قد يكون الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، أشد العقوبات الفردية التي تخشاها إسرائيل من دول أوروبية وغربية عموما كرد على إجراء الضم.
منذ عقود والأوروبيون يؤيدون القرارات الأممية في حل الدولتين على حدود 1967. يؤيدون بصمت لا يزعج الحليف الإسرائيلي، ولكنه في الوقت نفسه يشجع الفلسطينيين على الانخراط في المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والأممية، التي يمكن أن تساندهم في مقاومتهم ضد انتهاكات الاحتلال.
إلى حد بعيد، السلطة الفلسطينية هي التي أرادت أن تصبح هذه المنظمات ميدان المقاومة الحقيقي ضد الاحتلال الإسرائيلي، أرادتها بديلا عن الكفاح المسلح والانتفاضات بالحجارة أو السكاكين أو حتى الهتافات، لها أسبابها، وللخيار سلبياته وإيجابياته، ولكن استحقاقات اليوم تحتاج المزيد حتماً.
بعيداً عن محاكمة المقاومة المنظماتية إن جاز التعبير، يقف الفلسطينيون اليوم بسلطتهم وفصائلهم وحلفائهم العرب والأوروبيين، أمام استحقاق وقف خطة ضم الاحتلال لنحو ثلث مساحة الضفة الغربية، لن تكون المهمة سهلة ابداً، وقد تكون ملغمة بنوايا إسرائيلية وأمريكية خبيثة، ولكن لا مفر.
الموقف الأوروبي يتباين من هذا الاستحقاق في ثلاث اتجاهات رئيسية، الأول يؤيد إسرائيل ظالمة كانت أم مظلومة، والثاني لا يضيره مخاصمتها إلى أبعد الحدود أيا كانت النتائج، أما الاتجاه الثالث وهو يمثل الدول القادة في الاتحاد الأوروبي، فهو يتجنب خصومة إسرائيل ولكنه لا يوافق على الضم.
قد يكون الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، أشد العقوبات الفردية التي تخشاها إسرائيل من دول أوروبية وغربية عموما كرد على إجراء الضم، ولكن هذه العقوبة تحديداً هي الأصعب على خصوم تل أبيب في أوروبا.
رفض دولة واحدة في الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على إسرائيل بعد ضم مناطق فلسطينية يعني فشل هذا الاحتمال في سياق الخيارات الممكنة للرد على تل أبيب، والخيار الثاني يكون بتبني كل دولة في القارة العجوز خياراتها الخاصة وحلولها الفردية في التعامل مع الخطوة الإسرائيلية إن حدثت.
ولا يبدو أن العقوبات الفردية من الدول الأوروبية ستحمل تأثيرا كبيرا على دولة الاحتلال باقتصادها أو سياستها الخارجية، ربما نجد دولة أوروبية مستعدة لإقرار مثل هذه العقوبات. ولكن هذه الدولة لن تكون بثقل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا، والعقوبات هنا لن توجع إلى حد تراجع إسرائيل عن الضم.
قد يكون الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، أشد العقوبات الفردية التي تخشاها إسرائيل من دول أوروبية وغربية عموما كرد على إجراء الضم، ولكن هذه العقوبة تحديداً هي الأصعب على خصوم تل أبيب في أوروبا، كما أنها تحتاج إلى ترتيبات قانونية وسياسية كي لا تبقى حبراً على ورق.
الدول القادة في القارة العجوز كبريطانيا وألمانيا وفرنسا أكدوا أنهم لن يعترفوا بأي تغييرات على الخرائط الأممية لفلسطين وإسرائيل إن لم توافق عليها الدولتان معاً، إذاً لن يكون هناك اعتراف أوروبي بالضم، ولن يكون هناك دعم أوروبي لإسرائيل فيما قد تواجهه جراء هذه الخطوة في المنطقة والعالم.
ثمة وجه ثالث للدعم الأوروبي الممكن للفلسطينيين في حال تنفيذ الاحتلال لخطط الضم، ألا وهو مناصرتهم في المناشدات القانونية والحقوقية التي يمكن أن يطرقوا بها أبواب المنظمات والمؤسسات الدولية والأممية لمعاقبة إسرائيل على فعلتها، وطبعاً سيجدون أمريكا تقف لهم بالمرصاد أينما ذهبوا.
الأفضل من كل هذه الخيارات بالنسبة للأوروبيين هو الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد، هم يرغبون بلعب دور راعي السلام في الشرق الأوسط بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية التي فقدت مصداقيتها في القضية الأقدم والأعقد في تاريخ المنطقة الحديث.
لا ضير بالنسبة للفلسطينيين في استبدال الوسيط الأمريكي بالأوروبي في مفاوضات السلام مع إسرائيل. ولكن بشرطين أساسيين، الأول أن يكون الوسيط الجديد قادرا على ممارسة ضغوطه الخاصة إن تراجعت تل أبيب أو تهربت من إلتزاماتها، والثاني أن تكون المفاوضات على أساس القرارات الأممية للسلام.
لا يبدو أن الأوروبيين يمتلكون أدوات الضغط الكافية على تل أبيب، ولا يبدو أيضاً أن الإسرائيليين مستعدون للعودة إلى الخرائط الأممية للدولتين في المفاوضات، بعد كل ما أنجزوه على مدار عقود من خطط ضم ومستوطنات وتجاوزات، غيرت من جغرافية وديمغرافية الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
من هنا تنطوي المفاوضات على خطورة بالغة للفلسطينيين إن وافقوا على أي أرضية أخرى لها غير القرارات الأممية المعنية. فذلك سيكون بمثابة تنازل منهم عن كل انتهاكات إسرائيل السابقة بحق أرضهم وبلدهم، وبالتالي لن تعود القدس الشرقية حقا لهم، ولن تكون مستوطنات الاحتلال أجزاءً مقتطعة من وطنهم.
ربما تريد إسرائيل مساومة الفلسطينيين على أسس تفاوض جديدة مقابل تراجعها عن خطط الضم، وفي السياق ذاته تريد مساومة الدول العربية على التطبيع مقابل إلغاء الضم. في هذه الحالة لن يكون للأوروبيين دور يذكر، أو ربما يلعبون دوراً سلبيا بالترويج للنوايا الإسرائيلية "الصادقة" بالتطبيع والتفاوض.
وسواء كانت تل أبيب تبيت مثل هذه النوايا، أو أنها ماضية باتجاه تنفيذ الضم دون مراوغة، فيجب على الفلسطينيين ترتيب بيتهم الداخلي لمواجهة جميع الاحتمالات، لابد أن تكون الوحدة الفلسطينية أساس المواجهة أو التفاوض، حينها وحينها فقط يضيق الخناق على حكومة دولة الاحتلال في الداخل والخارج.
انقلاب حلفاء إسرائيل عليها بسبب خطة الضم فرصة تحتاج إلى استثمار صحيح أول شروطه المصالحة الفلسطينية، فالدول الأوروبية والغربية عموماً، ستكون أكثر حماسة في دعم شعب مضطهد يقاوم تحت راية قيادة واحدة، وخاصة إن وقف العرب جميعهم خلف هذه المصالحة وسخروا لها كل أسباب النجاح.
ولا نبالغ بالقول إن المصالحة الفلسطينية قد تدفع بالاحتلال إلى إعادة النظر بخطة الضم. فالإسرائيليون يدركون أن هذه المصالحة ستضعهم في مواجهة حقيقية مع الفلسطينيين، ليس في أروقة المنظمات الإنسانية والحقوقية فحسب، وإنما في الساحات وعلى الحدود تحت عنوان الانتفاضة الرابعة والأخيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة