لا شك أن مهاتير كان كرتا مهما لدى الإخوان وسقط سقوط فادحا ومدويا وأفل نجمه بعد تقديم مصلحة حزب الإخوان على مصالح ماليزيا
ماذا يعني أن يصرح وزير الخارجية الماليزي الجديد، داتو سري هشام الدين حسين، بأن إحدى أولوياته إصلاح العلاقات الثنائية مع السعودية، وأنه سيوجه دعوة إلى وزير الخارجية السعودي لزيارة كوالالمبور؟
إن مثل هذا التصريح الصريح يؤكد أن العلاقات بين البلدين شابها الكثير من الغموض والتوتر في الفترة الماضية، بعدما قال إن "إحدى الأولويات هي أن نصحح علاقتنا مع الرياض"، لكن ما هي أسباب هذا التوتر ومن الذي سعى إليها؟
لا شك أن العلاقات بين البلدين شهدت بعض التوتر في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ قمة كوالالمبور الإسلامية، التي شاركت فيها ماليزيا وتركيا وقطر، فيما اعتذرت دول كثيرة عن عدم المشاركة، وقُوبلت هذه القمة التي دعا إليها رئيس الوزراء الماليزي السابق، مهاتير محمد، المعروف بصلاته القوية مع جماعة الإخوان المسلمين، برفض من جانب معظم الدول الإسلامية، لا سيما أنها نُظِمت بعيداً عن مظلة منظمة التعاون الإسلامي التي مقرها في السعودية، والتي تضم في عضويتها 57 دولة.
يرى الكثير أن مهاتير بدد إرثه السياسي الطويل من خلال رغبة البقاء في السلطة والمحافظة عليها وهو في أرذل العمر، فضلا عن محاولة إسقاط أفكار قديمة على وضع مغاير تماما للأوضاع واعتقاده أنها لا تزال صالحة
الباحث في الشأن الآسيوي السياسي يجد أن دولة مثل ماليزيا كانت تعتمد في سياستها الخارجية على (سياسة السلام والحياد) وعدم الصدام وبناء العلاقات، وهي السّمة الرئيسيّة التي كان لها دور مساهم وداعم للتطوّر الاقتصاديّ الماليزيّ، والّتي ساهمت في أن تلعب دوراً في نهضتها، وجعلت منها قوّة اقتصاديّة في طليعة الدّول المتقدّمة، إلا أن عودة مهاتير وقمة كوالالمبور لم يجنّبا ماليزيا زلزالا سياسيا داخليا وخارجيا بل أديا إلى استقالة مهاتير بعد الدخول في متاهات أزمة سياسية داخلية، حتى قرر وأعلن القصر الوطني الماليزي عن تعيين محي الدين ياسين رئيسا للوزراء.
هذا الإعلان يُشكل نهاية حزينة لمرحلة حكم مهاتير محمد البالغ من العمر 94 عاماً، وبذلك أنهى مهاتير تجربته في الحكم، التي استمرت لعقود، بصورة (مهينة) بسبب تمسّكه بالبقاء في السلطة وخسارة ثقة المحيطين به وحلفائه السياسيين الذين انقلبوا عليه، وأطاحوا به من رئاسة التحالف الحاكم، وهو ما دفعه إلى الاستقالة.
يرى الكثير أن مهاتير بدد إرثه السياسي الطويل من خلال رغبة البقاء في السلطة والمحافظة عليها وهو في أرذل العمر، فضلا عن محاولة إسقاط أفكار قديمة على وضع مغاير تماما للأوضاع واعتقاده أنها لا تزال صالحة، بالإضافة إلى محاولته تغيير السياسيّة الخارجيّة لبلاده من الحياد إلى المحاور، واختياره وتفضيله للمحور (الإيراني - التركي - القطري) وتهميشه لدور السعودية إسلاميًا وإنشاء محور وتكتل إسلامي جديد لتحدي الهيمنة العربية على العالم الإسلامي.
لا شك أن مهاتير كان كارتا مهما لدى الإخوان وسقط سقوط فادحا ومدويا وأفل نجمه بعد تقديم مصلحة حزب الإخوان على مصالح ماليزيا والمسلمين، وهو ما جعله يختم حياته السياسية أسوأ ختام، فذهب غير مأسوف عليه كما ذهب كل المعادين لبلاد الحرمين وقيادتها، وهي تُمثل القاعدة المعروفة بأن من يتطاول على السعودية سيلقى مصيره ولو بعد حين وسيسقط تباعا من كانوا في زمرته.
حاليا تحاول قطر وقنواتها هي لتعويضه وتلميع صورته وجبر خاطره بعد فشله وبعد تخندقه معها ومع محور الشر، بمحاولة تقديمه للناس بأنه أكبر زعيم سياسي في العالم الذي يقدم الدروس في الحياة والتاريخ والسياسة والحكمة والإنسانية وبناء الإنسان والحضارة وقواعد الحكم ومسؤوليات الحاكم وفِي مواجهة الدول الكبرى، وأنه أحد أهم حكماء العصر الحديث، وذلك كله وعلى ما أعتقد أنه مكافأة لنهاية الخدمة وهي تحصيل حاصل، ليكون استكمالا لبقية المتردية والنطحية وما أكل السبع في قصر الوجبة، بعدما ذهب إلى مزبلة التاريخ وخرج من الباب الصغير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة