الصادق المهدي يكشف كواليس انقلاب 1989 بالسودان
المهدي يصدر كتابا سجل فيه تفاصيل اللحظات الأخيرة من عمر حكومته وما واجهه عقب نجاح الانقلاب واعتقاله وإدخاله زنزانة الإعدام بسجن كوبر
روى رئيس الوزراء السوداني السابق، الصادق المهدي، لأول مرة شهادته حول انقلاب 30 يونيو/حزيران 1989 الذي نفذته الجبهة الإسلامية السياسية (فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين) ضد حكومته المنتخبة.
- "المهدي" يعتزم طرح مبادرة للوفاق السياسي بالسودان
- الصادق المهدي: قادة الجيش "نواياهم طيبة".. وسيسلموا السلطة
وخطط ونفذ قادة الجبهة الإسلامية السياسية حينها بزعامة حسن الترابي الانقلاب، الذي قاده الرئيس المخلوع عمر البشير على الحكومة الشرعية بقيادة رئيس الوزراء الصادق المهدي.
وأصدر المهدي، السبت، كتابا سجل فيه تفاصيل اللحظات الأخيرة من عمر حكومته، وما واجهه لاحقاً عقب نجاح الانقلاب خلال اعتقاله وإدخاله زنزانة الإعدام بسجن كوبر.
وقال المهدي في كتيبه الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية" أنه في نهاية عام 1988، زاره في مكتبه بطلب منه الأستاذ أحمد سليمان، عضو الجبهة الاسلامية السياسية، وقدم له طلبا بما يشبه المساومة يدعوه فيه للاتفاق معهم على تعديل الدستور ليصبح بموجبه المهدي رئيساً للجمهورية، ويتم تطبيق الشريعة الإسلامية، على أن تتم مواجهة المعارضة الاتحادية التي ترفض ذلك بأي وسيلة إذا اقتضى الأمر.
وأضاف "قلت له هذا الخيار غير متاح بالوسائل الدستورية أما بأي وسائل أخرى فغير مقبول".
وتابع "انتهت المقابلة ولكن بعد ذلك صار الإخوان يخونون الاتحاديين ويعتبرون سعيهم لتحقيق السلام على حساب الدين والوطن، هكذا اضطرب الجسم السياسي السوداني".
نية الانقلاب مبيتة
وذكر أن أعضاء الجبهة الإسلامية السياسية بالبرلمان تغيبوا عن جلسة إجازة الميزانية بالبرلمان عام 1989، لأنهم كانوا قد عزموا على الانقلاب المشؤوم.
وأوضح أنه "بعد الجلسة التي وصفها بالتاريخية، حيث أجيزت فيها الميزانية بالإجماع ذهب إلى منزله بـ(ودنوباوي)، وفي الفجر كنت على فراش الصلاة جاءني بعض أولادي ليقولوا لي المنزل مطوق بعساكر وكانت تعليماتهم اعتقالي".
وتابع: "قررت أن أغادر المنزل والمدهش برغم القوة المدججة وتفتيشهم الدقيق خرجت وكأنما أغشي عليهم فلم يعترضني أحد، ومشيت على طول الطريق حتى وصلت لاستراحتي بالقرب من دار الأمة، ثم اختفيت في منزل بأم درمان".
وقال أبلغت عبدالرحمن فرح بأنه سيختفي حتى يعلم إن كان الانقلاب بتدبير أجنبي سيعمل على مقاومته عسكرياً، وإن كان سودانياً سيتعامل معه بالوسائل المدنية.
وأضاف "أثناء الاختفاء ظننت أن الانقلاب سوداني وكتبت لقيادته مذكرة قلت فيها إن مشاكل السودان لم تصنعها الأحزاب السياسية، ولكم أن تحاكموا كل من يثبت ضلوعه في جريمة، وأدعوكم لحوار فمعكم القوة ومعنا الشرعية لإيجاد مخرج سلمي قومي للبلاد".
اعتقال المهدي
وبعد مرور أكثر من شهر تم اعتقال المهدي في يوم 5/7/1989، ورحل إلى سجن كوبر مع قيادات القوى السياسية الأخرى.
وذكر المهدي أنه في الساعة الثانية من يوم 2 أكتوبر، تم أخذه على سيارة محجوبة بالجرائد إلى منزل صغير معزول ومظلم إلا لمبة واحدة حمراء، قائلاً إن الفكرة في هذا المشهد كانت إرعابه.
وقال إن سجانيه عرضوا عليه شريطاً سجلته امرأة تدعي أنها على صلة به، مردفاً "ولمزيد من الترهيب أجلسوني على مقعد من ثلاثة قوائم لكيلا استقر في جلستي، وواجهني ثلاثة أشخاص أحدهم بزي عسكري وشرعوا معي في تحقيق لمحاكمة ميدانية".
وفي هذه المحاكمة، بحسب حديث المهدي، فإن المحققين أبلغوه بأنهم أحضروا كاميرا الفيديو حتى إذا سجل اعتراف بأن الديمقراطية فشلت سينقذ نفسه من حبل المشنقة.
وزاد: "الديمقراطية لم تفشل بل أجهضت، أجهضها المتآمرون عليها، وعددت محاسن وإنجازات الديمقراطية الثالثة ثم قلت لهم أنتم سوف تفشلون فشلاً ذريعاً وإن أردتم تسجيل ذلك فافعلوا".
خيانة عظمى لتقويض النظام
ووصف المهدي في شهادته انقلاب يونيو/حزيران 1989، بأنه خيانة عظمى مكتملة الأركان لتقويض النظام الدستوري، حيث ارتكبت أثناء الحكم الانقلابي جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما أدى لطلب قيادته للمحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف "الانقلاب بتدبير مدني وتنفيذ عسكري، المدنيون يتساءلون عن خرق الشرعية وتقويض الدستور بموجب القانون الجنائي، والعسكريون ملزمون بالدستور وبالقانون العسكري ويتساءلون عن أي تصرفات تناقض هذه الالتزامات".
ويواجه قادة انقلاب 1989 عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد بتهم تقويض النظام الدستوري والانقلاب على الحكومة المنتخبة، وذلك وفقاً للدعوى الجنائية التي حركها فريق قانوني ووصلت إلى مراحل متقدمة من التحري.
ومن أبرز المتهمين في الدعوى إضافة إلى البشير، كل من علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وعلي الحاج محمد وإبراهيم السنوسي وغازي صلاح الدين وكل قيادات حزب الجبهة الإسلامية السياسية عام 1989.
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4xNDQg جزيرة ام اند امز