انتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، هو بحد ذاته سبب كاف لإفشال خطط إنشاء التحالف الدولي ضد الصين.
اختار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لندن ليعلن منها رغبة بلاده بتشكيل تحالف دولي ضد بكين. يبدو المكان والزمان مناسبين، ولكن المهمة لن تكون سهلة أبداً. فقرار معاداة الصين يحتاج إلى كثير من الدقة والحذر والجرأة والاستعداد. لأنها ببساطة ليست مجرد رقم على قوائم أعضاء الأمم المتحدة.
عندما نتحدث عن الصين فنحن نقصد واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. وقطب اقتصادي وعسكري وسياسي يناظر الولايات المتحدة ويتفوق عليها في أماكن متعددة. كما أن بكين ترتبط مع دول العالم بشبكة علاقات مهولة يصعب تجاوزها لاعتبارات كثيرة طويلة الأجل في غالبيتها.
الحكومة البريطانية انضمت للحلف الأمريكي دون إعلان ذلك صراحة. كان حظرها عمل شركة هواوي في المملكة المتحدة أبلغ من أي تصريح. ولكن حتى لندن لا يبدو أنها مستعدة للقطيعة الكاملة مع بكين. فهي بأمس الحاجة إلى علاقات اقتصادية مزدهرة معها ومع غيرها بعد مغادرتها للعائلة الأوروبية.
الاتحاد الأوروبي لا يبدو متشجعاً أيضاً لمعاداة الصين. قد يدعم المساعي الأمريكية للضغط على بكين ودفعها نحو مزيد من التعاون في ملفات سياسية واقتصادية عدة. ولكن التصريحات الأوروبية الرسمية حتى الآن، تقول إن بروكسل تفضل لعب دور الوسيط من أجل إطلاق حوار استراتيجي بين بكين وواشنطن.
انتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، هو بحد ذاته سبب كاف لإفشال خطط إنشاء التحالف الدولي ضد الصين. أو بتعبير أدق، تأجيله ومماطلة الدول في الانضمام إليه
إن كان هناك احتمال لتخلي الأوروبيين عن الصين بشكل نهائي فلن يكون ذلك في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لم يقدم ترامب عربون وفاء واحد لحلفائه الأوروبيين منذ أن حل في البيت الأبيض. وشعار "أمريكا أولا" الذي رفعه مع قدومه إلى السلطة بث الشك في كل من كان يراهن على واشنطن.
مشكلة الأوروبيين مع سياسة إدارة البيت الأبيض الحالية تتمثل في تفضيل الداخل على الخارج. وهي أزمة كل حلفاء الولايات المتحدة حول العالم. لا أحد يستطيع أن يحدد توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب. ولا يمكن التنبؤ بتلك الخطوط الحمر التي لن يتجاوزها في عدائه أو دعمه لدولة ما.
عندما يتحدث وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر عن مواجهة محتملة مع بكين في بحر الصين فهو يشير إلى سقف مفتوح في العداء بين الدولتين. قد ينطوي الأمر على نوع من المبالغة، لكن لم يعد هناك مستحيل بعد كل هذا الموت والخراب الاقتصادي والسياسي والصحي الذي خلفته جائحة كورونا حول العالم.
أربك ترامب حسابات الجميع منذ توليه الرئاسة. والرهان على صداقته أو خصومته بينما يحاول الحصول على ولاية رئاسية ثانية، يبدو مغامرة غير محسوبة. كل الدول تأخذ الاحتمالين بعين الاعتبار في وضع تصوراتها للعلاقة مع أمريكا خلال السنوات الأربع المقبلة. خاصة وإن استطلاعات الرأي باتت تتحدث عن تزايد فرص المرشح الديمقراطي جو بايدن في الفوز بانتخابات الرئاسة المقبلة.
انتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، هو بحد ذاته سبب كاف لإفشال خطط إنشاء التحالف الدولي ضد الصين. أو بتعبير أدق، تأجيله ومماطلة الدول في الانضمام إليه. قد تتخلى واشنطن عن فكرة هذا التحالف تماماً إن فاز بايدن. وقد يقدم ترامب ذاته على ذات الخطوة إن كان عداؤه للصين بغرض الدعاية واستعطاف الناخب الأمريكي للتصويت له في الاستحقاق الرئاسي المقبل.
بغض النظر عن الانتخابات الرئاسية وأغراضها الدعائية، تمتلك الولايات المتحدة أسباباً كثيرة للنقمة على الصين تشترك فيها مع دول شرقية وغربية عديدة. على رأس هذه الأسباب طبعاً تلك الآلية الضبابية التي اتبعتها بكين في التعامل مع وباء كورونا، وأدت لانتشار الجائحة بكل هذا الكم والكيف حول العالم.
ربما تكون أزمة كورونا هي أكثر ما يدعم العالم فيه الولايات المتحدة ضد الصين. فكل ما جاء بعدها أو قبلها من خلافات بين الدولتين تتباين حوله الرؤى، ولا تتفق عليه واشنطن وحلفاؤها إلى حدود التطابق. وهذا التباين مهما بدا صغيرا فإنه قد يكون مؤثرا ومعطلاً في مساعي الجبهة الموحدة ضد بكين.
تقول الصين إنها لا تريد منافسة أمريكا في قيادة العالم تكنولوجيا وسياسياً. ولكن الحقيقة هي أن بكين أزاحت واشنطن عن الصدارة العالمية في طلبات براءة الاختراع. وتفوقها تطورا في الجيل الخامس للانترنت. وتتقدم عليها استثماراً في إفريقيا. وتعيق خططها في التعامل مع الأزمتين الإيرانية والكورية الشمالية.
هذه بعض الأمثلة فقط على منافسة الصين للولايات المتحدة. وما يزيد من تعقيد المشهد هو ذلك التحالف الذي يجمع بكين وموسكو في ملفات عدة. فروسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين تشبه كثيرا الصين في عهد تشي جينبينغ. فكلاهما يدرك تماماً حجم قوة بلاده وقدرتها على التأثير على الخارطة العالمية.
على سبيل الفرز الأولي، تبدو الهند وأستراليا وكندا والمملكة المتحدة من الدول المهتمة بذلك التحالف الأمريكي. هي لا تريد معاداة الصين بقدر ما تريد خلق توازن بين أهمية التعامل مع بكين والحاجة إلى الحد من عنجهيتها إن جاز التعبير. وهذا لن يتم إلا بالتحالف مع الولايات المتحدة في جبهة واحدة.
قد يساعد تحديد أهداف التحالف الأمريكي أو وضع سقف لعدائه مع الصين، في تشجيع مزيد من الدول على الانخراط فيه. فالصيغ الفضفاضة في مثل هذه الحالات تحدث مفعولاً عكسياً. وخاصة عندما يكون التحالف المرتقب برئاسة ترامب الذي انسحب من اتفاقات وتحالفات عديدة منذ توليه الرئاسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة