إيمانويل ماكرون رئيسا.. الإليزيه يتشبث بساكنه (بروفايل)
رجل نقل أسلوب حياته الذي يشبه ألبوم الصور متعدد الألوان، إلى السياسة ومقر حكم تاريخي في أوروبا، فصبغه بهويته بدلا من أن يخضع لأحكامه.
إنه إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الذي كسر لتوه قاعدة عاشت 20 عاما، ومنعت ساكن الإليزيه من الفوز بولاية ثانية، وكان ضحيتها الرئيسين السابقين نيكولا ساركوزي، وفرانسوا أولاند.
وفي وقت سابق اليوم، أظهرت استطلاعات الخروج في نهاية يوم اقتراع طويل بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي تابعتها "العين الإخبارية"، فوز ماكرون بفارق مريح على منافسته اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، وبقاء في الحكم لولاية ثانية من سنوات.
وخلال الولاية الأولى، صدم إيمانويل ماكرون البعض بمواقف وصفت بأنها "مسببة للانقسام"، وحرك انتقادات البعض الآخر لأسلوبه في ممارسة الحكم الذي يشبه إدارة المؤسسات الاقتصادية.
لكنه نال كثيرا من التقدير والثناء وسجّل نقاطا على الصعيد الدولي في تحديات أوروبية وقضايا مرتبطة بالذاكرة، ليجمع السياسي البالغ من العمر 45 عاما، بين الثناء والانتقادات، تماما مثل حياته السابقة على الرئاسة.
ومن شخصية مغمورة لم يسبق لها أن انتخبت لشغل أي منصب عام، أصبح ماكرون وزيرا للاقتصاد في حكومة الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند، ثم أصغر رئيس سنّا يدخل قصر الإليزيه في 2017، وهو لم يزل في التاسعة والثلاثين من العمر.
مسار استثنائي
حياة إيمانويل ماكرون تعد رحلة استثنائية بامتياز، السياسي المولد في إميان ديسمبر/كانون الأول 1977، حظي بمسار تعليمي ناجح في معهد "هنري 4"، أبرز المدارس والمعاهد الفرنسية، قبل أن يلتحق بمعهد العلوم السياسية في باريس (2001) والمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورج (2002-2004).
حياته التعليمية الاستثنائية ارتبطت أيضا بحب حياته، إذ وقع ماكرون قبل أن يتجاوز الـ16 سنة في حب مدرسة اللغة الفرنسية برجيت ترونيو، التي كانت تكبره بعشرين عاما. قبل أن يتزوجا في وقت لاحق ويبقيا معا حتى اليوم.
كما لعبت ترونيو دورا مفصليا في صعود نجم ماكرون على الصعيدين المهني أو السياسي، ومنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى أعلى المناصب.
وبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، عمل ماكرون كمفتش عام للمالية لمدة 3 سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي المستشار السابق في الرئاسة الفرنسية.
وبعد ذلك بـ4 أعوام فقط، غادر ماكرون عالم الإدارة العليا والتحق بالعمل في بنك "روتشيلد" ليكتشف أسرار البنوك والمالية، وقال عن هذه الفترة في مقابلة مع صحيفة "لوموند" قبل أعوام "لقد تعلمت مهنة، واكتشفت كيف يسير عالم المال والاقتصاد".
وفي عام 2012، عاد ماكرون مجددا إلى الرئاسة، حيث عمل مستشارا اقتصاديا للرئيس فرانسوا أولاند، لمدة عامين، قبل أن يعينه الأخير وزيرا للاقتصاد في 2014.
اللعب على الأوتار
وعرف الشاب الطموح كيف يرسم لنفسه صورة الآتي من خارج الحلبة التقليدية لليسار واليمين، والقادر على اللعب بحنكة على وتر تشتت الأحزاب التقليدية في الجمهورية الخامسة، وأحاط نفسه بفريق وفي يرتكز على شبان في الثلاثينات من العمر بنوا خبراتهم في مجالات الإعلان والاستشارات والمناصب الإدارية.
وفي الولاية الأولى، أثار ماكرون الانتقادات بقدر ما أثار الإعجاب، والتصقت به صفة "رئيس الأثرياء" ونخب المدن بعد قرارين اتخذهما في بداية ولايته الرئاسية بإلغاء الضريبة على الثروة، وخفض الإعانات للإسكان.
وفي 2020، وفي خضّم التحذيرات والمخاوف من التغيّر المناخي، أثار انتقادات الخبراء البيئيين بعدما سخر من الذين يفضّلون "العودة إلى مصباح الكاز".
أقدم ماكرون أيضا خلال ولايته على رهانات تنطوي على مخاطرة، مثل رفضه في يناير/كانون ثاني 2021 فرض إغلاق شامل جديد نادى به وزراء وعلماء في خضم تفشي جائحة كوفيد-19. الا أن هذا القرار صبّ في نهاية المطاف في مصلحته.
على الرغم من ذلك، ينهي ماكرون ولايته وهو يتمتع بشعبية أكبر من تلك التي حظي بها، في الفترة ذاتها، سلفاه فرانسوا أولاند ونيكولا ساركوزي.
وسعى ماكرون إلى توسيع قاعدة شعبيته خصوصا في المراحل الأخيرة، فقد ابتعد عن ميله الإصلاحي الليبرالي واختار توفير مساعدات اجتماعية واقتصادية هائلة خلال الجائحة، في إطار مساعدة الفرنسيين "مهما كلّف الأمر".
ووصل به الأمر إلى التأكيد خلال تجمع انتخابي في مدينة نانت بغرب فرنسا، أن "حيواتنا أغلى من أرباحهم"، وهو شعار يرفعه اليسار المتطرف، في محاولة لاستمالة أنصار هذا التيار.
السياسة الخارجية
أبقى ماكرون على هوامش في بعض القضايا العقائدية، الا أنه لم يحد مطلقا عن تلك المؤيدة لأوروبا. وقد جعل من القارة الركن الأساسي لدبلوماسيته على مدى خمسة أعوام، ويدفع باتجاه تعزيز الدفاع الأوروبي.
ومنذ بدء الحرب بأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، بقي ماكرون أكثر القادة تواصلا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويؤدي دور وسيطا بين الكرملين من جهة، وقادة الغرب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى.
ودفع الرئيس المنتهية ولايته المجتمع الفرنسي نحو خطوات تصالحية مع تاريخه في قضايا بقيت عصيّة لعقود، وأقرّ بأن فرنسا تتحمل "مسؤولية كبيرة وجسيمة" في الإبادة الجماعية لأقلية التوتسي في رواندا عام 1994.
كما قام بمبادرات للتصالح مع ذاكرة حرب الجزائر، وعمل ماكرون، وهو أول رئيس فرنسي يولد بعد انتهاء حقبة الاستعمار، على تحسين العلاقات مع دول إفريقية.
تلك الخطوات أثارت كثيرا من الإعجاب في الداخل الفرنسي، ووضعت ماكرون في صورة الرئيس القادر على إدارة سياسة خارجية متزنة وتحقق مصالح البلاد.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDkuMTQ0IA== جزيرة ام اند امز