مافيا "ندرانجيتا" الأخطر في العالم.. تجني 385 مليون دولار أسبوعيا
"ندرانجيتا" اخترقت قطاعي العقارات، ووظفت الأرباح من عملية الاختطاف البشعة لجون بول جيتي الثالث لإقامة حي سكني على ساحل كالابريا
وصف محققون أوروبيون مافيا "ندرانجيتا" الإيطالية بأنها "أقوى منظمة مافيا عابرة للحدود"، بعدما أسفرت أوسع مداهمة على الإطلاق تنفذها الشرطة الأوروبية ضد الجماعة الإيطالية عن اعتقال 80 شخصا في ديسمبر/كانون الأول 2018.
ووفقاً لبحث أجراه معهد "أوريسبيز" الإيطالي، تجني"ندرانجيتا" ما يتراوح بين 300 و350 مليون يورو (330-385 مليون دولار) أسبوعيا من عمليات تهريب المخدرات، التي يمثل مخدر الكوكايين الجزء الأكبر منها، وتعتبر شرطة مكافحة المافيا الإيطالية الرقم موثوقا.
ومنذ عقود كان لدى "مافيا ندرانجيتا" مصدر دخل رئيسي آخر، وهو عمليات الاختطاف من أجل طلب فِدية.
وعلى مدار 30 عاما، بداية من عام 1969، سقط ما يقرب من 700 شخص ضحايا لهذه الجرائم، التي بلغت الذروة في 1977 بتسجيل 75 حالة في عام واحد، بحسب ما ورد في مقال نشرته مجلة "إيطاليان ريفيو أوف كريمينولوجي" المتخصصة في علم الإجرام، نقلا عن بيانات وزارة الداخلية الإيطالية.
الاختطاف والكوكايين
قال دومينيكو دي بيتريللو، مسؤول سابق في قوات العمليات الخاصة التابعة لشرطة قوات الدرك (كارابينيري) الإيطالية، الذي تولى التحقيق في عشرات من حالات الخطف التي نفذتها المافيا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي: "كان الأمر بنفس السوء الذي كان عليه في أمريكا اللاتينية".
وتولى أفراد العصابات في منطقة كالابريا الإيطالية الدور الرئيسي في جرائم الاختطاف، التي نالت أيضا استحسان العصابات الريفية في جزيرة سردينيا، والإرهابيين السياسيين، مثل جماعة الألوية الحمراء اليسارية، إضافة إلى مافيا "كوسا نوسترا" بجزيرة صقلية، وإن كان على نحو أقل.
وحسب خبير في شرطة مكافحة المافيا الإيطالية، وصل نصيب مافيا ندرانجيتا إلى ما يتراوح بين 65 و70% من أموال الفديات التي تقدر بـ800 مليار ليرة (470 مليون دولار)، حصلت عليها جماعات إجرامية إيطالية مختلفة جراء عمليات الاختطاف.
و"سارع أفراد العصابات في كالابريا إلى إعادة استثمار أرباحهم، بصورة جزئية في امتيازات شخصية، مثل شراء فيلات وسيارات فاخرة، لكن في معظم الحالات من أجل دخول قطاع تهريب الكوكايين"، وفقاً لما صرح به ممثل الادعاء المناهض للمافيا نيكولا جراتيري، أمام لجنة مكافحة المافيا بالبرلمان الإيطالي في 2014.
وأوضح جراتيري أنه كان هناك "شبه احتكار لسوق الهيروين من مافيا (كوسا نوسترا)، في حين وجدت مافيا (ندرانجيتا) في الكوكايين حصانا رابحا جديدا"، مضيفا أن بعض أفرادها عاشوا في أمريكا اللاتينية لمدد تتراوح بين 30 و40 عاما ولديهم أسر هناك.
العقارات والأشغال العامة
اخترقت "ندرانجيتا" أيضا قطاعي العقارات والأشغال العامة، فوظفت الأرباح من عملية الاختطاف البشعة لجون بول جيتي الثالث، لإقامة حي سكني على ساحل كالابريا، عرف باسم "قرية جيتي".
وجرى خطف جيتي، سليل عائلة النفط الأمريكية، في العاصمة روما عام 1973، وظل قيد الأسر في جبال كالابريا النائية لمدة 5 أشهر، وتم قطع أذنه اليمنى للضغط على عائلته لدفع مبلغ 1.7 مليار ليرة من أجل إطلاق سراحه.
وكان هناك كثير من حالات الاختطاف الأخرى التي كشفت عن وحشية ندرانجيتا.
وانتشرت المخاوف من عمليات الخطف بصورة كبيرة بين النخب الإيطالية، خاصة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وهي فترة مضطربة شهدت خطف وقتل رئيس الوزراء السابق ألدو مورو في 1978، على أيدي الألوية الحمراء وليس المافيا.
وتمكنت بعض أهداف الاختطاف المحتملة البلاد مثل عائلة كارلا بروني، عارضة الأزياء السابقة وزوجة رئيس فرنسا الأسبق نيكولا ساركوزي، التي انتقلت إلى فرنسا 1975، في حين اتخذ غيرها مثل سيلفيو بيرلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، احتياطات أخرى.
وجرى تصوير بيرلسكوني، الذي كان آنذاك مطورا عقاريا ناشئا عام 1977، ووضع مسدسا على مكتبه، كما كان آنذاك حارس فيلته التي تقع بالقرب من ميلانو، فيتوريو مانجانو، أحد زعماء مافيا صقلية.
والشك هو أن بيرلسكوني استعان بمانجانو في إطار مجموعة من أفراد العصابات الذين وفروا له الحماية ضد الاختطاف، ولطالما نفى بيرلسكوني أي معرفة له بالماضي الإجرامي لمانجانو، كما نفى وجود أي صلة تربطه بمافيا "كوسا نوسترا".
وتلاشت جرائم الاختطاف خلال تسعينيات القرن الماضي، ويعود ذلك جزئيا إلى قانون صدر عام 1993، جعل من الأسهل بكثير على السلطات السيطرة على أصول أقارب الضحايا، ما يجعل من الصعب تلبية مطالب الحصول على فدية.
وقال الخبراء إن الغضب الشعبي المتزايد ضد وحشية المافيا، إضافة إلى تطور عمل الشرطة وتغليظ العقوبات على الخاطفين، وفوق كل ذلك، إدراك أن تهريب المخدرات يتميز بربح أكبر وخطورة أقل، قد أسهم في اختفاء هذه الظاهرة.