الوجود العسكري الأوروبي بأفريقيا.. درس قاسٍ في 2022
بين شد وجذب، بدا واضحا أن 2022 هو عام الانسحابات العسكرية الأوروبية من أفريقيا، وتحديدا مالي، أو تقليص وجودها بنية المغادرة التامة.
سيناريو كانت القوات الفرنسية في صدارة المشهد منه وبرفقتها القوات البريطانية والألمانية بينما سيتولى عقد الانسحابات فرط حباته لدول مماثلة كالدنمارك والمجر وغيرها من دول القارة العجوز.
قرارات بسحب قوات أوروبية، دولة تلو الأخرى، كان السبب الرئيسي فيها آخر انقلاب عسكري شهدته مالي في مايو/أيار 2021، حيث قادت البلاد حكومة انتقالية عسكرية، على علاقات وثيقة مع روسيا.
وشهدت مالي، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 20 مليون نسمة، 3 انقلابات عسكرية منذ عام 2012، وتعتبر غير مستقرة سياسيا إلى حد كبير، لكن الانسحابات العسكرية الأوروبية من هذا البلد مثلت خروجا ملحوظا من القارة السمراء.
شرارة الغضب المالي ضد الوجود العسكري الأوروبي، بدأت في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما طالبت السلطات في باماكو، الدنمارك بسحب قواتها الخاصة الموجودة على أراضيها "فورا".
حينها كانت القوات الخاصة الدنماركية تنتشر في مالي (غرب أفريقيا) كمساهمة في قوة تاكوبا لمكافحة الإرهاب بقيادة فرنسا، بينما كانت النرويج والبرتغال والمجر تنتظر الموافقة ولم تنشر قوات.
الخروج الفرنسي
بعد 9 سنوات من الوجود العسكري بمنطقة الساحل، منذ إطلاق عملية سرفال الفرنسية في مالي عام 2013 والتي نقلت عام 2014 إلى قوة برخان، قررت باريس سحب قواتها من هذا البلد الأفريقي.
ففي منتصف أغسطس/آب الماضي، أتم الجيش الفرنسي سحب آخر جنوده من مالي في خطوة أنهت واحدة من كبرى عمليات الجيش الفرنسي بالخارج بقرار أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون في فبراير/ شباط الماضي.
حينها أعلنت هيئة الأركان العامة الفرنسية، أن "آخر وحدة من قوة برخان الموجودة على الأراضي المالية عبرت الحدود بين مالي والنيجر، وتمت مواجهة هذا التحدي اللوجستي الكبير بترتيب جيد وأمان، وكذلك بشفافية تامة مع جميع الشركاء".
وفي 17 فبراير/شباط 2022، أطلق ماكرون عملية انسحاب القوات الفرنسية من مالي، وجرى منذ ذلك الحين ربط قوافل جوية وبرية بين قاعدة غاو شمالي مالي والنيجر.
ومنذ الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي تزايدت المخاوف من إخلاء البلد الأفريقي من وجود كان يشكل حائط صد في منطقة تعد معقلا لتنظيمي القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية.
على مدار السنوات التسع الماضية، شكل الانتشار العسكري الفرنسي مكاسب جوهرية، والآن تتزايد المخاوف من تحول مالي مجددا إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وسينعكس ذلك مباشرة على أمن منطقة الساحل الأفريقي ومن بعدها دول عربية كثيرة بمقدمتها بلدان المغرب العربي.
فبالنسبة لهذه المناطق، مثّل الانسحاب الفرنسي من مالي، ومن بعده تعليق العمليات العسكرية الألمانية، ضربة قاصمة لجهود مكافحة الإرهاب بهذا البلد الذي يشكل عمق الساحل، كما أنه في حال إعادة انتشار القوات الأوروبية -على الأقل وفق الخطة الفرنسية- قد لا يشكل بديلا فاعلا ضد التنظيمات التي تتحين ما ستخلفه المواقف من ثغرات.
وداع بريطاني
بعد ثلاثة أشهر من الانسحاب الفرنسي، أعلنت الحكومة الفرنسية في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، سحب 300 جندي من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي.
وداع بريطاني عسكري للأراضي المالية يمثل انسحابا مبكرا للندن، بعد أن بدأت فرنسا وحلفاؤها العسكريون في سحب آلاف القوات من هذا البلد الأفريقي.
خطوة دفعت المجلس العسكري في مالي لسرعة التعاون مع متعاقدين من القطاع الخاص ينتمون إلى مجموعة فاغنر الروسية، وفقا لما ذكرته رويترز.
وتسببت الانسحابات الغربية من مالي، خلال 2022، في مخاوف الدبلوماسيين من أن يؤدي ذلك إلى زيادة العنف وزعزعة استقرار الجيران وتشجيع الإرهابيين.
وزير القوات المسلحة البريطانية جيمس هيبي اعتبر أن الانقلابات الأخيرة في مالي قوضت الجهود الدولية للمساعدة في إحلال السلام في البلاد، التي شهدت عنفًا متزايدًا في السنوات الأخيرة من قبل جماعات مرتبطة بالقاعدة وداعش.
وأرسلت بريطانيا قوات إلى مالي أواخر عام 2020 لتقديم دعم استطلاعي لمهمة حفظ السلام التي يبلغ قوامها 14 ألف فرد.
ألمانيا تكمل المثلث
برلين أيضا ورغم عدم سحب قواتها فعليا في العام الجاري، إلا أنها أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي سحب قواتها العسكرية من مالي بحلول أواخر عام 2023.
ويشارك الجنود الألمان في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي "مينوسما".
وواجهت القوات الألمانية صعوبات متزايدة في الأشهر الأخيرة واضطرت عدة مرات إلى تعليق دوريات استطلاع لعدم منحها تصاريح طيران، حيث لم تتمكن من إجراء استطلاع جوي بطائرة مسيّرة لأكثر من شهر.
ويشارك الجيش الألماني في البعثة الأممية بمالي منذ عام 2013 بنحو 1400 عسكري، وكانت باماكو تأمل في أن تعوض القوات الألمانية جزئيا انسحاب القوات الفرنسية في وقت سابق من هذا العام.
ومن بين الأزمات في أغسطس/آب الماضي، سحب الجيش الألماني، 60 جنديا من قاعدة لوجستية في مطار باماكو عاصمة مالي، استجابة لطلب من الحكومة هناك.
آنذاك، أعلنت قيادة عمليات الجيش الألماني، أنه تم نقل الجنود إلى معسكر الأمم المتحدة القريب "بيفروست"، في خطوة تجعل "مهمة الجيش الألماني في مالي أكثر صعوبة".