الكاظمي أضعف من ان يكون الوسيط بين إيران وبلدان الخليج وحل الأزمات بينهما
حاول مصطفى الكاظمي، منذ تسلمه لزمام السلطة في العراق أن يعمل على شق طريق مغاير لما سلكته الحكومات العراقية السابقة، ورسم سياسة داخلية وخارجية تتسم بالموضوعية والعقلانية بما يخص احتجاجات تشرين والمليشيات المسلحة والعلاقة مع إيران والعلاقات العراقية الخليجية التي تعاني من فتور منذ احتلال العراق للكويت في عام 1991.
فهو أول رئيس وزراء يدرك أهمية المحيط العربي الذي أهملته الحكومات السابقة لصالح ارتباطها بإيران، في الجهة الأخرى، كانت بلدان الخليج ولا تزال تسعى إلى إعادة العراق إلى حاضنته العربية.
لكن العوائق تظهر من إيران وتوجه الأحزاب والمليشيات الموالية لها، مما زادت في تعميق الشرخ بين العراق وبلدان الخليج العربي.
أصرّت الحكومات السابقة على إعطاء العراق وجها مذهبيًا طائفيًا محددًا، متجاهلة عمقه القومي العربي وهويته العراقية، وهو إصرار غريب لم يعرفه العراق في تاريخه السياسي الحديث.
وهذه المصالح الوطنية ترتبط بحاضنته العربية والخليجية أكثر من ارتباطه بأي دولة أخرى.
لم يبذل عادل عبد المهدي، في الحكومة السابقة، أي جهد لرأب الصدع بين العراق ومحيطه الخليجي، بل ساهم في إبعاده عن حاضنته الحقيقة من خلال تعميق علاقته مع إيران ، وهذا ما زاد من حدة التوتر مع تظاهرات تشرين الاحتجاجية التي أسقطت حكومته.
لقد أدرك الكاظمي هذا الخلل، وسعى إلى فتح الأبواب التي أغلقتها الحكومات السابقة، وأولها فك الارتباط بإيران، والأحزاب والمليشيات التي تدور في فلكها. فالدوران في فلك إيران يجعل من العراق ساحة للصراع بينها وبين الولايات المتحدة، وهو يعاني من هشاشة اقتصاده.
إن عدم خلق التوازن بين العراق ومحيطه العربي من شأنه أن يجعل منه بلدًا هشًا وضعيفًا لأنه يستمد قوته من بلدان الخليج وليس من إيران التي تخضع للعقوبات الأمريكية ويعاني اقتصادها من التضخم، لأن العراق ببساطة يراهن على الحصان الخاسر بجميع المقاييس.
لقد أدرك الكاظمي هذا الخلل، وسعى إلى فتح الأبواب التي أغلقتها الحكومات السابقة، وأولها فك الارتباط بإيران ، والأحزاب والمليشيات التي تدور في فلكها. فالدوران في فلك إيران يجعل من العراق ساحة للصراع بينها وبين الولايات المتحدة، وهو يعاني من هشاشة اقتصاده، وتبعيته، وانعدام الزراعية والصناعة فيه واعتماده على مورد النفط فقط.
لم تجد بلدان الخليج حكومة عراقية قوية لكي تتعامل معها، وتقيم معها علاقات متوازنة، لكنها وجدت بادرة ايجابية من قبل حكومة الكاظمي لكنها تنتظر الدليل العملي.
إن ابتعاد الكاظمي عن إيران يعطي بصيص أمل للعراق في العودة إلى محيطه العربي، والاستفادة من حالة الاستقرار والازدهار الاقتصادي الذي تعيش فيه بلدان الخليج. ولكن ما يعيق هذا الأمل أجواء الخطف والقتل والكورونا والمأزق الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط وغيرها من المشاكل المتراكمة منذ أكثر من عقد ونصف.
لا يمكن أن تقوم علاقات طبيعية بين العراق وبلدان الخليج العربي في ظل تغوّل الأحزاب والمليشيات التي من شأنها زعزعة سلطة الدولة وهيبتها.
لذلك إن أي خطوة باتجاه هذه العلاقات لا بد أن يسبقها خطوات مثل حصر السلاح بيد الدولة، وضبط الحدود، وإعادة المهجرين السنّة إلى مناطقهم بعد أن رُمي بهم في المخيمات البائسة.
وبدون حل هذه الملفات تبقى علاقات العراق مع دول الخليج غير ناضجة أو مكتملة.
تسعى إيران إلى عزل العراق عن محيطه العربي لأنها جعلت منه حديقة خلفية لها، ومصدر استثمار وحل لأزماتها المعقدة وتحويلها إلى ساحة صراع مع الأمريكيين. ومن ناحية أخرى، لا يمكن لهذه العلاقات أن تزدهر في ظل استمرار إيران على التدخل في شؤون دول الخليج وسعيها إلى توسيع نفوذها في المنطقة، فهي لا تتصرف بعقلية الدولة الطبيعية من خلال تدخلاتها في اليمن ولبنان والعراق.
يبقى الكاظمي أضعف من ان يكون الوسيط بين إيران وبلدان الخليج وحل الأزمات بينهما.
وكما أشارت صحيفة "إيران ملي" بأن زيارة الكاظمي لإيران تستهدف توطيد العلاقات الثنائية وليس القيام بمهام وساطة.
وتهدف زيارة الكاظمي لإيران إلى ضبط الدورالإيران ي في العراق، ولكن ذلك لا يمكن تحقيقه في ظل الخلل الحاصل في ميزان التبادل التجاري المجحف في حق العراق، وقد وصل هذا الميزان إلى 20 مليار دولار سنويًا، تحرص إيران على الحافظ عليه لأنه يضمن التوازن الداخلي لها، ويدر عليها أرباحًا كبيرة في مجال الاستثمار والموارد من دون قدرتها على تقديم أي دعم حقيقي للعراق في مجال الكهرباء أو في وباء كورونا، أو في مجال مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
لم تثمر زيارة الكاظمي إلى إيران بأية نتائج ايجابية لأنها ظلت مشلولة أمام النهج الذي تتعامل به مع العراق، وهي الضغط عليه للتكيّف مع أجندة إيران ، وهذا ما جسده خطاب مرشد إيران علي خامنئي الذي أكد على استراتيجية إيران في جعل العراق ساحة مواجهة مع الولايات المتحدة عبر مليشياتها رغم تأكيد الكاظمي على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية الذي لم يجد أي صدى في الجانب الإيران ي.
لا يزال توتر العلاقات الإيرانية - الأمركية يلقي بظلاله الثقيلة على العراق ويمنع دواليب التطور والانفتاح من الدوران.
والسؤآل الذي يطرح نفسه: ما هو مستقبل العلاقات العراقية الإيران ية بعد هذه الزيارة؟
تبقى أنفاس إيران طاغية على السياسية العراقية مهما فعل الكاظمي لأنه مُكبل بضغوطات الأحزاب والمليشيات الموالية لها، والتي تشلها من التحرك في حل الملفات الداخلية والخارجية.
مما لا شك فيه، إن احتمال المواجهة الإيران ية مع الولايات المتحدة سيعمل على تقويض طموح الكاظمي السياسي الذي ينتظره الشارع العراقي على أحّر من الجمر، ولم تغير زيارته إلى إيران من نظرتها السياسية باعتبار العراق العمق الاستراييجي لها عبر اعتمادها على السلطة الخفيّة للدولة العميقة التي تعمل من وراء كواليس الدولة الرسمية التي تحولت إلى مجرد هيكل وواجهة ليس إلا.
مستقبل العلاقات العراقية الخليجية مرهون بفك العراق لارتباطه بإيران والتحرر من هيمنة الأحزاب والمليشيات وانفتاحه على حاضنته العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة