنسا ولدى بعض الطبقة السياسية.
وسارع نتنياهو إلى الرد قائلًا إن دولة إسرائيل نشأت نتيجة "الانتصار" في حرب عام 1948، لا نتيجة قرار أممي.
وقال نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه "تذكير لرئيس فرنسا: لم تنشأ دولة إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة، بل بموجب الانتصار في حرب الاستقلال الذي تحقق بدماء المقاتلين الأبطال، بينهم الكثير من الناجين من المحرقة، خصوصا من نظام فيشي في فرنسا".
وبعد صمت استمر 48 ساعة، ندد ماكرون مساء الخميس بـ"قلة مهنية.. وزراء" اتهمهم بأنهم نقلوا عنه "تصريحات محرفة"، و"صحفيين" كرروا هذه التصريحات، و"معلقين" لم يتحققوا من صحتها.
تفعل ما تريد
يأتي هذا الجدل في وقت لا تخفي بعض الجهات الفاعلة في الدبلوماسية الفرنسية تشاؤمها بقدرة المجتمع الدولي على وقف التصعيد في المنطقة.
وقال مسؤول فرنسي: "إن أدوات الإكراه المتاحة لنا محدودة، ويجب أن نكون واقعيين".
وقال السفير السابق جيرار آرو "نحن عاجزون من ناحيتين: أولاً لأن إسرائيل تفعل ما تريد وليس لدينا أي تأثير، ولكن هذا هو حال جميع الأوروبيين".
وأضاف: "ثم، بسبب التوترات المجتمعية لدينا في مواجهة هذا النزاع الذي يثير الكثير من العواطف".
ورأى أن ماكرون "فقد ثقة مؤيدي إسرائيل"، وعليه "أن يلتزم الصمت"، أو أن يرفع صوته بالتنسيق "مع أوروبيين آخرين" حتى يكون لمبادراته تأثير أكبر.
وتخشى باريس أسابيع "صعبة" تفصل عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة قد تُشل خلالها الدبلوماسية الأمريكية، الوحيدة القادرة على الضغط على إسرائيل، لكنها لا تستبعد أن يتمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد الانتخابات من تحقيق انفراجات في الشرق الأوسط خلال الفترة الانتقالية السابقة لتنصيب من سيخلفه في يناير/كانون الثاني.
وأعرب ماكرون وقادة غربيون آخرون عن الأمل أن يمثل مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار، بعد عام من الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة الفلسطينية على إسرائيل، فرصة يجب اغتنامها من أجل "وقف الحرب".
لكن أحد الدبلوماسيين رأى أن مقتل السنوار أدى إلى خسارة مفاوض لوقف النار وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، وقد يؤدي إلى تعزيز موقف القادة الإسرائيليين الأكثر تشددًا، في خططهم الرامية إلى إعادة تحديد التوازن في الشرق الأوسط بالقوة.
وحذر دبلوماسيون في فرنسا من أن نموذج الحرب التي قادتها واشنطن في العراق بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 يظهر أن الأمور قد تنتهي بشكل سيئ، ولكن هل لدى الدبلوماسية الفرنسية قدر كافٍ من النفوذ لمنع ذلك؟
صوت مسموع
أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الجمعة، في حديث لقناة فرانس إنتر عن "اعتقاده" بأن فرنسا تملك قدرا كافيا من النفوذ.
واعتبر أن حرص نتنياهو على الرد مرتين خلال عشرة أيام على الرئيس الفرنسي يؤكد أن "صوت فرنسا مسموع".
وشدد ماكرون على أن "فرنسا تؤدي دورا نشطا في الشرق الأوسط".
ويواصل الرئيس الفرنسي إعلان مواقف وطرح مبادرات في هذا السياق على غرار المؤتمر الهادف إلى دعم لبنان والمقرر عقده الخميس في باريس.
وأكدت فرنسا أنها إحدى القوى القليلة التي تتحدث مع كل الأطراف، بينهم بنيامين نتنياهو على الرغم من "الاختلافات" بحسب الإليزيه، وقادة لبنان الذي يربطها به تقارب تاريخي، ولكن أيضا مع إيران وحتى مع الجناح السياسي لحزب الله.
وقال الموفد الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان في حديث لصحيفة "لا تريبون" الأحد: "علينا أن نتحدث معه (حزب الله) وأنا أتحدث معه بنفسي، لأنه ممثل في البرلمان اللبناني".
ومع ذلك، فإن عدم تحقيق تحرك ماكرون ومهمة لودريان الأخيرة في لبنان نتائج ملموسة يظهر أن لهذه الجهود حدودا.
aXA6IDE4LjIxNy4yNTIuMTk0IA== جزيرة ام اند امز