تصدرت دبي وأبوظبي مُدن الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا في مؤشر المُدن الذكية لعام 2023 الذي صدر الخميس الماضي عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية.
وفي حين جاءت أبوظبي في المركز 13، فإن دبي سجلت المركز 17، لتحتفظ المدينتان بالحضور ضمن الــ20 مدينة الأذكى في عالم.
النقطة الجديرة بالرصد في هذا الإنجاز العالمي "الذكي" لدولة الإمارات، أن الذكاء هنا ليس بالمعنى التقني فقط كما يمكن أن يوحي للبعض، وإنما الذكاء بمعنى شامل ومتكامل في تسهيل الحياة للإنسان. فمفهوم المدن الذكية ليس شرطاً أن معناه امتلاك هذه المدينة أو تلك بنية تحتية تكنولوجية قوية أو توافر شبكة بيانات واتصال إلكترونية متقدمة؛ وإنما هي مدن تجتمع فيها كل مواصفات الحياة المثالية السعيدة.
وبما أن التقدم التكنولوجي والتقنيات الحديثة لا تعني السعادة أو الراحة بالضرورة، فإن امتلاك التكنولوجيا الحديثة بدوره لا يساوي الذكاء ولا يؤدي إليه بشكل حتمي. وإلا لكانت مدن محددة أو دول دون غيرها احتكرت مراكز الصدارة في مؤشر المدن الذكية على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال تتصدر ولاية كاليفورنيا الأمريكية البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في العالم، خصوصاً في مجال الحواسيب والاتصالات. ورغم ذلك هي ليست ضمن العشرين مدينة الأولى في قائمة المدن الذكية.
كذلك الأمر بالنسبة للهند، فهي واحدة من الدولة المصدرة للعقول الإلكترونية إلى العالم، وتمتلك قواعد صناعية متقدمة لإنتاج الدوائر الإلكترونية وأشباه الموصلات. ورغم ذلك فهي لا تحظى بأي مرتبة ضمن المدن الموصوفة بالذكية.
ما أريد قوله هنا، إن الأمر يتجاوز الحدود المادية المباشرة للذكاء بوجهه الإلكتروني، فالمقصود بالمدينة الذكية هو امتلاك ذلك التوازن المثالي بين الجوانب المختلفة، فالقدرة على إدارة وتلبية متطلبات الحياة ومواجهة أعبائها، هي عين الذكاء المقصود في هذا التقييم العالمي. وهو بذلك لا يبتعد كثيراً عن مفهوم السعادة، بل هو شق رئيسي فيها. ولذلك، لا يمكن أن تجد أياً من المدن أو الدول التي تتصدر مؤشر المدن الذكية، أنها تعاني من مشكلة حياتية جذرية أو تشهد نقصاً أو خللاً في الخدمات الأساسية أو البنية الخدمية أو حتى في المكانة أو الصورة الذهنية عنها لدى الشعوب الأخرى.
بل إن المدن الذكية تجد شعوبها تتمتع بمستوى معيشي شديد الامتياز والخصوصية، سواءً على مستوى الخدمات الأساسية أو حسب معدلات الرفاهية. فسويسرا تحتل فيها مدينة زيوريخ المرتبة الأولى لأذكى مدن العالم. وتتسم حياة السويسريين والمقيمين هناك بالهدوء الشديد والنظام والانضباط الصارم، تماماً كما تتسم الساعات السويسرية بالدقة والجودة والثقة. كما تكون مدينة دبي هي الأولى على العالم في "رأس المال الاجتماعي" الذي يقصد به المقومات الاجتماعية لسكان المدينة، مثل الانسجام المجتمعي وكثافة التواصل والحوار وتدفق التفاعل بينهم وكذلك بينهم وبين المؤسسات الرسمية.
وفي ظل هذا المنظور الشامل للحياة وللاهتمام بالإنسان، يكون من الطبيعي أن تحتفظ دولة الإمارات للعام السادس على التوالي بصدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المركز السابع عالمياً على مؤشر أغلى العلامات التجارية للدول. وتمثل دولة الإمارات ثاني أفضل وجهة على مستوى العالم للقادمين الجدد لبدء حياة جديدة خارج البلدان الأصلية. متفوقة في هذا المؤشر المهم على معظم دول العالم الكبرى والمتقدمة والسعيدة، وهذا له دلالاته ومعانيه التنموية.
أذكر هذا المثال لأقول إن دولة الإمارات التي تحجز لنفسها مكانين ثابتين على قائمة أكثر المدن ذكاء في العالم، لكل من أبوظبي ودبي، لا تتوقف عن حصد المراكز وتحقيق الإنجازات في مختلف مجالات الحياة. والسر وراء ذلك التفوق ليس لأنها تسعى إلى كسب الألقاب لتكون الأعلى والأكبر والأولى وإنما هي (دولة الإمارات) تسعى بكل جهد وذكاء من أجل سعادة الإنسان الذي يعيش على أرضها، بل وعلى كل الكرة الأرضية وفق المبادرات التي نراها بشكل دوري ومستمر؛ لكنها تبدأ من نفسها فهذه هي الفلسفة الحقيقية لكل التجارب الناجحة، وبالتالي فإن تلك الجهود الحيوية والنشطة هي التي تعمل على تقدم الدولة وارتقائها لأعلى المراتب تلقائياً.
إن هذه الدرجات والمراتب هي محصلة جهد ضخم مبذول وعمل مستمر لتحصيل ذلك المستوى الرفيع من الرضا والسعادة للإنسان الإماراتي أو المقيم فوق أراضيها. ومرتبة الإمارات في التقرير العالمي الجديد عن المدن الذكية تؤكد مجدداً أن ذكاء المدن والدول لا يتحقق إلا بذكاء ورشادة الإنسان وإنسانيته، قائداً ومواطناً عادياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة