عضو مجلس الطاقة العالمي لـ«العين الإخبارية»: «النووية» هي الأمل الواقعي لإنقاذ المناخ
عالم الطاقة محفوف بالمناورات السياسية و«التمويل» مفتاح إنجاز التعهدات
أكد الدكتور ماهر عزيز، عضو مجلس الطاقة العالمي، أن الاستثمار وتوفير التمويل هما السر في إنجاز ما تم الاتفاق عليه بقمة المناخ COP28 بدولة الإمارات، سواء للوفاء بتعهدات مضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات أو مضاعفة الطاقة النووية أو بدء التخلص التدريجي من الوقود.
عزيز الذي يقدم الاستشارات أيضا لوزارتي البيئة والكهرباء في مصر، قال في حواره مع "العين الإخبارية" إن العالم لا يحتاج أن يصل إلى صافي صفر انبعاثات في 2050 بقدر الحاجة إلى الوصول لخطة تثبيت الانبعاثات عند الحد الذي اتفقت عليه اللجنة العلمية الدولية التابعة للأمم المتحدة لتجنب الآثار الكارثية لتغير المناخ.
وتحدث عزيز عن المزيج الأمثل لتوليد الطاقة وخفض الانبعاثات والهدف العالمي لصافي الصفر انبعاثات، وخريطة الحل وفقا للتقارير العالمية والعلمية، وما هي "دبلوماسية الطاقة المتجددة".
وإلى نص الحوار:
• كيف للعالم أن ينفذ بنود "اتفاق الإمارات التاريخي" بمضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات حتى 2030؟
- الاستثمارات المطلوبة لتنفيذ هذا الطموح كبيرة جدا وتتطلب عملا وتخصيص ميزانيات كبيرة في كل الدول الموقعة أو الملتزمة بتنفيذ هذا الاتفاق، وقد يكون هذا الطموح صعبا في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية ومعدلات النمو الاقتصادي العالمي الآخذة في التراجع أو الثبات، خلافا إلى أن ما يحدث في العالم من تقلبات جيوسياسية تهدد الاستثمارات بوجه عام.
كما أن مساهمات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم كله لا تزيد في القدرات المركبة عن 3-4%، والتوزيع الحالي لمزيج الطاقة العالمي حسب الإحصائيات الرسمية هو: النسبة الكبرى المهيمنة على إنتاج الطاقة هو الفحم حاليا بنسبة 35%، يليه الغاز الطبيعي بنسبة 25%، ثم 19% طاقة كهرومائية، و10% طاقة نووية، أما الطاقة المتجددة إجمالا فلا تزيد عن 22%، يدخل فيها مجموعة من الطاقات ونسبة الطاقة الشمسية والرياح ما بين 3-4% ، وهذا مقارب للنسب في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة، فالطاقة المتجددة نسبتها من مزيج الطاقة 22% والشمس والرياح لا تزيد على 4% ، وكذلك ألمانيا فتصل نسب الطاقة المتجددة إلى 30%، وطاقة الشمس والرياح 5%.
• وهل هذا الأمر ينطبق على قرار قمة دبي COP28 بمضاعفة الطاقة النووية أيضا؟
- لا لأن الطاقة النووية يمكن مضاعفتها وزيادة قدراتها في مزيج الطاقة بشرط واحد وهو اختصار وقت إنشاء المحطات وتعديل إجراءات الموافقات على الإنشاء في كثير من الدول وإنهاء البيروقراطية التي تعطل بدء العمل والتراخيص وإجراءات الرقابة من الهيئات المختصة، وفي حال هذا يمكن أن تصل إلى 20 و27% في أقل من عقدين من الزمان، خاصة أن العديد من الدول كدولة الإمارات ومصر وغيرهم من الدول التي لم تكن معروفة من قبل في إنتاج الطاقة النووية دخلت في مشروعات كمحطات براكة في الإمارات ومحطة الضبعة في مصر، كما أن الطاقة النووية متميزة جدا وقد تكون هي الحل الأمثل لحل الأزمة المزدوجة التي يعاني منها العالم "أزمة الحاجة إلى الطاقة وارتباك السوق العالمي – وأزمة المناخ وزيادة الانبعاثات من محطات إنتاج الكهرباء"، فالطاقة النووية هي الحل.
• لكن هناك بعض الدول التي ترى أنها المشكلة وليست الحل كألمانيا التي أخذت قرارات التخلص من محطات الطاقة النووية بحلول 2050؟
- هذه قرارات غير صائبة ولا تعتمد على ما يحدث على الواقع وتدخل ضمن المناورات السياسية الحزبية وقد يتم التخلي عنها قبل هذا التاريخ وتستمر بل قد تتوسع الطاقة النووية أكثر في ألمانيا خاصة أن لديها تحديات مختلفة عن العديد من الدول، فهي دولة صناعية وتريد أن تحافظ على قدراتها الصناعية والاستثمارات في الصناعة الثقيلة، وهذه الصناعات كثيفة استخدام الطاقة، والطاقات المتجددة مجتمعة لن توفر لدولة مثل ألمانيا الطاقة المستمرة والكثيفة مثلما توفره الطاقة النووية، كما أن الطاقة الكهرومائية وصلت إلى الحد الذي لا يمكن زيادته، خاصة وأن العديد من الأنهار العالمية تواجه الجفاف وكذا أوروبا تعاني من نقص المياه في أوقات كثيرة من العام، لذا فلا حل إلا توفير الطاقة الكثيفة والدائمة قليلة الانبعاثات وكل هذا في الطاقة النووية.
الوقود النووي موزع بشكل أكثر عدلا من الأحفوري
• ولكن محطات الطاقة النووية تحتاج لتكلفة مضاعفة واستثمارات تفوق قدرات الكثير من الدول كما أن أزمة اليورانيوم والتكنولوجيا قد تعوق انتشارها؟
- الطاقة النووية مستدامة، وتوفر الكثير من احتياجات المستقبل في الطاقة، وكلما انتشرت تنخفض التكلفة، لكن لابد من تطوير وقت البناء والتراخيص واختصار وقت الإجراءات الإدارية، فحاليا لا يوجد مشكلة في التكنولوجيات الخاصة بالأمان النووي أو النفايات النووية، أما الوقود النووي الموجود في العالم فيكفي لاستخدام العالم في الطاقة النووية عقود طويلة لأكثر من قرن، وأفريقيا مليئة باليورانيوم، والوقود النووي موزع بطريقة أكثر عدلا من الوقود الأحفوري في العالم، لأن اليورانيوم موجود تقريبا في كل المناطق، ولكن يحتاج التنقيب والاستخلاص والتكلفة، والتكنولوجيا للاستخلاص تقدمت جدا بما يتيح للدول الاستثمار في الطاقة النووية كحل لأزمة الطاقة والمناخ.
• لكن هناك طاقة متجددة وتوفر قدرات كبيرة بدون انبعاثات وهي الهيدروجين الأخضر ودول كثيرة لجأت للاستثمار فيه؟
- لا شك أن الهيدروجين الأخضر ومشتقاته حل جيد لتوفير طاقة منخفضة الكربون لكن إنتاج الهيدروجين الأخضر تحديدا يحتاج أولا توفير الطاقة المتجددة بالأصل (الرياح – الشمسية) وهذا يحتاج مواصفات لا تتوافر كثيرا في أوروبا لذا لجأت الدول الأوروبية إلى أفريقيا للبحث عن الهيدروجين الأخضر، كما أن الهيدروجين الأخضر لا يكون إلا في الدول الشاطئية لتحلية مياه البحر لاستخدامها في الإنتاج، كما أن إنتاج الهيدرجين الأخضر يحتاج مساحات شاسعة من الأراضي لإقامة محطات الطاقة المتجددة، ولا نغفل أن هذا النوع من الطاقة متميز وجيد وخاصة مشتقاته كالأمونيا الخضراء، ومصر والدول عدد من الدول العربية ودول شمال أفريقيا لديهم فرصة جيدة في الحصول على حصة جيدة من سوق الطاقة المتجددة العالمي في المستقبل، وإن كان هذا يتطلب بعض الشروط.
"دبلوماسية الطاقة المتجددة"
• ما الشروط التي يتطلبها تعزيز الطاقة المتجددة؟
- الواقع يفرض نفسه، نحتاج استثمارات ووقت وحشد الإرادة الوطنية لكل الدول لكي تشارك، خاصة وأن هناك دول لديها حاجة للطاقة وليس لديها مكان أو إمكانيات هذه الطاقة، ودول لديها قدرات مالية كبيرة وتحتاج للطاقة، ودول فقيرة وليس لديها قدرات للاستثمار لكن لديها موارد طبيعية وإمكانيات كبيرة في إنتاج الطاقة المتجددة، لذا يجب أن يكون هناك منهج جديد قد نعرفه باسم" دبلوماسية الطاقة المتجددة" أو "دبلوماسية المستقبل"، بجانب مشاركة القطاع الخاص في الإنتاج والتوزيع لهذه الطاقة، وكذلك تعديلات القوانين، فهناك الكثير من الدول تحتاج تعديلات تشريعية كثيرة لإدخال الطاقات المتجددة ضمن مزيج الطاقة أو التوسع في استثماراته، وعلى رأسها إعطاء حوافز اقتصادية ومالية للمشروعات للتوسع في الطاقات المتجددة، وكذلك البنية التحتية وعلى رأسها، حل قضية الشبكات، وتحويلها إلى شبكات ذكية ورقمية لاستيعاب الزيادات في الطاقات المتجددة.
وحاليا في أغلب دول العالم بما فيها الدول المتقدمة، هناك أزمة في الشبكات وهي أكثر العقبات أمام التطور في الطاقة المتجددة، لأن الشبكات يجب أن تكون رقمية للحفاظ على الثبات لأن الطاقة المتجددة لديها تذبذبات في كمية إنتاج الطاقة والتوليد الكهربي غير مستقر وهذا يهدد الشبكة، وعليه لابد من نظام استيعاب التذبذبات الشديدة في استقرار الشبكة، كما أن الربط يعوقه الكثير من الإجراءات البيروقراطية وأغلب المشروعات العالمية حتى الآن لم تأخذ موافقات بالربط بالشبكة القومية.
ولا ننسى أن التوسعات العالمية في الطاقة المتجددة تسير وفقا لتدبير الاستثمارات، ويجب أن يكون هناك ارتباط زمني في التوسع في القدرات وتدبير الاستثمارات فكلما تم حشد الاستثمارات كلما تم التوسع، فالفجوة المالية قد تكون عقبة كبيرة في التوسع في الدول النامية.
العالم لا يحتاج لصافي صفر انبعاثات
• قمة دبي أخذت قرارا تاريخيا ببدء التخلي عن الوقود الأحفوري ولكن هناك دولا كأذربيجان التي ستنظم COP29 قال رئيسها إن العالم لا يمكنه التخلي عن الوقود الأحفوري في المستقبل القريب، فكم من الوقت يمكن للعالم التخلي عن الوقود الأحفوري؟
- فكرة التخلي عن الوقود الأحفوري هي فكرة طموحة ومتقدمة جدا في معركة المناخ، ولا بد من التفكير الواقعي والعودة إلى الأرقام والإحصائيات العالمية، خاصة أن العالم لا يحتاج أن يصل إلى صفر انبعاثات.
"فكرة صافي الصفر" هذه قد تكون "حلما" فالعالم يحتاج فقط خفض الانبعاثات أو الحفاظ على الانبعاثات بدون زيادة والعودة إلى حد عام 2000 أو 2010، ووفقا للهيئة الدولية الحكومية التابعة للأمم المتحدة كأكبر هيئة علمية في العالم أكدت منذ 2015 وأعادت التأكيد في العام الماضي، أن العالم يحتاج التخلي عن 40% من الانبعاثات الموجودة حاليا، وهذا قد يكون في المتناول، فالبنية التحتية للوقود الأحفوري معمرة إلى 50 عاما تقريبا، ومخزونات البترول في العالم قد تصل إلى 50 عاما، والغاز الطبيعي حوالي 70 عاما، والفحم أكثر تأثيرا فهو باق لـ200 عام، والعالم يحتاج استخدام الرصيد من البنية التحتية، كما أن هناك فرصة جيدة وتكنولوجيات متقدمة تساهم في خفض جزء كبير جدا من انبعاثات الغازات الدفيئة، فالقضية ليس التخلص من الوقود ذاته بل الانبعاثات الناتجة في جميع المراحل.
على الدول أيضا أن تستخدم الإجراءات اللازمة للتخلص من الغازات الدفيئة والانبعاثات، عبر توفير التمويل وتوجيهه إلى تقنيات احتجاز وتخزين الكربون من محطات الإنتاج وهذا يحتاج إلى تكلفة مضافة حوالي 30% من تكلفة محطات الطاقة نفسها، ومد هذه التكنولوجيا يختزن جزءا كبيرا من هذه الانبعاثات والخزانات الجوفية الأرضية تستوعب الكثير من الكربون في قطاع النفط والغاز ولكن تحتاج تكنولوجيات واستثمارات كبيرة.
كما أن الغاز الطبيعي جيد كوقود انتقالي، لأنه أقل أنواع الوقود الأحفوري في الانبعاثات، وأستطيع أن أقول أن ما يحدث في العالم في ملف الطاقة ما هو إلا "مناورات سياسية" هدفها سياسي أكثر منه اقتصادي أو حل أزمة المناخ عالم الطاقة محفوف بمناورات سياسة شديدة التعقيد وهذه المناورات تتحكم في عالم الطاقة الآن، الحروب في العالم جزء منها مناورات تتعلق بالطاقة، ولكن إمدادات الطاقة في المنطقة العربية جيدة وتكاد تكون الصراعات على الطاقة غير محسوسة أو غير مؤثرة.
- وكالة الطاقة الدولية: نسعى لخفض تكاليف الطاقة المتجددة بالدول النامية
- الأمين العام لمؤسسة الطاقات المتجددة لأفريقيا: نتائج COP28 نقلة نوعية في تاريخ تغير المناخ
خريطة الحل
• في المجلس العالمي للطاقة هل لديكم حل أو ورؤية لأزمة الطاقة والانبعاثات؟
- المجلس أصدر تقريرا هاما عن العقد الأول من الألفية الجديدة يضع فيه خريطة تفصيلية لحل أزمة الطاقة وخفض الانبعاثات وهي التي تتوافق أيضا مع التقارير والرأي العلمي للهيئة الدولية الحكومية التابعة للأمم المتحدة، وهي أجندة من 7 تكنولوجيات لخفض الانبعاثات الدفيئة وتثبيتها لحدود عام 2000 ، وعليه يجب على العالم التوسع في : كفاءة الطاقة - الطاقة الشمسية – طاقة الرياح – طاقة حرارة باطن الأرض – طاقة الكتلة الحيوية – الطاقة النووية- اختزال وتخزين الكربون، هذه التكنولوجيات في حال التوسع فيها جميعا سيمكن استئصال نسبة (السٌبع)1/7، ونصل إلى التثبيت على خط الأساس، فكل تكنولوجيا من هذه تساهم في خفض 14% تقريبا من انبعاثات الغازات الدفيئة من الزيادة، وهذا يعني أن العالم يمكنه أن يسيطر على الزيادات، وهذه الحلول لازالت قائمة وصالحة حتى 2050، وتعظيم التكنولوجيات يعني استئصال الزيادات في الانبعاثات.
-كما أنه من الحلول الجيدة أيضا كهربة الخدمات ووسائل الإنتاج، والتحول إلى إدارة وسائل النقل بالكهرباء والتوسع في قطاعات النقل العام لتقليل استخدام السيارات.
• ما المزيج الأمثل لحل أزمة المناخ عالميًا في قطاع الطاقة؟
- السيناريوهات التي رسمتها الهيئة الحكومية الدولية ( IPCC ) التابعة للأمم المتحدة لعام 2050 لخفض الانبعاثات فيما يتعلق بإنتاج الطاقة باعتبارها أكثر القطاعات تأثيرا في المناخ والانبعاثات، هي النموذج الذي يتفق مع العلم، والواقع أيضا، فقد حددت مشاركة الطاقة النووية بنسبة 27% ضمن المزيج الأمثل لعام 2050.
aXA6IDE4LjIyNS45NS4yMjkg جزيرة ام اند امز