يبقى التحدي الأكبر والأخطر أمام الكاظمي هو التخلص من سطوة المليشيات الطائفية وحصر السلاح في يد الدولة العراقية فقط دون غيرها.
استبشر الشعب العراقي وشعوب المنطقة العربية كلها خيراً بتعيين السيد مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة العراقية الجديدة، وتصديق البرلمان على تشكيلة حكومته في مايو الماضي. وسبب الاستبشار ما هو معروف عن الرجل من صرامة وحسم بحكم خبرته السابقة كرئيس لجهاز الاستخبارات، والتي تجعله على معرفة ودراية بكافة التحديات الأمنية التي تواجه العراق في الداخل، ولاسيما من قبل المليشيات الطائفية، إضافة إلى كونه شخصية محايدة ومستقلة، لا ترتبط بقوى سياسية معينة، وإنما يحتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، ويضع مصالح العراق دون سواها على رأس أولوياته، عكس بعض من سبقوه الذين أعلوا مصالحهم الطائفية الضيقية، ورهنوا مصالح العراق وأمنه وسيادته بمصالح قوى إقليمية طائفية لا يعنيها أمن العراق ولا رفاهية شعبه وأبنائه.
لا شك أن هذه السمات القيادية هي ما يحتاجه العراق للخروج من الأزمة الممتدة والمركبة التي عصفت به منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، وإحلال هذا النظام الذي أضر بالشعب العراقي وشعوب المنطقة كلها بسبب مغامراته غير المحسوبة، بنظام قائم على المحاصصة الطائفية أفضى للأسف إلى إلحاق هذا البلد العربي الكبير بالمشروع الطائفي الإيراني، وفاقم من حدة التوترات والانقسامات الداخلية التي جعلت من هذا البلد بيئة مثالية لنمو وانتشار الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذي اتخذ من هذا البلد ركيزة لإعلان دولة الخلافة المتوهمة.
يبقى التحدي الأكبر والأخطر أمام الكاظمي هو التخلص من سطوة المليشيات الطائفية وحصر السلاح في يد الدولة العراقية فقط دون غيرها.
ولا خلاف على أن الكاظمي كان له دوره الحاسم في كسب المعركة مع تنظيم "داعش" الإرهابي والقضاء على خلافته المزعومة، بالتنسيق والتعاون مع التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة، وهو يواصل حالياً معركته للقضاء على بقايا وفلول هذا التنظيم. كما يقود الكاظمي معركته السياسية بكفاءة عالية، لإبعاد العراق عن دائرة الاستقطاب الأمريكي- الإيراني، وعن دائرة الهيمنة الإيرانية وهي معركة ليست سهلة، لكنه يحقق فيها انتصارات مهمة، ويكفي أن نشير هنا لمؤشرين فقط، الأول هو انعقاد الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة في شهر يونيو الماضي، والذي أسفر عن تثبيت الوجود العسكري الأمريكي في العراق مع تقليص جزئي للقوات، بعد أن كان الحديث يتم عن سحب واشنطن لقواتها هناك تلبية لقرار البرلمان العراقي الذي اتخذ تحت ضغط وتهديد القوى الشيعية الموالية لإيران عقب اغتيال قاسم سليماني.
المؤشر الثاني المهم هو الإعلان الأسبوع الماضي عن زيارة مرتقبة عاجلة لرئيس الوزراء العراقي إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة لتكون المملكة أول دولة يزورها الكاظمي بعد توليه مهام منصبه، وهو ما يؤكد حرص هذه الحكومة على إعادة الاعتبار للعمق العربي للعراق، وهو توجه يستحق الدعم لاستعادة العراق من جديد لمنظومة الأمن القومي العربي التي تواجه في الظروف الحالية مخاطر وتهديدات غير مسبوقة.
ولكن يبقى التحدي الأكبر والأخطر أمام الكاظمي هو التخلص من سطوة المليشيات الطائفية وحصر السلاح في يد الدولة العراقية فقط دون غيرها، وهو تحد على درجة كبيرة من الأهمية. فمن غير الممكن الحديث عن أمن واستقرار في ظل وجود مليشيات وجماعات مسلحة كثيرة لا تخضع لسيطرة الدولة، ولاسيما أن كثير من هذه الجماعات ترتبط بالخارج وتتلقى الدعم والتوجيه من قوى تسعى لاستمرار هيمنتها على مقدرات العراق وشعبه.وقد أظهرت هذه المليشيات خطورتها في مناسبتين عقب تولي الكاظمي السلطة، الأولى هي إعلان الكاظمي تلقيه معلومات عن محاولة اغتياله هو شخصياً في يونيو الماضي. والثانية هي قيام هذه المليشيات باغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي الذي ينتقد في كتاباته الجماعات المسلحة والطائفية.
ويدرك الكاظمي أهمية هذا الملف، وأهمية التحدي المتمثل بإخراج العراق من سطوة المليشيات الطائفية، ولاسيما تلك المرتبطة بالمشروع الإيراني، وهو يتحرك بجدية في هذا المجال. ورغم صعوبة هذه المعركة وأهميتها لمستقبل العراق المستقل والمزدهر، فإن الثقة كبيرة برئيس الوزراء العراقي لتحقيق اختراق مهم فيها، ولاسيما بعد أن أبعد المناصب الحساسة في وزارتي الداخلية والدفاع عن نفوذ القوى الطائفية المحسوبة على إيران وعهد بها إلى ضباط مستقلين. ولكنه يحتاج إلى دعم دولي وإلى احتضان عربي لعلاج أخطاء سنوات طويلة من التخبط وسوء الإدارة والفوضى. ولاشك أن زيارته المرتقبة للرياض يمكن أن تشكل بداية جديدة للعلاقات العراقية- العربية.المؤشر الثاني المهم هو الإعلان الأسبوع الماضي عن زيارة مرتقبة عاجلة لرئيس الوزراء العراقي إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة لتكون المملكة أول دولة يزورها الكاظمي بعد توليه مهام منصبه، وهو ما يؤكد حرص هذه الحكومة على إعادة الاعتبار للعمق العربي للعراق، وهو توجه يستحق الدعم لاستعادة العراق من جديد لمنظومة الأمن القومي العربي التي تواجه في الظروف الحالية مخاطر وتهديدات غير مسبوقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة