بعد شهور من تصاعد التوترات السياسية والمناوشات العسكرية، بدأت منطقة الشرق الأوسط تقترب من انفجار حروب شاملة في أكثر من جبهة.
ولعل السبب الأساسي في هذا التطور السلبي على المستوى العسكري والاستراتيجي، هو إصرار بعض الأطراف على المضي قدماً في سياسات وتحركات كانت سبباً مباشراً في تأزيم الموقف على مدى الفترة الماضية التي تمتد إلى عام سابق.
وطوال تلك الأشهر الماضية، فإن الدول المحورية في المنطقة التي تتسم سياستها بالعقلانية ورشادة القرار، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، عملت على الحيلولة دون تدهور الوضع الأمني والاستراتيجي الإقليمي وتجنيب شعوب المنطقة خطر حرب شاملة مدمرة.
فبعد التنبيه إلى خطورة ما تلا هجمات 7 أكتوبر من دمار في قطاع غزة وقتل وتشريد لسكانه المدنيين، حذرت دولة الإمارات وغيرها من الدول ذات الثقل في المنطقة وخارجها، من أن استمرار الحرب في غزة يضع المنطقة أمام احتمالات اتساع دائرة الصراع ودخول أطراف أخرى في تفاصيل الحرب بما قد يحيل تلك الحرب إلى أن تكون حرباً إقليمية متشابكة الجبهات والأطراف.
إلا أن اندفاع إسرائيل نحو استخدام القوة الطاغية وتسرع إيران بالانخراط في مناوشات مباشرة وغير مباشرة مع تل أبيب، نقل جزءاً كبيراً من مجريات الحرب في غزة إلى الجبهة اللبنانية، بالإضافة إلى التراشق الصاروخي المستمر بين طهران وتل أبيب منذ أسابيع. فضلاً عن استمرار المناوشات مع حلفاء إيران في العراق واليمن وسوريا.
فالمشهد الحالي الملتهب في الشرق الأوسط، جدير بأن تراجع كل الأطراف الداخلة فيه حساباتها، خصوصاً إسرائيل وإيران. وعليها إدراك أن تحركاتها خلال الأشهر الماضية، وتجاهلها للتحذيرات والدعوات المتتالية لوقف آلة الحرب الدائرة، أوصل المنطقة إلى حافة الحرب. وما لم يتم استدراك "كرة الثلج" التي تتضخم وتتعاظم مخاطرها، فربما لن يمكن تطويق تبعاتها الخطيرة على أمن واستقرار شعوب ودول المنطقة.
وبما أن الدول الكبرى في الشرق الأوسط تبذل مساعي متواصلة لتجنيب المنطقة المصير المجهول، فإن إطفاء نيران الحرب والدمار قبل انتشارها، صار بالضرورة مسؤولية مباشرة على القوى الكبرى في العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لسبب مهم وهو أنها هي التي تملك بالفعل أدوات الضغط المباشر والفعال على أطراف المواجهات الدائرة، ودفعها إلى التراجع عن التصعيد المتبادل ووقف لعبة "عض الأصابع" التي من شأنها تحويل الشرق الأوسط إلى بؤرة اندلاع حرب عالمية ثالثة.
الكل يدرك أن المرحلة الحالية حرجة وحساسة على المستوى العالمي. لسبب أساسي وهو أن انتخابات الرئاسة الأمريكية تجري بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الآن. ما معناه أن الإدارة الأمريكية، الأكثر قدرة وتأهيلاً لممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل وإجبارها على وقف مغامراتها العسكرية والمقامرة بأمن واستقرار المنطقة، ولكن هي الآن في حالة شلل كامل ومقيدة بحسابات انتخابية دقيقة ومعقدة. وهو وضع كفيل بأن تعجز واشنطن عن أي تحرك أو بادرة ولو بسيطة ضد إسرائيل.
أما الدول الأوروبية، فهي الأخرى منشغلة تماماً بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وتسعى جاهدة إلى تأمين احتياجاتها من الطاقة خلال فصل الشتاء الذي بات وشيكاً. وهو ما يتطلب صيغة ملائمة وعملية تضمن عدم التعرض لأزمة متعلقة بالطاقة، خصوصاً بالنسبة للواردات الأوروبية من الغاز الروسي.
ولا يتبقى من القوى الكبرى في العالم، سوى روسيا والصين. وهما لا تملكان ما يكفي من أوراق الضغط على إسرائيل، وليس لديهما دوافع أو مصالح في الضغط على إيران. بل إلى حد كبير لموسكو وبكين مصلحة جيوستراتيجية واقتصادية وسياسية في استمرار الاستقطاب الإقليمي مثل العالمي، واستنزاف موارد وقدرات القوى الغربية في الشرق الأوسط، كما هو في أوكرانيا.
وبما أن المنطقة المهمة في الاستراتيجية العالمية قد أصبحت على حافة الانفجار، فإن القوى الكبرى مطالبة بالتحرك والتصرف لمواجهة هذا الاندفاع نحو الحرب والدمار. والانشغال باستحقاقات داخلية في واشنطن أو إقليمية في أوروبا، لا يبرر التقاعس عن نزع فتيل حرب شاملة قد تهدم ما يجري بناؤه منذ عقود في الشرق الأوسط.
على الدول الكبرى جميعها أن تتذكر أن استقرار الشرق الأوسط، مدخل أساسي إلى استقرار ومستقبل العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة