تقترب تركيا يوما بعد آخر من تاريخ 14 مايو/أيار موعد أصعب انتخابات رئاسية وبرلمانية تشهدها البلاد منذ عقود.
انتخابات ستحمل معها الكثير من المفاجآت طالما أن شركات استطلاع الرأي عاجزة عن تقديم التقديرات المتقاربة والمقنعة حول النتائج والتوقعات .
التحدي الأكبر والأهم الذي ينتظر حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم في هذه الانتخابات، هو ليس مواجهة تكتل المعارضة أو التحرك باتجاه إعلان قرارات اللحظة الأخيرة في الداخل لكسب الأصوات المترددة أو الممتنعة عن التوجه إلى الصناديق، أو ضرورات مواصلة مراجعة سياساته في التعامل مع ملفات خارجية حساسة تتطلب المناورة السريعة لتغيير قناعة البعض. بل معضلة الالتفاف على عقبة أكبر وأهم وهي دفع الناخب الشاب في منتصف الشهر المقبل للتوجه إلى مراكز الانتخاب وقد حسم موقفه بمنحه صوته وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.
وبمقدور حزب العدالة والتنمية أن يحمي أصواته وشعبيته وسط شرائح الصوت المحافظ المتدين الذي هو ما فوق سن الأربعين، وأن يحاول إقناع الصوت المغادر أو المتردد بحسم موقفه لصالحه، لكن الثابت على قراره في كل هذه المواجهات وعمليات الشد والجذب هو الصوت الشبابي وتمسكه بما يقول منذ أكثر من عامين تحديدا حول نظرته إلى العملية الانتخابية وموقفه منها .
نحن نتحدث عن 6 ملايين و200 ألف شاب سيصوتون للمرة الأولى في انتخابات الشهر المقبل. ومشكلتهم هي أن البعض يريد أصواتهم ولا يريد بالمقابل أن يصغي إلى ما يقولونه في مطالبهم حول نمط العيش والتعليم والمشاركة السياسية والاجتماعية وشعارات التغيير والحريات وضمانات فرص العمل.
كثر هم من يعتبرون أن السبب الأول في سيناريو هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لن يكون برامج أحزاب المعارضة الاقتصادية والإنمائية ووعود الإصلاح والتغيير السياسي والاجتماعي والدستوري التي تروج لها، بل الحواجز التي يضعها ملايين الشبان الأتراك الذين أعلنوا بنسب كبيرة عن رفضهم لدعم تكتل "تحالف الجمهور"، أو جاهروا حسب استطلاعات الرأي بقرار التصويت لصالح أحزاب المعارضة، أو سيلجأون إلى اعتماد الخيار الثالث وهو الامتناع كليا عن الذهاب إلى الصناديق. مشكلة أردوغان وحزبه ستكون مع الملايين من الصوت الشبابي الذي يتمسك بلا، ولا يريد تركها حتى الآن، وحيث عجزت القيادات والآلة الحزبية عن إيجاد البديل الذي يدفع هذه الشريحة للتراجع عن مواقفها وقناعاتها .
الأرقام المعلنة تشير إلى وجود 13 مليون ناخب شاب من أصل نحو 64 مليون ناخب تركي يتمركزون بين فئتين من الأعمار: مواليد عام 1997 وعددهم نحو 7 ملايين، و6 ملايين شاب سيشاركون للمرة الأولى في عمليات التصويت وهو ما يطلق عليهم الجيل الجديد أو جيل"Z" .
شريحة تعرفت الفئة الأولى منها على حزب العدالة وهي في سن الخامسة وعايشته حتى اليوم. وفئة أخرى ولدت في عهده ولا تعرف حزباً معارضاً آخر حظي بفرصة الوصول إلى السلطة لتتمكن من المقارنة واختيار ما تريد. هي كتلة شبابية كبيرة لم تعايش سوى حزب العدالة والتنمية بكل إيجابياته وسلبياته تريد اختبار الآخرين أيضاً علها تجد عندهم ما تبحث عنه. كتلة لها ميولها ومتطلباتها وطريقة تفكيرها ونظرتها إلى نفسها وإلى الآخرين تطارد فرصتها التي لم يتمكن الحزب الحاكم من إقناعها بأنه فعل وسيفعل ما بوسعه من أجلها.
أصعب ما في الأمر ربما حسب استطلاعات عديدة للرأي حول هذه الفئة هو إعلان أكثر من 70% منها، أنهم يفضلون العيش في مكان آخر. في حين يقول أكثر من 60% إنهم لا يرون مستقبلا باهرا ينتظرهم حيث هم. إذا ما صحت مثل هذه التقديرات فهي ستتطابق مع تقديرات أخرى ستكون موجعة حقا للحزب الحاكم بعضها يقول إن نسبة الشباب المؤيدين لحزب العدالة تراجعت من 49% خلال الانتخابات الأخيرة إلى نحو 38% اليوم. والبعض الآخر يردد أن نسبة 80% من هذا الجيل لن تصوت لصالح حزب العدالة .
صحيح أن الحزب الحاكم هو الذي مكنها من المشاركة في العملية الانتخابية مرتين بعد قرار تخفيض سن التصويت إلى 25 عاما أولا ثم إلى 18 سنة لاحقا. وصحيح أن الحزب قدم الكثير أيضا لهذه الشريحة في مجالات التعليم والمشاركة السياسية والمنح والإقامة الجامعية. لكنها تتمسك بقول إن ما تريده هي لا يؤخذ بعين الاعتبار وإن حلمها وتطلعاتها أبعد من الواقع الذي تعيشه اليوم .
تعطي الأحزاب السياسية التركية الأفضلية للناخب المضمون وليس للناخب المتردد القلق والمتقلب.
وتتنافس تكتلات الحكم والمعارضة على طرح المشاريع الاقتصادية والسياسية والمعيشية التي تقنع الناخب بدعمها. لكنها تهمل ما تقوله وتريده شريحة واسعة من مكونات المجتمع التركي. شريحة من المفترض أنها تلعب دور جسر التواصل بين الحاضر والمستقبل كما تردد القيادات السياسية، لكن مشكلتها هي عدم الأخذ بميولها وتوجهاتها وخياراتها المختلفة التي لا تريد التراجع عنها أو تبديلها .
شريحة تعتمد التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والهواتف الذكية في التخاطب، غير راضية عن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي وأرقام البطالة والتضخم وعرقلة ممارسة ما تريد بحرية وشفافية بعيداً عن محاولات الحد من تلبية مطالبها وتحقيق أمنياتها.
جيل يوصف بالرقم الصعب في الثروات البشرية والخدماتية والمحرك الأول في استمرارية البناء ومواصلة الطريق. وفئة تستطيع لو توحدت أن تشكل الثقل الانتخابي الثالث إلى جانب تكتلي الحكم والمعارضة، وتمثل 18% من مجموع أصوات الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما. وفئة ليست بعيدة عن السياسة حتى ولو كانت بعيدة عن الأحزاب والالتحاق بها. مشكلتها هي في إيصال رسالتها وإسماع صوتها ومحاولة تهميشها وتجاهلها وعدم الإصغاء إلى ما تقول وتريد.
كتلة شبابية قد تكون خياراتها الفكرية والعقائدية والسياسية متباعدة بين محافظ متدين أو علماني يساري لكن ما يوحدها اليوم هو انتظار فرصتها وما ستراه عشية الـ14 من الشهر المقبل أمام الشاشات وما ستعلنه اللجنة العليا للانتخابات، وعلى ضوء ذلك ستحرك خيارها الآخر في حال لم تعجبها النتيجة وهو طرح موضوع الهجرة بحثا عن فرص اجتماعية ومادية أفضل في مكان آخر وهي خسارة لن تعوض لسنوات طويلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة