في 14 مايو/أيار ستُجرى أهم انتخابات رئاسية وبرلمانية في تاريخ تركيا على الإطلاق؛ وستحدد تركيا بها مصيرها ومسار مستقبلها السياسي والاقتصادي.
انتخابات ستُجرى في إطار نظام رئاسي جديد تبنته البلاد في عام 2018، يمنح الرئيس سلطات واسعة في الحكم، يعد إضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، والتطورات الدولية المتعلقة بالمنطقة والعالم، من بين العوامل المهمة في تحديد نتائج الاستحقاق الدستوري المقبل.
إلا أن الحزب الحاكم في تركيا (حزب العدالة والتنمية) يواجه تحديات عديدة: اقتصادية وسياسية ودبلوماسية؛ فقد ارتفعت مؤخرًا معدلات التضخم والبطالة في البلاد، وازدادت معاناة الشركات والمؤسسات من الصعوبات المالية إلى حد كبير في الداخل التركي، بالإضافة إلى معاناة تركيا من توترات دبلوماسية مع بعض الدول الأوروبية والعربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي.
وبالنظر إلى أهمية تركيا كدولة إقليمية ودولية، فإن نتائج الانتخابات ستكون لها تأثيرات على المنطقة كلها، وعلى العلاقات الدولية؛ لأنها عضو في حلف الناتو، وتلعب دورا مهما في الشؤون الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأزمة السورية والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والصراع في ليبيا، وغيرها من القضايا.
حتى هذه اللحظة، يصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات؛ إذ من الممكن حدوث مفاجآت في النتائج النهائية، إلا أن الأهم أن تجرى بشكل حر ونزيه، وأن تُحتَرم النتائج النهائية من قبل جميع الأطراف، وأن يتم العمل على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا.
وستكون الانتخابات في تركيا مناسَبة هامة للتعبير عن إرادة الشعب التركي، وتحديد المسار السياسي والاقتصادي للبلاد في المستقبل القريب، ويمكن أن تساعد في تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي، وتعزيز العلاقات الدولية، وتعزيز دور تركيا في الشؤون الإقليمية والدولية.
نظرة الغرب والولايات المتحدة
تتباين نظرة الغرب والولايات المتحدة إلى الانتخابات في تركيا حسب الجهة المعنية والمصالح السياسية والاقتصادية لكل دولة، إلا أنه من المتوقع أن تراقب الولايات المتحدة والدول الأوروبية الانتخابات عن قرب، لأهمية أنقرة كحليف استراتيجي، وشريك تجاري، ودولة إقليمية في شرق المتوسط والشرق الأوسط.
وكانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية أعربت في السابق، عن قلقها إزاء تقييدات على الحريات السياسية والاجتماعية في تركيا وانتهاكات حقوق الإنسان، لذا يُتوقع إلى حد كبير أن تتابع المخاوف المشابهة في الانتخابات المقبلة، وأن تتابع عن قرب سياسات تركيا الخارجية بما في ذلك العلاقات مع روسيا وإيران.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة تشهد توترًا في الآونة الأخيرة بسبب عدة قضايا، منها الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا، والعقوبات الأمريكية على تركيا، مما سيجعل نظرة واشنطن تتباين إلى الانتخابات في تركيا بناءً على هذه القضايا وعلاقتها المستقبلية معها.
إن الغرب والولايات المتحدة يتابعان تأثير الانتخابات في تركيا على الاقتصاد المحلي والعلاقات التجارية، كون أنقرة شريكًا تجاريًّا هامًّا لهما، مما يجعل من الطبيعي أن يراقبا عن كثب أي تغييرات في السياسات الاقتصادية لهذا البلد.
نظرة روسيا والصين
ولا يمكن تحديد نظرة الصين وروسيا للانتخابات التركية المقررة في منتصف الشهر المقبل؛ حيث إن كل بلد لديه مصالح وأهداف مختلفة؛ فالصين وروسيا تحافظان على علاقات جيدة مع تركيا على المستويين الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي يدفعهما إلى مراقبة الانتخابات بعنايةٍ، بغرض تقييم النتائج ومدى تأثيرها على علاقاتهما مع ذلك البلد.
الصين، تركز بشكل خاص على العلاقات الاقتصادية مع تركيا، كون أنقرة تعد واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لها في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.
ومن المتوقع إلى حد كبير أن تتابع الصين الانتخابات التركية بشكل كبير لتقييم النتائج ومدى تأثيرها على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
أما بالنسبة لروسيا، فإن تركيا تعتبر -أيضًا- شريكًا استراتيجيًّا مهمًّا لها، حيث يتعاون البَلَدان في العديد من المجالات، بما في ذلك الاقتصاد العسكري والطاقة والسياسة الخارجية؛ الأمر الذي سيدفع روسيا بشكل كبير إلى الاهتمام بالانتخابات التركية، لتقييم النتائج ومدى انعكاسها على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
بشكل عام، فإن الصين وروسيا تركزان على تعزيز العلاقات مع تركيا، حيث تعدّ أنقرة لهما بوابة هامة للوصول إلى الأسواق الأوروبية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى. لذلك، فإن الصين وروسيا ستسعيان إلى الحفاظ على علاقاتهما الجيدة مع تركيا بعد الانتخابات بغض النظر عن النتائج النهائية. مما يعني أن الصين وروسيا ستحاولان العمل مع الحكومة التركية المنتخبَة بعد الانتخابات، من أجل تحقيق مصالحهما المشتركة وتعزيز العلاقات بين البلدان الثلاثة.
ويجب الإشارة إلى أن العلاقات بين الصين وروسيا وتركيا ليست خالية من التحديات والتوترات؛ ففي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين الصين وتركيا بعض التوترات بسبب قضايا حقوق الإنسان في الصين، في حين تمتلك روسيا مصالحها الخاصة في منطقة البحر الأسود والشرق الأوسط، التي قد تتعارض مع مصالح تركيا في هذه المناطق.
وختامًا، لا بد من الإشارة أيضًا، إلى أن العلاقات الدولية تتغير باستمرار، وقد تتأثر بالعديد من العوامل المختلفة، بما في ذلك الأحداث الداخلية والخارجية والاقتصادية والسياسية.. لذلك، فإن نظرة الصين وروسيا للانتخابات التركية لا يمكن الحكم عليها بشكل نهائي، وستتطور بحسب المصالح والأحداث المستجدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة