عقد "سلام هش" ينفرط.. مالي على شفا المجهول
بتعليق المجموعات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في مالي تقيدها ببنوده، يدخل البلد الأفريقي مدارا مجهولا بكلفة محلية وإقليمية باهظة.
والخميس، علقت غالبية الجماعات المسلحة التي وقّعت الاتفاق في عام 2015، تعليق التزامها ببنوده، منددة بـ"افتقار المجلس العسكري الحاكم للإرادة السياسية" للحفاظ عليه.
وقررت "تنسيقية حركات الأزواد"، وهي تحالف من الطوارق وقوميين عرب من شمالي مالي، مع الغالبية الساحقة لبقية المجموعات المسلحة الموقعة على الاتفاق، "بالإجماع، تعليق مشاركتها في المراقبة وآليات تنفيذ" الاتفاق.
والاتفاق وقعته التنسيقية وبقية الحركات المسلحة، في 2015 بالجزائر، مع المجموعات المسلحة الموالية للحكومة والدولة المالية، وتضمن عددا من البنود التي لم يتم تنفيذها لاحقا بشكل كامل، ما انعكس سلبا على الأرض.
وجاء في بيان مشترك للحركات المسلحة أن التعليق سيستمر "حتى عقد اجتماع بوساطة دولية وعلى أرض محايدة لاتخاذ قرار بشأن مستقبل الاتفاقية المذكورة".
وأعربت الجماعات المسلحة عن أسفها "لعدم وجود إرادة سياسية لدى السلطات الانتقالية لتطبيق اتفاق السلام والمصالحة في مالي".
وندد الموقعون بعدم تحرك السلطات "في مواجهة التحديات الأمنية التي تسببت في مقتل مئات الأشخاص وتشريدهم" في مناطق ميناكا وغاو وتمبكتو.
وأطلقت الجماعة المسلحة "نداء عاجلا" للمنظمات الإنسانية لمساعدة السكان المنكوبين في تلك المناطق.
تداعيات
في بلد يقف على رمال متحركة وتطوقه التحديات والمخاطر من كل جانب، لا يبدو أن قرار التعليق سيكون بلا ارتدادات قاتلة لن تعيد مالي فقط إلى المربع الأول، لكنها قد تزج به في المجهول.
فهذا البلد الذي لم ينجح منذ عقد من الزمن في الخروج من أزماته، يواجه جيوب الإرهاب في كل شبر منه، بعد أن امتدت الهجمات من الشمال إلى وسطه ومؤخرا إلى غربه لتصل حدود موريتانيا.
وبإعلان قرار مماثل، فإن عقد السلام الهش الذي كان يشكل نقطة أمل ضئيلة للاستقرار المنشود، يتجه لانفراط قد يولد مشهدا أكثر قتامة من السابق والراهن، وهذا ما قد يحول البلد بأكمله -ومنطقة الساحل عموما- لمرتع للإرهاب.
فقبل عشر سنوات، شهد شمال مالي اضطرابات بعدما أطلق الطوارق حملة تمرّد للمطالبة بالاستقلال أو بالحكم الذاتي، وسرعان ما انضم إليهم متشددون ليتوسع نطاق الأزمة وتصل إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين.
وينص الاتفاق الموقع في 2015 على مزيد من الحكم الذاتي المحلي ودمج المقاتلين فيما يسمى بالجيش "المعاد تشكيله" تحت سلطة الدولة. غير أنه لم يُطبق سوى جزء من بنوده.
لكن، ورغم الهوة الحاصلة بين النظري والتطبيقي، إلا أن وجود الاتفاق في حد ذاته شكل نوعا من الحصن خصوصا في مناطق الشمال، وهذا ما يفسر تراجع الهجمات الإرهابية فيها في أوقات كثيرة.
غير أن هنان كثيرة وأوجه قصور عديدة تحدثت عنها بعض الحركات المسلحة سابقا، جعلت خبراء يجزمون بأن الاتفاق لن يصمد كثيرا، وقطيعة نهائية بين موقعيه في الأفق القريب.
وقبل أيام، نددت تنسيقية حركات الأزواد بـ"فشل" اتفاق السلام ودعت الجهات الدولية الضامنة له إلى التدخل لمنع انهياره مع ما يعنيه ذلك من ارتدادات وخيمة في بلد فقير وغير ساحلي بقلب الساحل.
واعتمدت حكومة باماكو جدولا زمنيا انتقاليا للسماح للمدنيين بالعودة إلى السلطة في مارس/آذار 2024، لكن الأزمة السياسية تتزامن مع أخرى أمنية خطيرة مستمرة منذ أكثر من عقد، وسط مؤشرات تنذر بالأسوأ مستقبلا.
aXA6IDEzLjU5LjExMi4xNjkg
جزيرة ام اند امز