من هدنة هشة إلى اختبار صعب.. مدريد ترسم ملامح التجارة بين واشنطن وبكين

يقود نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، خه ليفنغ، ووزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، جولة جديدة من المحادثات التجارية في مدريد، حيث من المقرر أن تنتهي هدنة الرسوم الجمركية التي تم التوصل إليها في ستوكهولم في نوفمبر/تشرين الثاني.
وصل الوفدان إلى وزارة الخارجية الإسبانية في وسط مدريد بعد ظهر يوم الأحد بالتوقيت المحلي، بعد ساعات فقط من وصول الفريق الصيني إلى العاصمة.
تستمر المحادثات بين الفترة من 14 إلى 17 سبتمبر/أيلول، وتتناول المناقشات قضايا رئيسية، منها التعريفات الجمركية الأمريكية الأحادية الجانب، وضوابط التصدير، ومستقبل تيك توك، بالإضافة إلى التعاون المحتمل في مجال مكافحة غسل الأموال، حيث تُعتبر تيك توك نقطة خلاف رئيسية، وفقا لوسائل إعلام صينية.
هزت الحرب التجارية الاقتصاد العالمي في وقت سابق من هذا العام، لكن العلاقات استقرت بعد سلسلة من الهدن المؤقتة. ومن المقرر أن ينتهي آخر تعليق للرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الواردات من الصين في نوفمبر/تشرين الثاني، ويتعرض مسؤولو كلا البلدين لضغوط لمنع تدهور العلاقات.
وفقا لصحيفة "نيويورك تايمرز"، زادت رسوم ترامب الجمركية من الضغط على التضخم، الذي لا يزال مرتفعًا. ومن المتوقع أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا الأسبوع، وهي خطوة تهدف إلى تشجيع النمو الاقتصادي الذي قد يعزز التضخم أيضًا.
وذكر بيان صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية أن المحادثات ستركز على "الأمن القومي والقضايا الاقتصادية والتجارية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك تطبيق تيك توك، والتعاون في مكافحة شبكات غسل الأموال التي تهدد كلاً من الولايات المتحدة والصين".
وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) أن الجانبين سيناقشان قضايا اقتصادية وتجارية، بما في ذلك "إجراءات التعريفات الجمركية الأمريكية الأحادية الجانب، وإساءة استخدام ضوابط التصدير، وتطبيق تيك توك".
أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهلة حتى يوم الأربعاء لتطبيق أو تأجيل قانون يُلزم تيك توك بالانفصال عن مالكه الصيني، بايت دانس، وإلا سيواجه حظرًا في الولايات المتحدة.
وقد أرجأ الرئيس الأمريكي بالفعل تطبيق القانون ثلاث مرات، وأقرّ الكونغرس العام الماضي تشريعا ثنائي الحزب لحظر تيك توك في البلاد ما لم يجد مالكًا غير صيني، وذلك بسبب مخاوف من أن ارتباط تطبيق التواصل الاجتماعي بالصين جعله تهديدًا للأمن القومي للولايات المتحدة.
من المتوقع أن تُعقد المحادثات يومي الأحد والإثنين، ولكن قد تستمر حتى يوم الثلاثاء. ويعتزم بيسنت الانضمام إلى ترامب في زيارة دولة إلى لندن يوم الأربعاء.
يسعى مسؤولون من دول حول العالم للتوصل إلى اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة منذ أبريل/نيسان، عندما فرض ترامب رسومًا جمركية "متبادلة" على جميع شركاء أمريكا التجاريين تقريبًا.
أما المحادثات مع الصين فقد كانت أكثر تعقيدًا. فقد فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 145% على الواردات الصينية في أبريل/نيسان، مما أدى إلى توقف التجارة فعليًا، قبل أن يخفضها إلى 30%. وفرضت الصين رسومًا جمركية بنسبة 10% على المنتجات الأمريكية.
أعلنت الصين يوم السبت أنها ستفتح تحقيقًا في صادرات بعض الرقائق الدقيقة المُصنّعة في الولايات المتحدة. وفي اليوم السابق، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أنها أضافت شركات الرقائق الصينية إلى القائمة السوداء التجارية. ومن المتوقع أن تُشكّل هذه الخطوات ضغطًا إضافيًا على المحادثات.
يناقش أكبر اقتصادين في العالم المزيد من تخفيضات الرسوم الجمركية، وحالة القيود الصينية على شحنات المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات الضرورية للمصنّعين الأمريكيين. كما تشعر إدارة ترامب بالقلق من توقف الصين عن شراء المنتجات الزراعية الأمريكية، مما يُهدد سبل عيش مزارعي فول الصويا.
انتقد بيسنت فائض الطاقة الصناعية للصين، واصفًا اقتصادها بأنه غير متوازن، وحثّ نظراءه الصينيين على الحد من مشتريات النفط من روسيا وإيران.
قد يلتقي ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ الشهر المقبل في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية. كما ألمح ترامب إلى أنه قد يزور الصين في وقت ما بدعوة من شي.
تُعقد الجولة الأخيرة من المحادثات بعد وقت قصير من جمع شي قادة أكثر من 20 دولة في الصين الشهر الماضي، في استعراضٍ لجهود بكين لإعادة تشكيل نظام عالمي لا تكون فيه الولايات المتحدة محور الاهتمام. وقد أدت تكتيكات ترامب القاسية في مفاوضات التجارة إلى خلاف مع حلفاء مثل الهند، التي كانت هدفًا لرسوم ترامب الجمركية الباهظة على الواردات، مما أتاح فرصةً للصين للدفع نحو علاقات أوثق.
تعتمد الصين على زيادة تجارتها مع الدول الأخرى لتعويض الانخفاض الحاد في صادراتها إلى الولايات المتحدة. انخفضت صادراتها إلى الولايات المتحدة بنحو 15% هذا العام، إلا أن تجارتها مع جنوب شرق آسيا وأفريقيا ومناطق أخرى تشهد ازدهارًا ملحوظًا. وتسير الصين بخطى ثابتة نحو تجاوز فائضها التجاري القياسي الذي بلغ قرابة تريليون دولار أمريكي في عام 2025.
على الرغم من قوة أرقام التجارة، هناك مؤشرات على أن الاقتصاد المحلي الصيني يعاني من تداعيات الحرب التجارية الدائرة. وتعمل الحكومة الصينية على تثبيط الشركات عن زيادة استثماراتها في الصناعات التي تعاني بالفعل من فائض في الطاقة الإنتاجية، وذلك لمنع المنافسة الشرسة في الأسعار وتهدئة مخاوف الشركاء التجاريين من أن تدفق الصادرات الصينية الرخيصة سيؤدي إلى تآكل التصنيع المحلي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز