العلاقة التي نسجت استخبارات أردوغان خيوطها مع تنظيم داعش الإرهابي تكاد تكون أنموذجاً لذلك الصنف من الأنظمة الفاشية.
ورقة ضغط وابتزاز سياسي جديدة يشهرها أردوغان مجدداً في وجه المجتمع الدولي ملوّحا بنشر مزيد من الفوضى ، هذه الورقة هي إرهابيو داعش الذي ظل الرئيس التركي يحتفظ بها ويتاجر بها على مدى ما يقارب السنوات الست ؛ أي منذ ظهور هذا التنظيم الإرهابي إلى حيز الوجود بداية في العراق وتالياً في سوريا ينتقل الإرهاب الأردوغاني اليوم إلى مسارح جديدة وبأدوات اعتقد الكثيرون أن الزمن عفا عليها.
والمقصود هنا هو الكشف عن نقل تركيا حوالي 2500 عنصر من عناصر تنظيم داعش الإرهابي من الجنسية التونسية إلى ليبيا، رغم جميع عمليات التمويه والمخاتلة التي انتهجها الجانب التركي لنفي العلاقة التبادلية بين أردوغان واستخباراته من جهة وتنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى.
إلا أن الوقائع وعمليات التقصي والمتابعة التي قامت بها عيون الرصد العالمي الاستخباراتي وغيرها قدمت الكثير من البراهين على وجود علاقة عضوية بين أردوغان وهذا التنظيم الإرهابي ولم تتوقف العلاقة عند حدود إبعاد خطره؛ بل شكلت نوعاً من التخادم المتبادل بين دولة بحجم تركيا وتنظيم إرهابي متطرف.
فما هي القواسم المشتركة التي جمعت بينهما ؟ وكيف أمكن لأردوغان استغلال تطرف وإرهاب هذا التنظيم لتحقيق أجنداته في أكثر من مكان؟ وهل كان المجتمع الدولي والأوروبيون تحديدا غافلين عن ارتباط إرهابيي داعش بالحاضنة التركية؟ إلى أي مدى يمكن أن يذهب أردوغان حاليا في عملية استثمار متطرفي التنظيم لخلق الفوضى في ليبيا؟ ولماذا تدفع الحكومة التركية في هذا التوقيت تحديدا بضعة آلاف من إرهابيي داعش إلى تلك المنطقة ؟ وما الغاية التي يسعى إليها أردوغان لزج آلاف الإرهابيين من التابعية التونسية تحديداً في قلب منطقة المغرب العربي؟ .
وعلى مدار السنوات الست الماضية توضحت الكثير من الحقائق التي تدين أردوغان بسبب نزعته التوسعية والعدوانية ضد دول الجوار وغيرها ، لكن أن يتماهى العثماني الجديد مع تنظيمات إرهابية دموية بحجم إجرام داعش ؛ فذلك يطرح استفهامات واسعة حول طبيعة هذا النظام وآلية تفكيره وأجنداته إضافة إلى الخطر الذي يمكن أن ينقله أويجلبه أينما حل .
صورة الأنظمة الفاشية الماثلة في الأذهان وكذلك البنى التي قامت عليها تلك الأنظمة تقدم الكثير من القرائن على أن هاجسها ومحركها لتحقيق غاياتها يكمن في أساليب عملها وسياساتها القمعية من جانب، ومن جانب آخر الاستعانة أو التعاون مع تنظيمات أشبه ما تكون بالمافيوية بحيث تبني علاقة أقرب ما تكون إلى صيغة التخادم المتبادل بينهما ويعمل كل طرف على تلبية رغبات الطرف الآخر وتحقيق أهدافه تحت جنح الظلام مع المحافظة على البروبغاندا العدائية ضد بعضهما البعض للتمويه على التوطؤ القائم بينهما.
وربما في بعض الأحيان تقتضي مصالحهما المشتركة أو مصلحة أحدهما تنفيذ أعمال عنيفة ضد الآخر سعياً لذرالرماد في العيون والإيحاء بالعداء المتجذّر بينهما ، والعلاقة التي نسجت استخبارات أردوغان خيوطها مع تنظيم داعش الإرهابي تكاد تكون أنموذجاً لذلك الصنف من الأنظمة الفاشية .
العلاقة التي نسجت استخبارات أردوغان خيوطها مع تنظيم داعش الإرهابي تكاد تكون أنموذجاً لذلك الصنف من الأنظمة الفاشية .ويظهر ذلك من خلال توجيه أدوات الإرهاب التركي نحو الشمال الإفريقي عبر البوابة الليبية.
ويظهر ذلك من خلال توجيه أدوات الإرهاب التركي نحو الشمال الإفريقي عبر البوابة الليبية يُفصح عن وجهين، الأول الانتقال من مرحلة التكهنات والاتهامات لأردوغان لرعايته الإرهاب وتوظيفه للتنظيمات الإرهابية إلى اليقين الراسخ بأن هذا الرجل يتبنى الإرهاب ويستخدمه ويوظفه لتحقيق أغراضه السياسية الخارجية على حساب الأمن والسلم الأهلي والاجتماعي للدول المنكوبة بإرهابه مع ما يثيره ذلك من مخاطر على الأمن الإقليمي والدولي برمته.
أما الوجه الثاني فيتمثل بأن ما حققه أردوغان عبر توظيف إرهاب داعش في سوريا وما بنى عليه من ابتزاز ضد الأوروبيين سواء في موضوع اللاجئين وتدفقهم أو في عملية الضغط عليهم بإعادة عدد من إرهابيي داعش من جنسيات أوروبية إلى بلادهم يمكن أن يستمر على المنوال ذاته في تبرير نزوعه نحو خلق الفوضى في تلك المنطقة واستغلالها لتقوية حضوره ونفوذه ودوره .
ليس غريبا؛ أو لنقل ليس جديداً هذا الاحتضان التركي لتنظيم داعش الإرهابي طالما أن أردوغان وباعترافات كثير من إرهابيي التنظيم وكذلك بعض من المتابعين والنشطاء الأتراك هو واستخباراته من ينسقون ويرتبون جميع مقتضيات ومستلزمات واحتياجات التنظيمات الإرهابية كداعش وتنظيم القاعدة في بلاد الشام وغيرها ، لكن ذلك يجب أن لا يبعدنا عن جوهر الحكاية الأصلية وهي أن أردوغان وحزبه هم الحواضن الواسعة للرحم الذي أنجب كل هذا التنظيمات وهو تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
التحول التركي في استخدام إرهاب داعش في الشمال الإفريقي لايعني بالضرورة أن أردوغان استنفد مصالحه مع داعش في المشرق العربي ؛ ربما يكون قد رسم دوراً جديداً لهذا التنظيم في تلك المنطقة باستنساخ آلياته و دمويته وتطرفه لنشر الفوضى وإغراق تلك دول المغرب العربي فيها واستغلال ذلك لتحقيق أهدافه الخارجية السياسية منها والاقتصادية والاستراتيجية المرتبطة بواقع الجوار الأوروبي والعربي لليبيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة